فورين بوليسي – أنظار الميليشيات المدعومة من إيران تحولت نحو القوات الأميركية
فورين بوليسي – بورزو داراغاهي* – 16/4/2018
مع تراجع تنظيم “داعش” والثوار المناهضين للنظام، تقوم الجماعات المسلحة المدعومة من إيران في سورية بتحويل تركيزها العسكري ليتجه نحو القوات الأميركية الموجودة على الأرض.
وكان المسؤولون العسكريون الغربيون والمحللون المستقلون يقولون منذ فترة طويلة إنها مسألة وقت فقط قبل أن تعمد هذه الميليشيات إلى استهداف القوات الأميركية الموجودة على الأرض في سورية. والآن، يمكن أن تكون الغارات الجوية التي شنتها الولايات المتحدة في نهاية الأسبوع قبل الماضي على المنشآت المزعومة للأسلحة الكيميائية سبباً في تسريع الشروع في شن مثل هذه الهجمات.
يقول فيليب سميث، الباحث في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي يتعقب شؤون الميليشيات المدعومة من إيران في سورية، إن الميليشيات “كانت لديها دائماً هذه النغمة المناهضة للولايات المتحدة. ولكن، عندما يكون لديك تهديد تلو الآخر، فإنك ترى أنهم يحاولون إرسال رسالة محددة”.
هذا الشهر، أعلن لواء الباقر، وهو إحدى الميليشيات المدعومة من إيران والعاملة في سورية، على صفحته على “فيسبوك” أنه سيبدأ بشن الهجمات على الأفراد العسكريين الأميركيين.
وقالت الميليشيا في بيان أصدرته في 6 نيسان (أبريل)، وتناقلته منافد إعلامية عدة في اليوم التالي: “نحن في قيادة لواء باقر نعلن الأخبار السارة عن إطلاق عمليات عسكرية وجهادية ضد المحتل الأميركي وكل أولئك التابعين له في سورية”. (يبدو أن “فيسبوك” قام بإغلاق الصفحة بعد فترة وجيزة).
وفي تقرير نُشر في الأسبوع قبل الماضي أيضاً، تحدث سميث عن تصاعد عداء هذه الميليشيا تجاه القوات الأميركية المتواجدة في شمال سورية، والذي أصبح يتجاوز الحد الطبيعي. وأشار إلى أن إعلان لواء الباقر ذهب أبعد من مجرد بيان للدعوة إلى الجهاد -أو الحرب المقدسة الدينية. وقال إن “الجماعة نفسها لا تستطيع أن تعلن الجهاد -يجب أن يأتي ذلك من مسؤوليها الإيرانيين الأعلى”.
يقول نوار أوليفر، المحلل العسكري في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، وهو مركز أبحاث في إسطنبول، إن إعلان لواء الباقر كان “شيئاً كبيراً. الإعلان ليس مزحة. في نهاية المطاف، ربما نرى عملاً”.
وكانت الضربات الصاروخية المحدودة التي وجهتها الولايات المتحدة وحليفتاها مؤخراً قد ألحقت أضراراً بالمواقع التي يقول مسؤولون غربيون إنها مصدر الأسلحة الكيميائية التي تم إنتاجها أو توزيعها ثم استخدامها ضد المدنيين في المناطق المتمردة، بما في ذلك مدينة دوما في الغوطة الشرقية يوم 7 نيسان (أبريل) الحالي. ولكن، يبدو أن الضربات الجوية أثارت حفيظة أنصار الرئيس السوري بشار الأسد، الذين غمروا الشوارع في مظاهرات مؤيدة للنظام.
وقال حسن نصر الله، زعيم حزب الله اللبناني، في خطاب ألقاه يوم الأحد الذي تلا الضربة الأميركية إن “ما حدث فجر السبت سيعقد الحل السياسي. وسوف يلهب العلاقات الدولية… ويؤجل محادثات جنيف -إن لم يدمرها”.
أصبحت الجماعات المسلحة في سورية التي لها صلات مباشرة أو مشتبه بها مع طهران تجعل صوتها مسموعاً على نحو متزايد بالإعلان عن نيتها استهداف القوات الأميركية في سورية، ومعظمها متجمعة في شمال البلاد وشمالها الشرقي. ويبدو أن الميليشيات الموالية لإيران في أنحاء المنطقة، والتي اكتسبت جرأة جديدة في الآونة الأخيرة، شرعت في تحويل تركيزها عن محاربة “داعش” إلى واشنطن وحلفائها.
يقول ريناد منصور، وهو باحث عراقي من “تشاتام هاوس”، والذي كان قد تحدث مع قادة وأعضاء الميليشيات الموالية لإيران: “بعد القتال ضد ‘داعش’، أصبح ما يقولونه الآن من نوع: نحن رقم 1 ضد أميركا، وكل شيء آخر هو رقم 2. إنهم يوضحون، من الناحية الخطابية، أن الأميركيين هم عدوهم. وإذا ما اندلع صراع بين الولايات المتحدة وإيران، فإن هؤلاء الأشخاص سيكون هم عملاؤها على الأرض”.
بعد ساعات قليلة فقط من الهجوم الأميركي الذي شُن على المواقع الكيميائية السورية المزعومة، يقال إن المئات من مقاتلي الميليشيا المدعومة من إيران أحاطوا بقاعدة جوية أميركية إلى الغرب من بغداد، متجاهلين أوامر القادة العسكريين في المدينة، وفقاً لما ذكرته صحيفة “الديار” اللبنانية. وقد امتنع المسؤولون العسكريون الأميركيون عن تأكيد أو نفي هذه الحادثة، لكنهم حذروا من أن القوات العراقية كافة، بما فيها الميليشيات، يجب أن تطيع أوامر الحكومة المركزية. وقال الكولونيل رايان ديلون من الجيش الأميركي، رداً على سؤال بالبريد الإلكتروني حول الخبر المذكور: “تحتفظ قوات التحالف بحق الدفاع عن نفسها وعن شركائنا العراقيين ضد أي تهديد”.
بعد الغزو الأميركي للعراق في العام 2003، قامت الميليشيات الشيعية التي نظمتها قوات الحرس الثوري الإيراني باستهداف القوات الأميركية، واستخدمت القنابل الخارقة للدروع على جوانب الطرق لمهاجمة الدوريات الأميركية، وأطلقت قذائف الهاون والصواريخ على القواعد العسكرية الأميركية. وفي سورية، التزمت القوات الأميركية بحصر وجودها في قواعد عسكرية نائية، حيث كانت خطوط الإمداد الصحراوية البالية هل الأكثر انكشافاً على الأغلب.
يتكون التواجد العسكري الأميركي في شمال سورية مننحو 2.000 جندي من جنود الجيش والبحرية وقوات العمليات الخاصة، إلى جانب أعداد أصغر من الجنود البريطانيين والفرنسيين. وبالإضافة إلى ذلك، هناك ما لا يقل عن 5.500 من المتعاقدين مع وزارة الدفاع الأميركية، نصفهم من مواطني الولايات المتحدة، والذين ينتشرون في مختلف أنحاء سورية والعراق، وفقاً لتقرير أصدرته القيادة المركزية الأميركية هذا الشهر.
وذكرت التقارير أن جندياً أميركاً وآخر بريطانياً قتلا في سورية في 30 آذار (مارس)، عندما انفجرت قنبلة على جانب الطريق في مركبتهما.
يقول رانج علاء الدين، الباحث في مركز بروكينغز في الدوحة: “كلما خفَت الصراع وتلاشى التمرد ضد نظام بشار الأسد، كلما أصبح لدى إيران ووكلاءها حافز أكبر لإثارة مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة. وتستطيع الولايات المتحدة أن تتغلب عليهم وتوقع بهم أضراراً بليغة من الجو، لكن الألفي جندي أميركي المتمركزين في الشرق على الأرض ليسوا نداً لعشرات الآلاف من الوكلاء الذين تمتلكهم إيران تحت تصرفها”.
تميل الميليشيات الأكثر عداءاً للولايات المتحدة بوضوح إلى أن التركيز على المحافظات الشرقية، حيث كانت تعمل على تجنيد الناس من القائل السنية المؤيدة للأسد، وكذلك من الأقلية الشيعية الصغيرة في سورية. وتبدو القوات التي تعمل تحت القيادة المباشرة لنظام الأسد حذرة إزاء تجنب النزاع مع الأميركيين، لكن الميليشيات المدعومة من إيران تشابكت مراراً مع القوات الأميركية الموجودة في البلد.
وكانت إحدى الميليشيات الموالية للنظام، “المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية”، قد وزعت شريط فيديو هذا الشهر، والذي زعمت أنه يعرض هجوماً بقذائف الهاون على قاعدة أميركية في بلدة عين عيسى السورية، شمال الرقة. وأعلنت المجموعة أنها ستهاجم كلاً من القوات الأميركية والميليشيات الكردية الحليفة التي تعمل معها.
وفي الأيام الأخيرة، أرسلت القيادة الإيرانية إشارات أيضاً إلى أن الوقت قد حان لتسريع لمغادرة أميركا وإخراجها من سورية.
وقبل ساعات فقط من توجيه الولايات المتحدة ضرباتها الصاروخية الأخيرة في سورية، كان علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي للشؤون الدولية، قد ظهر على شاشة تلفاز الدولة خلال زيارة إلى سورية. وقال: “الأميركان أضعف كثيراً من البقاء في منطقة شرق الفرات”.
بعد الانتصار الذي حققه النظام السوري على الثوار في الغوطة الشرقية؛ حيث وقع الهجوم الكيميائي المزعوم الأحدث، قال ولايتي أن الأميركان سوف يُجبَرون على المغادرة في نهاية المطاف.
وقال ولايتي: “ليست هناك أي إمكانية لبقائهم. وهذا هو السبب في أنهم يفكرون في شن هجمات جوية. لكن عليّ أن أقول أن مسار الحرب يتحدد على الأرض، وليس في السماء”.
*صحفي مقيم في إسطنبول، والذي غطى شؤون الشرق الأوسط منذ أكثر من 16 عاماً