“فورين أفيرز”: لا تغيير في السياسة الإيرانية قريبا رغم تزايد خلافها مع الروس حول الحرس الثوري
واشنطن – وكالات – 30/11/2017
كتب الباحث في معهد الشرق الأوسط، أليكس فاتنكا، الخبير في الشؤون الإيرانية في مقال نشرته مجلة “فورين أفيرز” أن اجتماع سوتشي يوم 22 نوفمبر وشارك فيه الثلاثة الكبار المنخرطون في المسألة السورية كان يقصد منه أن يكون نقطة تحول، على الأقل حسبما أملت إيران. وعوضاً عن ذلك كشف اللقاء عن بعض التصدع بين داعمي الأسد الرئيسين: روسيا وإيران وحتى داخل إيران نفسها، أي حكومة الرئيس حسن روحاني وقيادة الحرس الثوري.
فالحرس الثوري الذي فرض حضوره القوي في سوريا، في السنوات السبع الماضية، بعدد كبير من المليشيات التابعة حريص على الاحتفاظ بالمكاسب التي حققها ضد محاولات الدفع ضده من إسرائيل والسعودية والولايات المتحدة.
ويرى الكاتب أن هذا الموضوع قد يتحول إلى نزاع علني مع روسيا والأطراف المؤثرة الأخرى، وقد يكون منها روحاني، التي عبرت عن دعم تسوية سياسية تنهي الحرب. ولا يكتفي الحرس الثوري بضمان وحماية التأثير الإيراني في مرحلة ما بعد الحرب، وفقط، ولكنه يريد أيضا تحويل الميليشيات إلى قوة سياسية مؤسسية على شاكلته، قوة يمكن أن تتحول إلى جماعة محلية تأتمر بأمرها كحزب الله.
أظهرت قمة سوتشي صعود الشراكة الإيرانية الروسية التركية حول إدارة الصراع في سوريا، إلا أن هناك قدرا كبيرا من الشك في طهران حول النوايا الحقيقية لكل من تركيا وروسيا في سوريا. ويراقب الإيرانيون بحنق استعداد موسكو العمل مع شركاء متعددين في المنطقة.
ومن بين الدول الثلاث التي شاركت في سوتشي، كانت روسيا على علاقة مع كل طرف ودولة مؤثرة في سوريا من الولايات المتحدة إلى إسرائيل ودول الخليج. ومن هنا، تخشى طهران من صفقات تُطبخ وراء ظهرها ومن دون علمها. فقبل يومين من قمة سوتشي سافر بشار الأسد إلى المنتجع للقاء فلاديمير بوتين واستمر اسجتمتعهما أربع ساعات. وتظهر التقارير أن إيران لم تكن على علم مسبق بالزيارة ولكن ما أثار غيظ الإيرانيين هو قرار الرئيس بوتين الاتصال بالرئيس ترامب وإطلاعه على الوضع. وقرأ الإيرانيون في المكالمة محاولة لطمأنة الولايات المتحدة التي ترفض أية تسوية تعطي إيران موطئ قدم في سوريا.
ومن هنا، يعتقد الإيرانيون أن محاولة تهدئة واشنطن قد لا تراعي مصالحهم في فترة ما بعد الحرب في سوريا. وليست مصادفة أن يبدأ الحرس الثوري منذ قمة سوتشي باستعراض قدراته والحفاظ على المليشيات الشيعية في سوريا. ومن المؤكد أن بوتين ومستشاريه هم المعنيون بهذا الاستعراض.
وبعبارات أخرى، ففي الوقت الذي تحاول فيه روسيا تقديم نفسها صانعا للملوك في الفصل الأخير من الحرب السورية، فإن قادة الحرس الثوري يحاولون تذكير الجميع والأسد منهم بتأثيرهم وقوتهم. ويعتقد “المعسكر المحافظ” أن الاستثمار الكبير في سوريا بدأ يعطي ثماره.
ويشير الكاتب “فاتنكا” إلى أن قائد الحرس الثوري الجنرال، محمد علي جعفري، كان واضحا في التعبير عن نواياه لتعزيز حضور الميلشيات الشيعية، ففي 23 نوفمبر قال جعفري إن الرئيس الأسد يعرف أنه “مدين” للميليشيات الشعبية ويفهم أنها ضرورية لنجاته السياسية. وتوقع جعفري أن الأسد سيقوم بنفسه بـ”مأسستها حتى تظل مهمة لمواجهة التهديدات المستقبلية”. ومن المفهوم ضمنيا لجعفري أن من سيقرر طبيعة التهديدات المستقبلية هو الحرس الثوري.
وعلى هذا، فهم يخططون لتحويل المليشيات التابعة لهم في سوريا إلى كيان شبيه بالدولة على طريقة حزب الله في لبنان. وهذه الإستراتيجية ليست غريبة لأن الحرس الثوري هو نتاج الوضع ذاته. ففي عام 1979 بعد الثورة مباشرة، بدأ الحرس جماعة صغيرة مكونة من المؤيدين الأوفياء المتعصبين لآية الله الخميني. وعلى مر السنين تحولوا من مجموعة متشددين في خدمة المرجعية الثورية إلى دولة داخل دولة تسيطر على إمبراطورية من الرجال والمال.
ويقول الكاتب إن التصعيد في الخطاب لا يقصد منه الخارج، فقط، بل والداخل أيضا، إذ إن مستقبل الميليشيات الشيعية في سوريا مرتبط بالنقاش الداخلي في طهران. فرغم إبعاد روحاني نفسه عن محاولات الحرس الثوري “مأسسة” الميليشيات إلا أنه لم ينتقدها. وفي الوقت ذاته، يتهم المتشددون الحكومة باللين في التعامل مع المقترحات الغربية المتعلقة بسوريا وهذا موقف غير مناسب.
ويرى الحرس الثوري أنه من السذاجة التوصل إلى صفقات مع الغرب أو روسيا حول مستقبل الميليشيات في سوريا. وحجته هنا: ليس من المعقول التخلي عن القوة التي اكتسبناها بصعوبة وتضحيات مقابل وعود مشكوك فيها. فالتغييرات القليلة التي جلبها الاتفاق النووي عام 2015 يعطي الحرس الثوري سندا قويا في هذا السياق. وينطلق من قناعة أنه، أي الحرس الثوري، الطرف المؤهل أكثر من أية حكومة مدنية للحصول على حصة في مجال إعمار سوريا ما بعد الحرب، وفي هذا وخزة لروحاني. فقد زعم جعفري أن فريقي روحاني والأسد اتفقا على أن الشركات التي يسيطر عليها الحرس الثوري هي المرشحة أفضل للعمل تحت حمايته لرعاية مشروعات الإعمار في سوريا، ولم يرد روحاني على هذا الكلام حتى الآن.
وفي النهاية، سيتعامل المراقبون داخل وخارج إيران مع الموقف الحازم الذي أبداه الحرس الثوري على أنه نذير شؤم. وفي طهران، يسيطر الحرس الثوري على إستراتيجية سوريا، وعندما يتعلق الأمر به فهو يرى أن هناك ضرورة لإنشاء جماعات وكيلة جديدة مثل حزب الله. وفي هذا السياق يكرر قادة الحرس المتغيرات الإستراتيجية التي تتطلب منه أن يتكيف وأن يكون جاهزا.
ففي طهران يتحدثون عن إستراتيجية “الدفاع المتقدم”، وتقوم على افتراض مواجهة إيران لأعدائها في مناطق بعيدة لمنع حدوث نزاعات شبيهة بالنزاعات التي تشهدها الدول العربية ووصولها للأراضي الإيراني.
والسيطرة على الميليشيات الوكيلة في الدول العربية هي جزء لا يتجزأ من إستراتيجية الحرس الثوري في سوريا، وبهذا المعنى فلن يحدث أي تغيير في السياسة الإيرانية قريبا. وعليه، فلا يمكن تخيل الطريقة التي سيتحقق فيها السلام في سوريا طالما ظلت هذه الجماعات المسلحة مؤثرة في الحياة السياسية وتحركها أيديولوجية عدوانية أجنبية مثل الحرس الثوري.
نشر هذا المقال تحت عنوان
https://www.foreignaffairs.com/articles/syria/2017-11-29/iran-and-russia-growing-apart?cid=int-ow&pgtype=hpg®ion=br2