فورين أفيرز: معضلة أفريقيا الأوكرانية: لماذا القارة محاصرة بين روسيا والغرب؟
فورين أفيرز 5-9-2022م، بقلم نانجالا نيابولا (*)
مع دخول حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا شهرها السابع ، لا يزال يتعين على العديد من الدول الأفريقية إظهار دعم قوي لكييف ، الأمر الذي يثير استياء القادة الغربيين.
ففي الأيام الأولى من النزاع وبعد رفض 17 دولة أفريقية دعم قرار في الجمعية العامة للأمم المتحدة لشجب الغزو الروسي، حاول عدد من الدبلوماسيين الذين عينوا للتعامل مع أفريقيا استفزاز القادة الأفارقة لعدم إظهارهم الموقف من الغزو. وكان رئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوسا وبالتحديد هدفا لعدد من التغريدات غير الدبلوماسية، إذ كتبت سفيرة الاتحاد الأوروبي في بريتوريا رينا كوينكا تغريدة قالت فيها: “لقد شعرنا بالدهشة لأن (جنوب أفريقيا) تنظر لنفسها وينظر إليها العالم كبلد يدافع عن حقوق الإنسان”.
ورغم الضغوط الغربية، لم يتغير الوضع كثيرا عما كان عليه بداية الحرب. ففي تموز/يوليو، سافر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى وسط وغرب أفريقيا لحشد الدعم لأوكرانيا، لكنه لم يفعل سوى إغضاب القادة الأفارقة عندما اتهمهم بـ”النفاق” لعدم شجبهم الحرب. وبالمقارنة أكد وزير الخارجية الروسي في جولة تمت في نفس الشهر وزار فيها عددا من الدول الأفريقية على العلاقات الوطيدة مع القارة وصور روسيا بأنها “ضحية” في أوكرانيا. وحتى هذا الوقت، لم تعبر سوى حفنة من الدول عن موقف واضح من الحرب، ومن بينها غانا وكينيا ونيجيريا، وحتى هذه الدول شجبت العدوان بعبارات عامة ودعت للحل الدبلوماسي بدلا من انتقاد موسكو.
ورغم دهشة القادة في الغرب من هذه التطورات إلا أن هناك أسبابا واضحة لتردد الدول الأفريقية لتبني السرد الأوروبي حول أوكرانيا.
منها أن أفريقيا قارة كبيرة جدا ومعقدة ومتنوعة، وكل دولة من دولها الـ54 ومناطقها لديها تاريخ خاص ومرت بظروف استئنائية وأقامت علاقات مختلفة مع كل من روسيا والغرب. وسيكون من غير المنطقي الافتراض أن قادة القارة سيتحدون فوريا حول موقف واحد. وعندما توافق القادة الأفارقة على موقف مشترك في الماضي، حدث هذا بعد سنوات من المدارسة والتحولات من منظمة الوحدة الأفريقية إلى الاتحاد الأفريقي والذي حدث عام 2002، لكنه كان محل دراسة طوال العقد الأخير من القرن الماضي.
وفي أحيان أخرى وجد القادة قضية مشتركة تتعلق بتهديد ملح وعاجل مثل اندلاع وباء إيبولا أو كوفيد، والتي اعتقدت أفريقيا أنها لا تستطيع التغلب عليها بدون جبهة موحدة. وبالنسبة لقادة أفريقيا، فالحرب في أوكرانيا لا تحمل أي صفة من هذه الصفات. وأكثر من هذا فالتشكك الأفريقي من دعم الموقف الأوروبي في بلد بعيد، متجذر في عدم توازن القوة بين الغرب والدول الأفريقية الذي يتمظهر أحيانا من خلال العنف البنيوي. وبعيدا عن المظالم التاريخية التي لم يتم الاعتراف بها، علاوة على محاسبتها، فإن المظالم الحالية مستمرة. فعادة ما يقوم قادة الدول الغربية بسحب التواريخ الاستعمارية والاستعمار الجديد تحت البساط في وقت تستمر الدول الأفريقية في التعامل مع تداعياتها. فلو أخذنا كوفيد-19 الذي ترك دول أفريقيا في حالة تسول للحصول على الأدوية واللقاحات التي كانت دول الغرب ترميها بالملايين، بشكل زاد من الشعور بأن الصداقة مشروطة. وعندما قامت روسيا بجهود لجذب دول أفريقيا فإنها أضافت لهذا المزيج، مما زاد من الصعوبة على التحالف الأمريكي- الأوروبي بناء ائتلاف ضد أفريقي ضد موسكو.
وواحد من الطرق لشرح تردد الدول الأفريقية المضي وراء الغرب في موضوع أوكرانيا، هي نشاطات روسيا في أفريقيا. وكما لاحظ المحللون وحكومات الغرب، فقد شنت روسيا حملة تضليل في القارة لتشكيل الرأي العام الأفريقي، بشكل أثر على العملية السياسية في أماكن أخرى، بما فيها الولايات المتحدة. وفي أيار/مايو، نشرت مجلة “إيكونوميست” دراسة عن الحسابات على تويتر المستخدمة لنشر التضليل عن الحرب في أوكرانيا، وظهر أن عددا كبيرا من هذه الحسابات موجود في أفريقيا، وبدا من الواضح أنها تستهدف المجتمعات الأفريقية. وفي صورة مفبركة انتشرت على منصات التواصل الإجتماعي في أفريقيا، أظهرت رئيس موزامبيق سامورا ميشل مع الشاب فلاديمير بوتين بمعسكر تدريب لمقاتلي الحرية في تنزانيا أثناء السبعينيات من القرن الماضي. وفي الحقيقة لم يحصل أي لقاء كهذا، فلم يكن بوتين في سن تؤهله للذهاب إلى تنزانيا عند التقاط هذه الصور. لكنها انتشرت بشكل واسع لأنها أسهمت في تعزيز تظلمات الأفارقة بشأن الإرث الاستعماري في القارة. وبالتأكيد فقد مات ميشيل بتحطم طائرة غامض في جنوب أفريقيا ربط بحكومة الفصل العنصري، حليفة الغرب في حينه. فعملية التخلص من أثار الاستعمار ليست تاريخا قديما، فقد قدم ضحايا الحكومة البريطانية الاستعمارية في كينيا للقضاء بتهمة تعرضهم للتعذيب أثناء اعتقالهم. وبدأت معالجة مظالم الحرب الباردة، فقد أعادت الحكومة البلجيكية، السن الباقي من جسد الزعيم الكونغولي باتريس لوممبا، أول رئيس وزراء لحكومة جمهورية الكونغو الديمقراطية، والذي اغتالته فرقة موت بلجيكية عام 1961 في مؤامرة دعمتها الولايات المتحدة. وبالنسبة للعديد من دول القارة فقد وفرت الشيوعية بديلا عن الاستعمار الغربي وكانت أساسا لحركات التحرر والاستقلال، وهو إرث استخدمته روسيا، وريثة الاتحاد السوفييتي السابق لكي تصور نفسها أنها تقف على الجانب الصحيح من التاريخ. بالطبع لم يأت الدعم الشيوعي من روسيا وحدها ولكن من أطراف مختلفة في الإمبراطورية السوفييتية، بمن فيها أوكرانيا، لكن موسكو هي التي استغلت العلاقة المعقدة للقارة مع الغرب.
وهناك سبب ثان لتردد الدول الأفريقية في تبني السرد الغربي عن أوكرانيا ونابع من الخلاف في الطريقة التي تتعامل فيها القارة والغرب مع القضايا الجيوسياسية. فالكثير من الدول التي تتجه نحو موسكو مثل مالي ويوغندا مدينة في نجاتها لروسيا. فقد وفرت هذه السلاح والمرتزقة للدول التي امتنعت عن التصويت لشجب العدوان في أوكرانيا. واليوم تعتبر روسيا أكبر مصدر للسلاح إلى القارة، ويقدر مركز استوكهولم الدولي لأبحاث السلام نسبة السلاح الذي باعته موسكو لدول القارة في الفترة ما بين 2017- 2021 بحوالي 44%. مع أن أوكرانيا مزود للسلاح لبعض الدول في القارة وتحديدا جنوب السودان.
وهناك عدد من القادة الأفارقة لديهم علاقات قوية مع الغرب، لم يترددوا ببناء علاقات عسكرية مع روسيا، واستطاع يوري موسينفني البقاء في الحكم مدة 28 عاما بدعم من الغرب وكذا بول بيا، رئيس الكاميرون لمدة 40 عاما. واستطاع كلاهما البقاء في الحكم رغم الأدلة الكثيرة على الجرائم التي ارتكبوها ضد شعوبهم، وكان ماكرون في الكاميرون عندما أصدر تعليقاته حول نفاق القادة الأفارقة. ورغم تدريب الولايات المتحدة القوات اليوغندية للقتال نيابة عنها في الصومال إلا أنها تشتري سلاحها من روسيا ولديها أعلى نسبة انفاق دفاعي في أفريقيا عام 2020. وبنفس الطريقة وقعت الكاميرون التي تعتمد على السخاء الفرنسي في نيسان/إبريل 2022 على صفقة مع موسكو، أي بعد فترة قصيرة من غزو أوكرانيا. وكانت محاولات القادة الديكتاتوريين في القارة اللعب على الحبلين سببا في تردد الدول الأفريقية بشأن دعم أوكرانيا.
وفي النهاية، لدى الدول الأفريقية نقطة تميز من الحرب الروسية في أوكرانيا، فبدلا من دعوتها لدعم الحرب، يجب على الدول الغربية استخدام الفرصة والسماح لها ووضع الدروس التي تعلمتها من الحروب الطويلة التي جرت على أراضيها موضع التنفيذ. فقد أعلن الاتحاد الأفريقي أن واحدا من أهدافه هو “إسكات البنادق بحلول 2030″، ولدى دول أفريقيا أكبر نموذج معقد للسلام والأمن في العالم، نظرا لاستخدامه بشكل مستمر. فمجلس السلم والأمن هو هيئة اتخاذ قرار داخل الاتحاد، في وقت ذهبت فيه اللجان الفرعية داخل الاتحاد مثل اللجنة الاقتصادية لغرب أفريقيا (إيكواس) بعيدا لبناء صناعة القرار وقوى حفظ السلام.
وبالنسبة للذين عملوا في هذه اللجان فالسؤال الحاضر هو : أين هم صناع السلام؟ وبعيدا عن مجلس الأمن الدولي في الأمم المتحدة، فلم يروا أي جهود لخفض التوتر، أليست المواجهة بين روسيا والغرب هي السيناريو الذي وجدت الديمقراطية الدولية لمعالجته؟ وتعرف الدول الأفريقية صعوبة وقف الحرب، فشرق أفريقيا يعيش حروبا متعددة، فإلى جانب شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، هناك الحرب في إثيوبيا والصومال وجنوب السودان والسودان. وعدد منها كان مدمرا، وهناك أدلة عن إبادة في إقليم تيغراي، ويواصل الشعب السوداني جهوده لإنهاء الحكم العسكري الذي قدمت له روسيا الدعم المالي والحربي. وقادت هذه الحروب لتدخلات عسكرية من الاتحاد الأفريقي والوكالة الحكومية للتنمية ومجتمع شرق أفريقيا. ويجب فهم تردد دول أفريقيا في دعم أوكرانيا من تجربتها في هذه الحروب الطويلة والمكلفة. فقد علم التاريخ دول أفريقيا أن تتعامل مع الحرب في أوكرانيا بحذر وأن تعامل الصداقة بنوع من الشك.
وبالنسبة لها فالتقارب من روسيا والغرب ليس عن صداقة، بل استخدام أفريقيا كوسيلة لخدمة الأهداف. وحصد الديكتاتوريون مثل بيا ثمار الحرب. لكن الموقف الأفريقي السائد، وفي ضوء الوضع غير الواضح من الحرب ونتيجتها، هو الدعوة للسلام والدبلوماسية حيثما كانت وتجنب دعم طرف على طرف، لأنه لن يعود بالنفع على أفريقيا، وخاصة لو أدى لتحويل القارة لمسرح جديد للحرب بالوكالة.
* كاتبة ومحللة سياسية مقيمة في نيروبي
Africa’s Ukraine Dilemma , Why the Continent Is Caught Between Russia and the West