ترجمات أجنبية

فورين بوليسي: إسرائيل تصعّد حربها في سوريا

فورين بوليسي 29-3-2025، تشارلس ليستر*: إسرائيل تصعّد حربها في سوريا

خلال الأسابيع الستة الماضية، شنّ الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 70 عملية توغل بري في جنوب غرب سوريا، ونفّذ ما لا يقل عن 31 غارة جوية في أنحاء البلاد. وقد ازدادت حدة العمليات البرية والجوية الإسرائيلية في سوريا بشكل حاد، في ظلّ سعي المرحلة الانتقالية الهشة للغاية في البلاد إلى إعادة توحيدها بعد قرابة 14 عامًا من الصراع المنهك.

في 25 مارس/آذار، تصاعد الوضع بشكل حاد، عندما قُوبلت محاولة توغل بري للفرقة 71 بنحو 10 مسلحين محليين، والذين، وفقًا لمصادر محلية تحدثت معي بعد ذلك بوقت قصير، أطلقوا النار في الهواء في محاولة لردع جيش الدفاع الإسرائيلي عن دخول قريتهم كويا. شرع جيش الدفاع الإسرائيلي – مدعيًا تعرضه لإطلاق نار مباشر – في إطلاق قذائف دبابات على القرية وشن غارة جوية واحدة على الأقل، مما أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل.

اتضح رد إسرائيل على سقوط الرئيس السوري بشار الأسد من السلطة في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024 فورًا عندما شن جيش الدفاع الإسرائيلي أكثر من 600 غارة جوية في أنحاء سوريا خلال الأيام العشرة التي تلت رحيل الأسد. وبينما كانت طائراته تقصف كل قاعدة ونقطة عسكرية تقريبًا في جميع أنحاء البلاد، عبرت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي إلى سوريا، محتلة المنطقة العازلة بأكملها التي أنشئت بموجب اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974 بين البلدين – مما أدى فعليًا إلى تمزيق تلك الاتفاقية القائمة منذ فترة طويلة. ومنذ ذلك الحين، تقدمت قوات جيش الدفاع الإسرائيلي مسافة 12 كيلومترا على الأقل (7.5 ميلا) داخل الأراضي السورية، حيث قامت بزرع حقول الألغام، وتعبيد طرق وصول جديدة، والتسبب في نزوح المدنيين.

ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه إسرائيل كاتس إلى جعل الجنوب السوري منطقة منزوعة السلاح وبالكامل. وعبرا عن تصميم لحماية دروز سوريا من تهديدات مفترضة. وقد تمظهرت هذه السياسة من خلال شكلين، ركزت الأولى على حادثة وقعت في أوائل آذار/ مارس، عندما هددت إسرائيل بتدخل عسكري للدفاع عن مسلحين دروز في ضاحية جرمانا جنوب دمشق. وقد جاء هذا التهديد بعد أن أطلقت ميليشيا درزية محلية، مؤلفة من مقاتلين سابقين في نظام الأسد، تعرف محليا باسم “الشبيحة” النار على جندي من الحكومة المؤقتة، مما أدى إلى مقتله أثناء محاولته زيارة أقاربه في مناطقهم، مما أدى إلى مواجهة. وفي الوقت الذي كانت إسرائيل تطلق فيه تهديداتها، سافرت أقوى الميليشيات الدرزية شمالا من قواعدها في السويداء إلى جرمانا للتفاوض وتنفيذ اتفاق تم بموجبه تسليم المسلحين المشتبه بمسؤوليتهم عن القتل للمحاكمة ووضع جرمانا تحت السيطرة الكاملة للحكومة المؤقتة.

 أما الشكل الثاني الذي تمظهرت فيه السياسة الإسرائيلية الجديدة، فقد جاء من خلال تشكيل ميليشيا درزية جديدة عرفت باسم “المجلس العسكري الأعلى للسويداء”.

وبحسب أربعة من كبار الشخصيات العسكرية والسياسية والدينية الدرزية في السويداء، والذين تحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم، فإن المجلس العسكري الأعلى للسويداء يضم 3 جنرالات سابقين في نظام الأسد بين قياداته العليا، وقد سلح نفسه من مخازن الجيش السوري السابقة.

ومن المعروف لدى دروز سوريا أن المجلس العسكري الأعلى للسويداء، يحافظ على علاقات مع إسرائيل من خلال الدروز هناك. ومن اللافت أن علم المجلس العسكري الأعلى للسويداء يشبه إلى حد كبير علم قوات سوريا الديمقراطية، شريكة الولايات المتحدة في الحرب ضد تنظيم الدولة الإسلامية، والتي أبدت أحيانا انفتاحا على العلاقات مع إسرائيل.

وكان عناصر المجلس العسكري الأعلى للسويداء هم من رفعوا العلم الإسرائيلي في مركز مدينة السويداء خلال المواجهات في جرمانا، ليقوم الأهالي بعد دقائق بإزالته وإشعال النار فيه.

إن التصعيد الأخير القاتل في سوريا يمثل لحظة خطيرة للغاية، وهي لحظة غير ضرورية على الإطلاق، وكان سقوط نظام الأسد ضربة للمصالح الإستراتيجية الإيرانية وشل سيطرتها على سوريا تماما وأجبر كامل بنيتها التحتية العسكرية والتابعة لها على الفرار من البلاد وتسريح قواتها. ومنذ سقوط الأسد قبل نحو أربعة أشهر، لم تتعرض إسرائيل لأي هجوم نشأ من داخل سوريا. وخلال تلك الفترة، اعترضت قوات الأمن التابعة للحكومة المؤقتة في البلاد ما لا يقل عن 18 شحنة أسلحة كانت متجهة إلى حزب الله في لبنان، وصادرت وفككت ما لا يقل عن ثمانية مواقع لإطلاق الصواريخ كانت مرتبطة سابقا بإيران. ومنذ توليها السلطة في كانون الأول/ديسمبر كانت الحكومة المؤقتة واضحة في موقفها الساعي لبناء علاقات مع الجيران والمجتمع الدولي خالية من المشاكل.

ورغم تعرضها للإنتقام العسكري لأكثر من عقد الزمان، تجري السلطات الجديدة في دمشق الآن حوارا منتظما ومثمرا بشكل متزايد مع روسيا، التي لا تزال قواتها متمركزة في قواعدها الجوية والبحرية على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

البراغماتية المطلوبة لإحداث مثل هذا التحول الدبلوماسي قد تكون مثيرة للإعجاب بالنسبة للسياسيين المحترفين، ولكن في سوريا، تأتي هذه البراغماتية من الإسلاميين الذين اكتسبوا خبرة قتالية كبيرة ويسعون الآن إلى تحقيق الاستقرار في سوريا وإعادة دمجها في المجتمع الدولي.

 فمنذ أواخر كانون الثاني/ يناير قدمت تركيا مقترحا عسكريا كبيرا للحكومة المؤقتة يتضمن نشر طائرات مقاتلة وأنظمة دفاع جوي في قاعدتين جويتين (الشعيرات وتي فور) في وسط سوريا في محاولة لفرض السيادة على المجال الجوي السوري.

من الواضح أن هذا المقترح يمثل تحد تركي مباشر لحرية إسرائيل الحركة في الاجواء السورية. ونظرا لأهمية التصعيد الإسرائيلي الأخير، فقد نكون الآن على وشك توقيع مثل هذا الاتفاق الدفاعي” وفقا لمسؤول كبير في الحكومة المؤقتة في دمشق، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته.

يحسب للرئيس المؤقت، أحمد الشرع ووزير الخارجية المؤقت أسعد الشيباني أنهما أجلا وبأدب، الالتزام بمقترح تركيا، لعلمهما التام بأنه سيثير أزمة خطيرة، إن لم تكن وجودية، على العملية الانتقالية الهشة. لكن مسار الأحداث الجارية يجعل هذه البراغماتية غير قابلة للتطبيق على نحو متزايد.

من المفارقات إلى حد ما، أنه بالإضافة إلى إسرائيل، فإن الحكومة الوحيدة الأخرى في العالم التي يبدو أنها تسعى إلى زعزعة استقرار سوريا هي إيران. ففي الأسابيع الأخيرة، واجهت الحكومة المؤقتة تمردا مناهضا لها. واتسم بقوته وقدراته وعدوانيته المتزايدة. وقد استند هذا التمرد على قادة سابقين في فرقة النخبة الرابعة لنظام الأسد، الحليف العسكري الرئيسي لإيران.

وكانت حملة منسقة، واشتملت على عشرات الهجمات شبه المتزامنة، شنها مقاتلوهم في اللاذقية وطرطوس. وهي الشرارة التي أشعلت موجة من عمليات القتل الانتقامية الواسعة على مدى عدة أيام، بدأت في 7 آذار/مارس.

وأدت المداهمة التي قامت بها قوات أمن الحكومة المؤقتة على مقرات عمليات هذه الفرقة للكشف عن خرائط جديدة التقطتها الأقمار الإصطناعية وصناديق من الدولارات الأمريكية ومعدات اتصالات بعيدة المدى، وذلك نقلا عن مسؤولين كبيرين تحدثا ،وهي أدلة اختارت الحكومة المؤقتة عدم نشرها، على حد قولهما.

إدارة ترامب، ربما لديها مخاوفها وشكوكها بشأن الحكومة المؤقتة في سوريا، ولكنها تدرك أيضا الفرصة التاريخية والاستراتيجية التي قدمها رحيل الأسد وهزيمة إيران الاستراتيجية في قلب الشرق الأوسط ولاغتنام هذه الفرصة وتحويلها إلى استقرار إقليمي تحويلي، يجب على إدارة ترامب أن تستخدم علاقاتها ونفوذها مع إسرائيل للضغط من أجل خفض التصعيد.

قد ينتهي الأمر بسوريا الجديدة، التي رفضت سابقا إظهار أي نية عدائية، إلى خيار وحيد هو الرد إذا استمر هذا العدوان الإسرائيلي غير المبرر والقاتل. ويقول إنه ربما حملت إدارة ترامب أملا في انضمام سوريا ما بعد الأسد إلى الاعتراف رسميا بإسرائيل من خلال التوقيع على اتفاقيات إبراهام. لكن ذلك لن يكون ممكنا إلا إذا أوقفت إسرائيل عملياتها العسكرية واحتلالها غير القانوني للأراضي السورية.

شارلس ليستر، الزميل البارز ومدير برامج سوريا ومكافحة الإرهاب والتطرف في معهد الشرق الأوسط في واشنطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى