ترجمات أجنبية

فورين أفيرز: كيف يمكن لأميركا استعادة تفوقها في المنافسة بين القوى العظمى؟

تقتضي ولاية ثانية لترمب اعتماد استراتيجية جديدة

فورين أفيرز 9-10-2024، نادية شادلو: كيف يمكن لأميركا استعادة تفوقها في المنافسة بين القوى العظمى؟
تقتضي ولاية ثانية لترمب اعتماد استراتيجية جديدة

منذ أن تولى دونالد ترمب الرئاسة أكد أن خصوم الولايات المتحدة يهدفون إلى تقويض مكانتها العالمية. وإذا عاد إلى البيت الأبيض، سيكون من الضروري أن يتبنى استراتيجية جديدة لتحقيق التفوق العسكري والاقتصادي لمواجهة التحديات المتزايدة من دول مثل الصين وروسيا بهدف تعزيز قدرات الولايات المتحدة على حماية مصالحها الوطنية.

نادية شادلو
نادية شادلو

منذ بداية ولايته كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، دق دونالد ترمب ناقوس الخطر في شأن عودة المنافسة بين القوى العظمى. فقد شددت استراتيجية الأمن القومي الأولى لإدارته على أن خصوم الولايات المتحدة يسعون إلى تقويض مكانتها في النظام الدولي. كانت هذه النظرة جديدة نسبياً في ذلك الوقت، ولكن اليوم، يشارك كثير داخل دوائر السياسة الخارجية الأميركية الأوسع نطاقاً تقييم ترمب الأساسي. وقد اشتدت المنافسة في السنوات التي تلت ذلك. فخصوم الولايات المتحدة وأعداؤها – وبخاصة الصين وروسيا وإيران وكوريا الشمالية – يتعاونون بصورة متزايدة مع بعضهم بعضاً ويتصرفون بصورة أكثر عدوانية. فمن أوروبا إلى الشرق الأوسط، يخلقون معضلات سياسية ويزيدون الأخطار على واشنطن.

وإذا عاد ترمب إلى البيت الأبيض، فإنه سيدخل إلى ساحة جيوسياسية أكثر خطورة من تلك التي تركها قبل أربع سنوات. فمجرد استئناف السياسة الخارجية التي انتهجها في ولايته الأولى لن يكون كافياً للتعامل مع بيئة معقدة يتسلح فيها خصوم الولايات المتحدة بوتيرة سريعة، وفي حالة روسيا وإيران، ينخرطون في حروب إقليمية. لم تعد هذه مجرد منافسة، بل يمكن أن تكون النزاعات اليوم مقدمة لحرب أوسع نطاقاً.

ستحتاج إدارة ترمب الثانية إلى تعديل طريقة تفكيرها لضمان قدرة الولايات المتحدة على حماية نفسها واستعادة قوة الردع في عالم يزداد خطورة. وسيتعين عليها أن تتبنى استراتيجية التفوق على العدو، وهو مفهوم عسكري يشير إلى الجمع بين القدرات على نطاق كاف لضمان تحقيق انتصارات غير متوازنة على العدو في القتال. ولتحقيق استراتيجية “التفوق على العدو”، يجب أن تكون القوات الأميركية قادرة على انتزاع زمام المبادرة، والحفاظ على حرية التصرف، وإيجاد طرق لجعل خصوم البلاد يقتصرون على رد الفعل. وبتطبيق هذا النهج على نطاق أوسع، يجب أن تسعى الولايات المتحدة الآن إلى الاحتفاظ بمزايا كبيرة في القوة العسكرية والنفوذ السياسي والقوة الاقتصادية على خصومها أو تطويرها.

ومن الناحية الواقعية، ستكافح الولايات المتحدة لتحقيق مثل هذه القدرات الساحقة في كل مسرح من مسارح المنافسة الجيوسياسية الحالية. فمن ناحية سيكون الجمود البيروقراطي عائقاً مستمراً أمام أي استراتيجية كاسحة. لكن ترمب، بغريزته التنافسية، وميله إلى خلخلة الوضع الراهن، وإحساسه بالإلحاح، يمكن أن يكون القائد الذي يدفع الولايات المتحدة إلى الاقتراب أكثر بكثير من المكان الذي يجب أن تكون فيه. وبصفته رئيساً، سيتعين عليه بناء القدرات العسكرية للبلاد، وتحصين القاعدة الصناعية المحلية وتقليص التبعات الاقتصادية الخارجية، وتوطيد التحالفات السياسية الرئيسة، وكل ذلك في خدمة تعزيز مكانة الولايات المتحدة في مواجهة الأخطار الجيوسياسية المتزايدة. ساعد ترمب في إعادة ضبط العقلية الاستراتيجية الأميركية مرة واحدة. وإذا فاز بولاية أخرى، فإن الظروف الجديدة تتطلب منه القيام بذلك مرة أخرى.

البعد الدفاعي

تتجاوز المنافسة بين القوى العظمى المنافسة العسكرية. فهي تتكشف عبر المناطق الجغرافية، كما رأينا في انخراط الصين المتزايد في أميركا اللاتينية لتعزيز مصالحها القريبة من الأراضي الأميركية. وهي تشمل الحرب بالوكالة، إذ تستخدم إيران، على سبيل المثال، رعايتها لجماعات مثل “حماس” و”حزب الله” والحوثيين لتأجيج العنف في الشرق الأوسط وتهديد الممرات البحرية التجارية الحيوية كجزء من سعي طهران إلى الهيمنة الإقليمية. وتحتدم المنافسة أيضاً في الفضاء، إذ تتعاون روسيا وكوريا الشمالية على تطوير ونشر واستخدام الأقمار الاصطناعية المتقدمة لشن حرب فضائية.

وقد كانت استجابة الولايات المتحدة لهذه التطورات فاترة. ولا تزال أطر السياسات التي عفا عليها الزمن قائمة، مثل أنظمة الرقابة على الصادرات التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة والتي تبطئ مبيعات الأسلحة وتعوق التعاون مع الحلفاء. وقد اعترفت الإدارات الأميركية بخطورة اعتماد الولايات المتحدة على الإمدادات الخارجية من المعادن الحيوية على مدى العقود الأربعة الماضية، لكن هذا الاعتراف لم يترجم إلى إجراءات جادة لمعالجة هذا الضعف. ويشير مشروع قانون تفويض الدفاع الأخير إلى أن البنتاغون لا يزال يستخدم سلطته في شراء المواد الحيوية من مصادر محلية بصورة غير كافية. وفي الوقت نفسه، لا تزال الإصلاحات الرامية إلى تسريع تصاريح فتح المناجم في الولايات المتحدة متوقفة.

سيتعين على إدارة ترمب الثانية أن تتكيف مع عالم يزداد خطورة

إن تعزيز الموقف العسكري للولايات المتحدة هو المفتاح لاستراتيجية التغلب، لأن القوة العسكرية هي ما يدعم المزايا الاقتصادية والسياسية للبلاد ويؤمنها. وسيتعرض ازدهار البلاد في المستقبل إلى التقويض إذا حقق خصومها التفوق أو إذا اندلع صراع عالمي. واليوم، تراجعت القوة العسكرية الأميركية مقارنة بالقوى الأخرى، ويشير تقرير صدر أخيراً عن الحزبين الجمهوري والديمقراطي إلى أن جيش التحرير الشعبي الصيني في طريقه ليصبح “منافساً عسكرياً نداً للولايات المتحدة إن لم يكن متفوقاً عليها”. ولعكس هذا الاتجاه، تحتاج واشنطن إلى تطوير قدرات كافية لردع الأعمال العدوانية التي تهدد مصالحها الأخرى. وهذا يعني أن الولايات المتحدة يجب أن تكون لديها القدرة – والإشارة بصدقية إلى استعدادها إذا لزم الأمر – على شن حملات عسكرية متواصلة في مسارح متعددة.

هذه القدرة ضرورية أولاً لإعادة تأسيس الردع، ثم لهزيمة الخصوم الأجانب في حال فشل الردع. وسيتطلب الوصول إلى هذا المستوى من القدرة العسكرية ابتعاداً كبيراً عن التخطيط الدفاعي الحالي لواشنطن، الذي يقوم أساساً على خوض صراع كبير واحد. والخطوات اللازمة للوصول إلى هذا المستوى صعبة ولكنها ضرورية. وسيتعين على البيت الأبيض في عهد ترمب أن يشرح للشعب الأميركي سبب الحاجة إلى زيادة الإنفاق الدفاعي ومن ثم العمل مع الكونغرس لتأمين دعم الحزبين لتمويل برنامج دفاعي جديد على نطاق مماثل للحشد الذي أشرفت عليه إدارة ريغان في العقد الأخير من الحرب الباردة.

ليس المقصود هنا هو مضاهاة قدرات كل خصم، منصة تلو الأخرى. بدلاً من ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تطور قدرات حربية متقدمة تمنحها مزايا غير متماثلة على خصومها. في أوكرانيا، عطلت المسيرات أو حيدت دبابات وسفناً حربية روسية، ووجدت القوات الروسية صعوبة في الدفاع ضد هذه الضربات القادمة. وفي أي صراع محتمل حول تايوان، يمكن للصواريخ البعيدة المدى المضادة للسفن والصواريخ الجوالة والصواريخ الباليستية المتوسطة المدى أن تقوض مزايا الصين في الجغرافيا وكمية الأسلحة. وبفضل التكنولوجيا المتفوقة والمفاهيم العملياتية المبتكرة، يمكن للجيش الأميركي أن يربك خطط العدو الحربية ويقلل من خطر تعرض قواته للإرباك ودفعها إلى الاستسلام في بداية الصراع.

الأجندة الاقتصادية

ليست الأسلحة والتكتيكات والمفاهيم العملياتية الأفضل سوى جزء من اللغز. فالتفوق في المجال العسكري يتطلب أيضاً أن تكون الولايات المتحدة قادرة على تجديد قوتها البشرية والعتاد والذخائر بمعدل عال بما فيه الكفاية للانتصار في صراع مستمر. وللقيام بذلك، يجب على الولايات المتحدة تنمية مزاياها الاقتصادية. يجب على واشنطن أن تسعى جاهدة إلى تحقيق قدر أكبر من السيادة الاقتصادية، بما في ذلك من خلال تقليل اعتماد الولايات المتحدة على المواد الحيوية المستوردة من دول غير صديقة وغير موثوقة.

ولا شك أن الخطوة الأهم التي يجب على الولايات المتحدة أن تتخذها في هذا الاتجاه هي تحفيز الاستثمارات في الصناعة المحلية، لا سيما في القطاعات التي من شأنها تعزيز قاعدة التصنيع ومساعدة واشنطن على فرض سيطرة أكبر على سلاسل التوريد التي تدعم الإنتاج العسكري. ويتمثل جزء من الحل في فرض رسوم جمركية لحماية القطاعات الرئيسة، مثل البطاريات المتقدمة. يمكن أن تساعد الرسوم الجمركية في مواجهة الإعانات الصينية وممارسات الإغراق وتشجيع الشركات الخاصة على نقل استثماراتها من الصين والعودة إلى الولايات المتحدة أو إلى الدول الشريكة للولايات المتحدة. لكن التعريفات وحدها لا تكفي. إن جعل التصنيع الأميركي قادراً على المنافسة عالمياً سيتطلب أيضاً خفض كلفة ممارسة الأعمال التجارية في الولايات المتحدة. ويجب على الإدارة الجديدة تبسيط عملية المراجعات البيئية وغيرها من المراجعات التي تضيف سنوات إلى الجدول الزمني لفتح منشآت جديدة، وتقديم حوافز ضريبية للتصدير وبرامج أخرى لجعل الإنتاج في الولايات المتحدة خياراً أكثر جاذبية للشركات.

ومن شأن الالتزام بإعادة التصنيع أن يقوض جهود الصين لإضعاف الولايات المتحدة. فالشركات الصينية تغرق الأسواق الأميركية بمنتجات رخيصة أو مدعومة في قطاعات استراتيجية مثل الصلب والألمنيوم وأشباه الموصلات والسيارات الكهربائية والبطاريات والمعادن المهمة والخلايا الشمسية والرافعات البحرية والمنتجات الطبية. وهذا يزاحم الإنتاج المحلي ويتسبب في فقدان الوظائف. ويعتمد الجيش الأميركي أيضاً بصورة كبيرة على السلع الصينية الصنع. على سبيل المثال، تنتج الصين أكثر من 90 في المئة من المغناطيسات الدائمة الأرضية النادرة في العالم، وهي مكونات حيوية لعديد من الأنظمة العسكرية الأميركية. ويتطلب بناء واحدة من مدمرات الصواريخ الموجهة من طراز “آرلي بيرك” التابعة للبحرية الأميركية ما يقارب 5200 رطل من المواد الأرضية النادرة، بما في ذلك المغناطيس المستخدم في نظام دفع السفينة وأنظمة التوجيه والأسلحة. يجعل هذا الاعتماد الولايات المتحدة عرضة للخطر، فما دامت بكين تتحكم بفعالية في مدخلات تصنيع الأسلحة والأنظمة العسكرية الأميركية، فقد لا تتمكن الولايات المتحدة من التفوق على الصين في أي صراع محتمل.

نموذج المنافسة غير كاف في عصر تتزايد فيه الأخطار بصورة كبيرة

وإضافة إلى ذلك، يجب على الولايات المتحدة أن تسعى إلى ما أشارت إليه إدارة ترمب الأولى في كثير من الأحيان بـ”هيمنة الطاقة”، التي استلزمت زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري والغاز الطبيعي من خلال مزيج من تحرير القيود التنظيمية والابتكار التكنولوجي. بعد أن تفوقت الولايات المتحدة على روسيا لتصبح أكبر منتج للغاز الطبيعي في عام 2011، أصبحت الولايات المتحدة أكبر منتج للنفط في العالم في عام 2018، متجاوزة روسيا والمملكة العربية السعودية. وقد عكست إدارة بايدن عديداً من سياسات ترمب، وحولت التركيز إلى العمل على تغير المناخ. في ولاية ثانية، سيكون ترمب عازماً على الاستفادة من إمدادات الولايات المتحدة الوفيرة من النفط والغاز، التي يمكن أن توفر أيضاً فرصاً لدعم الحلفاء الأوروبيين وغيرهم من الحلفاء. وكما قال ترمب في عام 2017 في قمة مع قادة وسط وشرق أوروبا في بولندا: “إذا احتاج أحدكم إلى الطاقة، فما عليه سوى الاتصال بنا”. وإضافة إلى الاستفادة من النفط والغاز، من المرجح أن تشمل استراتيجية الطاقة لإدارة ترمب الجديدة إعطاء الضوء الأخضر لمشاريع الانشطار والاندماج النووي من الجيل التالي وتحديث البنية التحتية للطاقة.

ومن شأن العودة إلى سياسة الهيمنة على الطاقة، التي تقر بالدور المركزي للوقود الأحفوري إلى أن تتمكن مصادر أخرى من تلبية حاجات الطاقة وبأسعار تنافسية، أن تسمح للولايات المتحدة بالخروج من دائرة ضارة مع الصين. وبينما تتطلع الولايات المتحدة وأوروبا إلى استبدال الطاقة البديلة بالنفط، فإنها تتجه إلى الصين باعتبارها المزود الرائد في العالم لمنتجات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والبطاريات. ولكن لأن هذه البلدان تشتري المنتجات الصينية، فقد تمكنت الصين من دفع التقدم التكنولوجي وتطوير سلاسل التوريد والتصنيع الخاصة بها وخلق حجم كبير، مما أدى بدوره إلى ترسيخ السيطرة الصينية على هذا القطاع. لذا يصبح أمن الطاقة الأميركي معتمداً بصورة متزايدة على الصين. وهذا ليس مبالغة. ومن خلال الاعتماد بدلاً من ذلك على الوقود الأحفوري كمصدر رئيس للطاقة في الولايات المتحدة، مع إعطاء الصناعات المتجددة الوقت الكافي لبناء صناعاتها في الدول الغربية، يمكن لواشنطن زيادة مساحة المناورة لديها. ويمكنها تقليل نقاط ضعفها أمام الإكراه وتعزيز التحالفات مع الحلفاء والأصدقاء، واستعادة نفوذ الولايات المتحدة على الجغرافيا السياسية للطاقة.

إن العمل مع شركاء الولايات المتحدة وحلفائها سيكون ضرورياً لاستراتيجية التفوق. وعلى وجه الخصوص، يجب على الإدارة الجديدة التفاوض على صفقات تجارية ثنائية مع الدول التي تتمتع بموارد حيوية. وتشمل القائمة أستراليا، التي لديها إمدادات وفيرة من المعادن الحيوية، والدول العربية ذات رؤوس الأموال الوفيرة، والهند وإسرائيل، بقواها العاملة المتعلمة والديناميكية، وحلفاء الولايات المتحدة التقليديين في آسيا وأوروبا. يجب أن تعترف السياسة التجارية الواقعية بفعالية العلاقات الاقتصادية كأدوات جيوسياسية وأن تسعى إلى المعاملة بالمثل بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وبدلاً من وضع أجندة تجارية عالمية من خلال منظمة التجارة العالمية، ينبغي لواشنطن التركيز على الترتيبات الثنائية أو الإقليمية. يمكن للولايات المتحدة أن تلزم شركاءها بسهولة أكبر بشروط مثل هذه الصفقات – وهذا النهج هو النهج الذي يلقى صدى بالفعل لدى ترمب.

الحاجة إلى أصدقاء

يمكن أن يساعد تعزيز العلاقات السياسية للولايات المتحدة في تعزيز الأهداف الاقتصادية والعسكرية للبلاد. وسيتعين على إدارة ترمب أن تدرك أن جزءاً من استراتيجية التفوق هو أن يكون لدى الولايات المتحدة أصدقاء أكثر وأفضل من خصومها. وتتمتع الولايات المتحدة بالفعل بميزة هنا: فلديها ما تقدمه لحلفائها المحتملين أكثر من الصين أو روسيا أو إيران أو كوريا الشمالية. أما خصوم واشنطن فلديهم وكلاء وعملاء وتابعون أكثر من الأصدقاء الفعليين. ويمكن أن يؤدي الاعتماد على هذه الميزة إلى تحقيق منافع اقتصادية وفرص استثمارية، مما يساعد الولايات المتحدة على الانفصال عن الصين.

ولكن لتحقيق التفوق، يجب على حلفاء الولايات المتحدة أن يلتزموا استعادة الردع بفعالية من خلال تطوير قدرات عسكرية متينة وإعطاء الأولوية للتكامل الضروري لضمان قدرة الجيوش الأميركية والحليفة على القتال معاً. وتنتج أوروبا حالياً نحو 172 منصة أسلحة مختلفة، لذا فإن تحقيق هذا التكامل سيكون صعباً، لكنه خطوة مهمة نحو ما وصفه رئيس اللجنة العسكرية المنتهية ولايته في حلف شمال الأطلسي بـ”التحول القتالي الحربي” الذي يحتاج إليه الحلف بصورة عاجلة. كما يجب على الولايات المتحدة أن توضح أن على شركائها في الخطوط الأمامية للنزاعات المحتملة أن يتحملوا عبء الرد الأول، في حين أن دور الولايات المتحدة هو توفير التعزيزات والقدرات المتخصصة.

وقد تميل بعض الدول الحليفة للولايات المتحدة، لا سيما تلك الموجودة في أوروبا، إلى البحث من طريق وسط يوازن بين علاقاتها بالولايات المتحدة وعلاقاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا. ولكن ينبغي لواشنطن أن تتصدى لمساعيهم إلى تجنب الانحياز إلى أحد الطرفين. وكما جادل خبير السياسة الخارجية ويس ميتشل أخيراً، فإن الولايات المتحدة في حاجة إلى إنشاء جبهة موحدة ضد النزعة التجارية الصينية. وقد اتخذت إدارة بايدن خطوات في هذا الاتجاه، لكن على الرئيس القادم أن يشجع الدول الشريكة على جعل هذا التعاون أكثر منهجية وشمولاً.

كما يتعين على واشنطن أن تنظر في بناء علاقات سياسية تتجاوز شراكاتها التقليدية. ولإنجاز الأمور بصورة أسرع، يجب أن تركز على المشاركة الثنائية والتحالفات الصغيرة بدلاً من محاولة العمل من خلال عمليات متعددة الأطراف مترامية الأطراف. كما يجب على الولايات المتحدة أن تقيم علاقات اقتصادية جديدة مع الدول النامية. من المرجح أن تتبنى إدارة ترمب موقفاً أكثر رصانة تجاه تغير المناخ من سابقتها، استناداً إلى الاعتراف بأن الإزالة السريعة للكربون قد ترتبت عليها كلف اقتصادية غير مقبولة بالنسبة إلى الدول الأقل نمواً. ويتماشى هذا التفكير مع نظرة عديد من البلدان النامية المصممة على عدم السماح للضغوط الدولية لإزالة الكربون بالوقوف في طريق الجهود الرامية إلى تعزيز النمو الاقتصادي والحد من الفقر. ويمكن لترمب الاستفادة من هذا التصميم من خلال العمل مع هذه الدول على وضع خطط واقعية لتحقيق النمو مع تنويع مصادر الطاقة، مما يجعلها أكثر انسجاماً مع الولايات المتحدة ويقلل من اعتمادها على الصين في الدعم الاقتصادي.

إعادة ضبط السياسات

لا يتمثل الهدف من استراتيجية التفوق في تحقيق الهيمنة. فقد مضى ذلك العصر. إذ تراجعت القوة النسبية للولايات المتحدة مع تنامي القوة العسكرية للدول الأخرى والمزايا غير المتماثلة. لقد اتخذت إدارة ترمب الأولى خطوة مهمة وضرورية للتكيف مع الحقائق الجيوسياسية الجديدة من خلال تأطير العالم كمكان تنافسي، حيث يقود التنافس بين القوى العظمى السياسة الدولية. ولا تزال هذه الافتراضات توجه كثيراً من سياسات الحكومة الأميركية اليوم. لكن نموذج المنافسة لم يكن كافياً لمواكبة عصر الأخطار المتصاعدة. وإذا أرادت واشنطن أن تحتفظ بحرية التصرف وحماية الحريات التي كثيراً ما تمتع بها الأميركيون، فإنها تحتاج إلى استراتيجية تفوق لمواجهة إلحاح العصر.

*نادية شادلو، زميلة شرف في معهد هدسون. شغلت في عام 2018 منصب نائب مستشار الأمن القومي الأميركي للاستراتيجية.

 

How America Can Regain Its Edge in Great-Power Competition

 

مركز الناطور للدراسات والابحاثFacebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى