فورين بوليسي: أوروبا لا علاقة لها بالشرق الأوسط الجديد

فورين بوليسي 25-6-2025، أنشال فوهرا: أوروبا لا علاقة لها بالشرق الأوسط الجديد
في 23 يونيو/حزيران، كان من المقرر أن يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لمناقشة كيفية معاقبة إسرائيل على طبيعة حملتها العسكرية في غزة، بعد أن خلص تقرير داخلي إلى أن إسرائيل ربما تكون قد انتهكت حقوق الإنسان هناك، في خرق للمادة الثانية من اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. ولكن بحلول وقت وقوع الحدث، كانت هذه المخاوف قد طغت عليها الصراعات بين إسرائيل والولايات المتحدة ضد إيران.
وأصدرت أوروبا دعوات لضبط النفس في أحدث مسرح للقصف الإسرائيلي، لكن هذه المناشدات قوبلت بالتجاهل. وبعد فشل محاولاتهم الدبلوماسية، وجد الوزراء الأوروبيون أنفسهم حائرين لتحديد خطوتهم التالية.
وقبل يوم من قصف الولايات المتحدة للمواقع النووية الإيرانية الرئيسية في فوردو ونطنز وأصفهان، التقت كبيرة دبلوماسيي الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجية ألمانيا وفرنسا وبريطانيا أو ما يسمى الثلاثي الأوروبي، بنظيرهم الإيراني في جنيف.
ولم يسفر ذلك الإجتماع عن شيء، بعدما قالت إيران بأنها لن تستأنف المفاوضات مع الولايات المتحدة حتى توقف إسرائيل القصف. وكتبت مسؤولة الشؤون الخارجية مايا كالاس على منصة إكس: “تعرف طهران ما هو على المحك”. وبحسب دبلوماسي في الاتحاد الأوروبي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته، فقد تم تحقيق مكسب ضئيل. فعلى الرغم من عدم تحديد موعد الاجتماع التالي، كانت إيران مستعدة لمواصلة الحوار مع الأوروبيين، وإن لم تقدم أي تنازلات حتى ذلك الوقت. ولكن، قبل أن يتمكنوا من عقد أي اجتماع، خلص الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 20 حزيران/يونيو إلى أن أوروبا “لن تكون قادرة على المساعدة” في حل الصراع، وأمر بضرب إيران خلال عطلة نهاية الأسبوع مستخدما القنابل الخارقة للتحصينات، والتي زعم أنها “دمرت” المواقع النووية.
وجاء في التقرير أن الأوروبيين ربما أخفوا مشاعرهم الحقيقية تجاه إدارة ترامب ومدى نجاح الضربات الأمريكية، لكن قلة منهم تنكر صعوبة عملهم بالتنسيق مع إدارة أمريكية تشعر أنها لا تحتاج فن عقد الصفقات الأوروبي.
وقال كورنيليوس أديبار، الزميل غير المقيم في وقفية كارنيغي أوروبا: ” لم يكن لدى ترامب أبدا، خيار الاعتماد على أوروبا”. ويخشى الثلاثي الأوروبي مما سيتركه رأيهم على واشنطن التي تعمل بناء على النزوات وتتبع جدولها الزمني الخاص وتهدد بإحباط المزيد من الدبلوماسية وربما دون حتى إشراكهم. ولم يتم إبلاغ ألمانيا والاتحاد الأوروبي الأوسع قبل ضربة الولايات المتحدة لإيران في نهاية الأسبوع.
لم يكن لدى ترامب أبدا، خيار الاعتماد على أوروبا ولم يتم إبلاغ ألمانيا والاتحاد الأوروبي الأوسع قبل ضربة الولايات المتحدة لإيران في نهاية الأسبوع.
ومع ذلك، يواجه الأوروبيون أزمة في علاقاتهم التجارية والأمنية المتشابكة والمترابطة بشدة مع الولايات المتحدة، حيث يجبرون على التعهد بإنفاق دفاعي بقيمة تصل إلى 5٪ من الناتج المحلي الوطني في قمة الناتو هذا الأسبوع، بينما يكافحون من أجل إبقاء الولايات المتحدة ملتزمة بالتحالف، وكل ذلك في الوقت الذي يحاولون فيه إقناع ترامل بالتخلي عن أو تقليل تهديده بفرض رسوم جمركية بنسبة 50٪ على الواردات من الاتحاد الأوروبي اعتبارا من 9 تموز/يوليو. ويجب عليهم الآن، أكثر من أي وقت مضى، الإلتزام بخط ترامب.
وفي الوقت نفسه، تدرك هذه الدول أن أوروبا ستعاني على المدى الطويل وأكثر من حليفتها عبر المحيط الأطلسي، لو قررت إيران، وهي دولة يبلغ عدد سكانها 90 مليون نسمة، تبني خيار زعزعة الاستقرار.
ففي عام 2018، عندما انسحب ترامب من جانب واحد من الاتفاق النووي مع إيران الذي وضع خلال إدارة أوباما، بقي الثلاثي الأوروبي في الاتفاق، مما يعكس اعتقادها بأن إيران لم تنتهك الاتفاق. ودعمت هذه الدول، في جوهرها، حق إيران في تخصيب اليورانيوم إلى الحد الأدنى من المستويات المطلوبة للأغراض المدنية.
وعندما اجتمع الوزراء في جنيف الأسبوع الماضي، أيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعوات واشنطن إلى تخفيض تخصيب إيران لليورانيوم بمستوى صفر، في تماه واضح مع السياسة الإسرائيلية. وقال: “من الضروري إعطاء الأولوية للعودة إلى مفاوضات جوهرية، بما في ذلك المفاوضات النووية للتحرك نحو التخصيب الصفري” لليورانيوم.
وكرر المسؤولون في بريطانيا وألمانيا والإتحاد الأوروبي أنه لا يمكن “السماح لإيران” ببناء السلاح النووي وبدت داعمة لإسرائيل، وبخاصة أنها لم تشجب الهجوم الإسرائيلي ضد إيران.
ففي دعم صارخ لإسرائيل، قال المستشار الألماني، فردريتش ميرز: “هذه الحرب القذرة التي تقوم بها إسرائيل من أجلنا جميعا”. وفي تصريح متناقض ظاهريا، تساءل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون عن الأساليب العسكرية وإن كانت ستنجز الأهداف المطلوبة لتحييد البرنامج النووي الإيراني.
وقال علي فائز، مدير إيران بمجموعة الأزمات الدولية لمجلة “فورين بوليسي” إنه لم تكن هناك تقارير استخباراتية جديدة تشير إلى محاولات إيران لبناء قنبلة نووية، مضيفا أن التصريحات الأوروبية كانت تهدف إلى شرح السبب الذي دفعها لدعم الهجمات الإسرائيلية والأمريكية ضد إيران. وقال: “قبل أسبوع لم يكن لدى أوروبا سياسة تخصيب صفر، أما الآن فهي تتبناها. وهذا يثبت أن الأوروبيين ليسوا سوى دول تابعة للولايات المتحدة ولم تدل أي من وكالات الاستخبارات الغربية بأي تصريح عن امتلاك إيران لقنبلة نووية”.
وجادل آخرون بأن القرار الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذي أشار إلى أن إيران لم تمتثل لالتزاماتها بموجب معاهدة حظر الانتشار النووي، قد زاد من القلق في أوروبا.
وجاء في القرار أن إيران “لم تلتزم بالتعاون” المنصوص عليه في اتفاقيتها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، “مما أعاق أنشطة التحقق التي تقوم بها الوكالة”. وقد أثار عدم كشف إيران بشكل مقبول عن معلومات بالغة الأهمية حول مخزوناتها النووية قلق أوروبا، لا سيما بعد أن وسعت إيران مستويات تخصيب اليورانيوم إلى نسبة نقاء 60%، وهي خطوة تقنية قصيرة نسبيا تفصلها عن عتبة 90% التي تعتبر درجة أسلحة جاهزة للاستخدام في الصواريخ.
وقال دبلوماسي أوروبي طلب عدم الكشف عن هويته: “تقول إيران إن اليورانيوم المخصب ليس لأغراض عسكرية، لكننا نجد صعوبة في تصديق ذلك”. وأضاف أن بلاده، إحدى الدول الثلاث، تضغط من أجل المزيد من عمليات التفتيش والضمانات بدلا من العمل العسكري. ويعتقد فائز أن إسرائيل ربما استخدمت قرار الوكالة الدولية للطاقة الذرية كذريعة لمهاجمة إيران. وصدر التقرير في 12 حزيران/يونيو، وشنت إسرائيل أولى ضرباتها في اليوم التالي، في 13 يونيو/حزيران.
وبينما ربما لم تتوقع أوروبا الخطوة الإسرائيلية، قال فائز إن تصعيد الصراع سيضر بمصالح أوروبا في المقام الأول. وقال: “يعتقد الإيرانيون أن أوروبا فشلت في إدانة حرب عدوانية ضدهم، في الوقت الذي شجبت فيه حرب روسيا العدوانية على أوكرانيا”. وأضاف أنه إذا صمدت الحكومة الإيرانية، فعلى أوروبا أن تتوقع منها مضاعفة سلوكها الذي أزعجها، “مثل العمليات السرية داخل أوروبا” و”المزيد من الرهائن الأوروبيين”. كما قال إن “تدفق المخدرات قد يزداد، حيث تمثل إيران حاليا عقبة رئيسية أمام تهريب المخدرات من أفغانستان إلى الحدود الأوروبية”.
جوليان بارنز- ديسي، مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، قال بأن أي هجوم إسرائيلي “غير مبرر ولم يستفز” على إيران سيلحق الضرر بأوروبا في النهاية أيضا. وأضاف: “سيغذي عدم الاستقرار الإقليمي الهجرة وسينتشر الإرهاب في المناطق الخارجة عن سلطة الدولة”. وأضاف أن التوترات ستعطل تدفقات الطاقة وأسعارها: و “سينجم عن صراع في قلب الشرق الأوسط عواقب عالمية سريعة جدا”. وفي محاورة نادرة مع ترامب، أعربت المفوضة الأوروبية، أورسلا فوندر لين عن مخاوفها من ارتفاع أسعار الطاقة في حال تصاعد التوترات، وخاصة إذا أغلقت إيران مضيق هرمز الضيق، الذي يمر عبره حوالي 20 مليون برميل من الوقود يوميا. كما دعت إلى اجتماع رفيع المستوى لفريقها الأمني لمناقشة تأثير الحرب على الاتحاد الأوروبي.
ويعتقد البعض أن أوروبا، القارة التي لا تزال تعاني من آثار الحرب السورية وما رافقها من تدفق للاجئين، لا تزال ضعيفة في استجابتها واستراتيجيتها.
لقد فقدت نفوذها على واشنطن، لكنها تفتقر أيضا إلى التفكير الدبلوماسي الإبداعي، ويتفق الخبراء على أن الاقتراح الذي طرحته إدارة ترامب قبل الصراع الحالي مع إيران، وهو اتحاد متعدد الجنسيات لليورانيوم في المنطقة يضم إيران والإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، ويلبي الاحتياجات المدنية ويوفر فرص تفتيش واسعة، كان فكرة أكثر أصالة لحل المأزق مع إيران من أي مقترح قدمه الأوروبيون.
والمفارقة بالنسبة لأوروبا، هي أنه بعد الدمار والموت وضرب واشنطن للمفاعلات النووية الإيرانية، لا يزال هناك غموض حول ما إذا كانت الولايات المتحدة قد تخلصت بالفعل من كامل اليورانيوم الإيراني المخصب، أم أن إيران نقلته بالفعل إلى مكان آخر وأخفته. وأضاف فائز: “إنه مخزن في أسطوانات غاز، وليس من الصعب نقله. يخيل للمرء أن إيران لديها خطط طوارئ” لضربات كتلك التي نفذتها الولايات المتحدة. وقال إن السبيل الوحيد لإنهاء البرنامج النووي الإيراني “هو من خلال التدخل البري أو الدبلوماسية”. وكان ماكرون قد أشار سابقا إلى أن موقع اليورانيوم المخصب غير معروف. وقال: “اليوم، لا أحد يعرف بالضبط مكان اليورانيوم المخصب بنسبة 60%. لذا، علينا استعادة السيطرة على البرنامج النووي الإيراني من خلال الخبرة الفنية والتفاوض”.
في غضون ذلك، لم تتوصل أوروبا إلى إجماع أو كان هناك اهتمام بتعليق اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل. وقالت كالاس بأن الفكرة لم تكن معاقبة إسرائيل، بل تحسين الأوضاع الإنسانية على أرض الواقع في غزة، ملمحة إلى أنه لا ثمن يدفع في حال انتهكت حقوق الإنسان.
ولم يكتفِ البرلمان الإيراني بموافقته على إغلاق مضيق هرمز، وهو شريان تجاري رئيسي، بل هدد أيضا بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي. ومن الواضح أن أوروبا تجد نفسها في وضع أكثر خطورة في الشرق الأوسط، حيث أصبح نفوذها هناك أقل من أي وقت مضى في التاريخ الحديث.