ترجمات أجنبية

فورين أفيرز- بقلم ستيفن إيه كوك- لا خروج – لماذا لا يزال الشرق الأوسط مهمًا لأمريكا

فورين أفيرز –  بقلم ستيفن إيه كوك – 12/10/2020

الانسحاب الأمريكي من المنطقة يمكن أن يزعزع استقرارها ويشيع الفوضى ويزيد من إراقة الدماء.

سجل الفشل الأمريكي في الشرق الأوسط على مدى العقدين الماضيين كان طويلًا ومفزعًا. وتمثَّلت الكارثة الأكثر وضوحًا في غزو العراق عام 2003. لكن المشكلة بدأت قبل مدة طويلة من هذا الفشل الذريع. وكان انتصار أمريكا في الحرب الباردة و«الموجة الثالثة» من التحوُّل الديمقراطي في العالم والثروة التي ولَّدتها العولمة بمثابة تطورات إيجابية، لكنها أنتجت أيضًا مزيجًا سامًّا من الغطرسة الأمريكية والإفراط في الطموح.

وظن المسؤولون والمحللون أن مجتمعات الشرق الأوسط بحاجة إلى مساعدة واشنطن وأن الولايات المتحدة يمكن أن تستخدم قوتها بطرق بنَّاءة في المنطقة. وأعقب ذلك مساعٍ غير مثمرة لتغيير المجتمعات العربية وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والقضاء على الحركات الجهادية وإنهاء تطوير إيران للتكنولوجيا النووية. وحقيقة أن خمس دول عربية تعاني الآن من مراحل انهيار مختلفة تدعم الشعور العام داخل واشنطن بأن نهج الولايات المتحدة يتطلب إصلاحًا جذريًّا.

حروب أبدية

نُخبَ السياسة الخارجية الأمريكية توصَّلت إلى توافق جديد في الآراء مفاده أنه آن لواشنطن أن تقر بأنه لم يعد لها مصالح حيوية في المنطقة، وعليها تقليص طموحاتها وربما إنهاء حقبة «الحروب الأبدية» بالانسحاب من الشرق الأوسط تمامًا. وبعد عقدين صعبين، قد تبدو مثل هذه الحجج مقنعة، لكن مغادرة الشرق الأوسط ليست سياسة سليمة، بحسب الكاتب.

إذ لا تزال لواشنطن مصالح مهمة تستحق الحماية، حتى وإن قلَّلت التغيرات السياسية والتكنولوجية والاجتماعية من أهميتها. وبدلًا من استخدام القوة الأمريكية لإعادة تشكيل المنطقة، يجب على صانعي السياسة تبني هدف أكثر واقعية وقابل للتحقيق يتمثل في إرساء الاستقرار والحفاظ عليه.

وللأسف قوَّض الحديث عن الانسحاب في السنوات الأخيرة نفوذ واشنطن. وبسبب التصور السائد بين قادة الشرق الأوسط بأن أمريكا تنوي التخلي عن دورها القيادي، برزت الصين وروسيا باعتبارهما وسيطي سلطة بديلين، وهو تطور سلبي ليس لواشنطن فحسب ولكن لشعوب المنطقة أيضًا. ولمنع أسوأ سيناريو تقوم فيه القوى الفاعلة الإقليمية بإشاعة المزيد من عدم الاستقرار والفوضى وإراقة الدماء، تحتاج واشنطن إلى تحديد مصالحها الحقيقية في الشرق الأوسط ووضع استراتيجية لتعزيزها.

ويومًا ما، كانت أصوات أولئك الذين يدعون إلى تقليص الاهتمام بالشرق الأوسط أو الانسحاب منه غير مسموعة. ولكن الأوضاع تغيرت ولنأخذ على سبيل المثال ثلاث دول في المنطقة أربكت واشنطن على مدى العقد الماضي: سوريا وليبيا وإيران. في عام 2011، دافعت أصوات قليلة عن تدخل عسكري أمريكي بعد تحرك ديكتاتور سوريا -بحسب وصف الكاتب- بشار الأسد، لسحق الانتفاضة الشعبية. وفي هذه الأثناء، كانت معارضة استخدام القوة في الكونجرس والبيت الأبيض والبنتاجون وبين مُعلِّقي السياسة الخارجية ساحقة.

وفي العام نفسه، عندما هدد معمر القذافي بالمذابح لإخماد المعارضة، اتفق معظم المسؤولين والمحللين الأمريكيين على أن الدور الأمريكي يجب أن يقتصر على إنشاء منطقة حظر طيران لمنع النظام من استخدام القوة الجوية. وأثار السؤال حول ما يجب فعله بشأن برنامج إيران النووي نقاشًا أكثر من النزاع في سوريا وليبيا، كما دعا عدد من الأصوات المؤثرة إلى تبني عمل عسكري أمريكي. لكن الخلاف الأساسي كان حول ما إذا كان الاتفاق الذي أبرمته إدارة أوباما يمثل أفضل نتيجة دبلوماسية.

تحول في وجهات النظر حول استخدام القوة

ربما كان أبرز مثال على التحول في وجهات النظر حول استخدام القوة في المنطقة هو رد فعل الولايات المتحدة على هجوم سبتمبر (أيلول) 2019 على المنشآت النفطية السعودية، والذي تعتقد معظم وكالات الاستخبارات الغربية أن إيران نفذته. ودأبت السياسية الأمريكية خلال الأربعين عامًا المنصرمة على الدفاع عن حقول النفط في الخليج العربي.

ولكن عندما أدَّى هجوم إيراني واضح إلى تعطيل جزء كبير من إمدادات النفط العالمية مؤقتًا، حذَّر المتخصصون في السياسة الخارجية الأمريكية من العواقب الخطيرة المحتملة للرد العسكري الأمريكي. وعلى أي حال كان أهم مبرر استراتيجي للوجود الأمريكي في المنطقة هو الحاجة إلى الحفاظ على التدفق الحر لموارد الطاقة من الخليج.

وأبرز غياب النقاش حول ما إذا كان يجب الرد عسكريًّا على الهجمات مشكلةً أعمق، ألا وهي غياب إطار مشترك للتفكير في المصالح الأمريكية في المنطقة. وفقدت مجموعة المصالح التي شكلت سياسة أمريكا تجاه الشرق الأوسط أهميتها. وفي الوقت نفسه، أصبحت المنطقة المعقدة أكثر تعقيدًا.

وطوال الحرب الباردة وخلال العقد الأول من القرن الحالي، كان ضمان البنزين الرخيص للمستهلكين الأمريكيين ودعم الأمن الإسرائيلي ومحاربة الإرهابيين ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل أهدافًا أظهر الأمريكيون وقادتهم استعدادًا لإنفاق الموارد بل والتضحية بالأرواح من أجلها. ولا تزال الأهداف الأربعة مهمة، لكنها أصبحت أقل أهمية في السنوات الأخيرة. وسمح التكسير الهيدروليكي لأمريكا أن تصبح مستقلة أو شبه مستقلة في مجال الطاقة. وأثار هذا تساؤلات بين القادة السياسيين والمحللين حول التكلفة التي تتحملها أمريكا لحماية التدفق الحر للوقود الأحفوري من الشرق الأوسط.

إنهاء المعونات لإسرائيل

تتمتع إسرائيل بدعم أمريكي كبير، لكن التغييرات الديموجرافية والسياسية في أمريكا من المرجح أن تقلل من سخاء واشنطن في المستقبل. ومن الصعب إثبات أن إسرائيل لا تزال بحاجة إلى المساعدات الأمريكية. وإسرائيل دولة غنية ذات اقتصاد متقدم، وخاصة في قطاع تكنولوجيا المعلومات، بحسب المقال. وموقعها الاستراتيجي الآن أفضل من أي وقت مضى. ويمتلك الإسرائيليون جيشًا أكثر تطورًا، وإن كانت إيران لا تزال تمثل تحديًا. ونجحت إسرائيل في تطبيع علاقاتها مع البحرين والإمارات.

في الوقت نفسه، لم يعد للإرهاب التأثير القوي نفسه على السياسة الخارجية. ولم تتعرض الولايات المتحدة لهجوم آخر بحجم هجمات 11 سبتمبر، وقُضِي على داعش في العراق وسوريا، وفي عصر كوفيد-19، يبدو خوف الأمريكيين من مهام الحياة اليومية أكبر من خوفهم من الإرهاب. ويجادل المدافعون عن الانسحاب بأن الإرهاب جاء إلى حد كبير نتيجة للوجود الأمريكي في المنطقة، ويستغله المتطرفون لتبرير دعواتهم الجهادية لمقاومة الظالم المعتدي، حسبما يرى الكاتب.

أخيرًا، تلقت قضية منع الانتشار ضربة مدمرة من الغزو المشؤوم للعراق، والذي جرى تسويقه بالأساس على أنه مهمة لنزع سلاح صدام حسين. وكان هذا خطأً فادحًا لأن العراق لم يكن يمتلك أسلحة دمار شامل. والآن يجرى حل مشكلة الانتشار على نحو أفضل من خلال الدبلوماسية.

إذا كانت حماية تدفق النفط وحماية إسرائيل ومحاربة الإرهاب ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل لم تعد تجعل الشرق الأوسط أولوية للسياسة الخارجية الأمريكية أو تبرر الوجود العسكري الأمريكي هناك، فما المبرر إذن؟ الجواب هو: عندما تُدار الأمور جيدًا، يوفر الوجود الأمريكي في المنطقة درجة من الاستقرار في جزءٍ من العالم مزقته أعمال العنف والدول المنهارة والديكتاتورية. وسيكون وجود شرق أوسط ما بعد أمريكا أسوأ، بحسب رؤية الكاتب.

وفي إيران، لم تتمكن أمريكا من إجبار الجمهورية الإسلامية على التخلي عن سعيها لامتلاك أسلحة نووية أو إقناعها بذلك، أو وقف دعمها للجماعات الإرهابية، أو إنهاء قمعها الوحشي لمواطنيها. وفي هذه المرحلة، يجب على واشنطن الاستغناء عن هذه الأهداف. وبدلًا من ذلك، يجب أن تنتهج سياسة أكثر كفاءة وأقل خطورة وهي الاحتواء. وقد يعني هذا استبعاد فكرة تغييرالنظام مع وضع قواعد ضمنية لسلوك إيراني مقبول في المنطقة. والاحتواء ليس مجرد تمرين في الدبلوماسية الصعبة، بل يتطلب وجود قوات عسكرية وتهديدًا باستخدامها.

احتواء إيران

يرى كثيرون في مجتمع السياسة الخارجية الأمريكية أنه في ظل إدارة رئاسية مختلفة ستعود أمريكا إلى خطة العمل الشاملة المشتركة لعام 2015. وبغض النظر عن مدى جودة الصياغة الجديدة للاتفاق، فإنه سيثير القلق في إسرائيل والسعودية والإمارات. وستبذل هذه الدول قصارى جهدها لتقويض أي اتفاق جديد، بغض النظر عن مقدار المعدات العسكرية التي قدَّمتها أمريكا لها مقابل موافقتها. وربما تسعى هذه الدول لتقويض الاتفاق باستخدام تلك الأسلحة ضد إيران أو وكلائها. وبهذه الطريقة، سيقوِّضون الاستقرار في المنطقة.

غير أن الاحتواء لا يعني السماح للإيرانيين بتطوير أسلحة نووية. ولن تمنع هذه الاستراتيجية الحوار أو العقوبات أو استخدام القوة لمنع هذه النتيجة. ولن يكون الاحتواء أمرًا رائعًا، لكنه يَعِد بشيء يمكن تحقيقه على الأقل: الحد من التوتر في الخليج العربي.

إن إيران ليست مصدر التوتر الوحيد، إذ لا تزال الجماعات الجهادية تشكل تهديدًا خطيرًا على الرغم من تراجعها، كما يرى الكاتب. ويضيف: وغالبًا ما يجادل المدافعون عن الانسحاب بأن تقليص الوجود العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط قد يخفف من هذا الخطر. غير أن الاعتقاد بأن الإرهاب الجهادي سوف يتلاشى بُعيَد رحيل آخر جندي أمريكي ليس إلا أماني، لأن الأيديولوجيات التي تدفع التطرف راسخة بقوة في المنطقة.

وما تحتاجه واشنطن ليس «حربًا على الإرهاب» مبنية على رؤى تغيير النظام وتعزيز الديمقراطية و«كسب القلوب والعقول»، بل نهجًا واقعيًّا يركز على جمع المعلومات الاستخباراتية والعمل الشرطي والتعاون المتعدد الأطراف والاستخدام الحكيم للعنف عند الحاجة. وتقدم الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الإرهاب لعام 2018 خريطة طريق جيدة، حيث تستغني عن الأمل الزائف في أن تتمكن واشنطن من إصلاح سياسات المنطقة، بينما تضع نهجًا لمكافحة الإرهاب يُقلِّص المشكلة إلى مستوًى يمكن التحكم فيه.

نفط الشرق الأوسط سيظل مهمًّا

حتى في عصر التكسير الهيدروليكي، سيظل نفط الشرق الأوسط مهمًّا لأمريكا. وتتطلب حماية الممرات البحرية التي ينتقل عبرها النفط وجودًا عسكريًّا أقل بكثير من الوجود الحالي. وتكفي مجموعة صغيرة من سفن البحرية الأمريكية ومجموعة طائرات مقاتلة متمركزة في قواعد جوية في المنطقة أو على متن حاملة طائرات. إن إعادة تنظيم موارد الولايات المتحدة بهذه الطريقة يقلل المخاطر المتمثلة في إغراء صانعي السياسة الأمريكيين في المستقبل بمتابعة مشاريع لا علاقة لها بحرية الملاحة.

وربما يكون التغيير الأكبر في نهج واشنطن تجاه المنطقة هو علاقاتها بإسرائيل. إن أمريكا يجب أن تتخلى عن دور الراعية لإسرائيل، ليس هذا لأن واشنطن يجب أن تعاقب إسرائيل على سلوكها في قطاع غزة والضفة الغربية، الأمر الذي جعل حل الدولتين مستحيلًا، بل لأن ذلك انعكاس لنجاح السياسة الأمريكية التي سَعَت لضمان أمن إسرائيل وسيادتها.

لا شك أن القادة الأمريكيين يرغبون في إقامة علاقات جيدة مع إسرائيل القوية والآمنة، لكن أمريكا لم تعد بحاجة إلى تزويد إسرائيل بالمساعدة. ويجب على البلدين الاتفاق على إلغاء المساعدة العسكرية الأمريكية على مدار العقد المقبل. وبسبب التحولات الديموجرافية والسياسية في أمريكا، من المرجح أن تتوقف هذه المساعدات في المستقبل غير البعيد. وحتى من دون المساعدة العسكرية، ستبقى الشراكة الأمريكية الإسرائيلية قوية. وسيستفيد كلا البلدين من التعاون المستمر في قطاعات الدفاع والأمن والتكنولوجيا.

تكاليف التقاعس

هذا ما تبدو عليه السياسة الواقعية لأمريكا في الشرق الأوسط: احتواء إيران وإعادة الاستعداد للحرب ضد الإرهاب وإعادة تنظيم الانتشار العسكري للتأكيد على حماية الممرات البحرية وتقليص حجم العلاقة الأمريكية الإسرائيلية لتعكس قوة إسرائيل النسبية. وينطوي مثل هذا النهج على التخلي عن الطموحات العظيمة للأمريكيين كنشر الديمقراطية والإطاحة بالحكم الديني الإيراني وحل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. لكنه سيؤدي إلى تجنب الكوارث التي ستنجم عن تخلي أمريكا عن دورها في الشرق الأوسط.

ولنأخذ نموذج التدخل العسكري بقيادة السعودية في اليمن، والذي بدأ في مارس (آذار) 2015. كانت تكاليف هذه المجازفة باهظة، خاصة بالنسبة للمدنيين اليمنيين الذين توفي منهم نحو 13.500 شخص أغلبهم بسبب تفشي الكوليرا وأُصيب عدد لا يحصى. وأدَّت الحرب أيضًا إلى زعزعة استقرار شبه الجزيرة العربية، ما جعل من الصعب على واشنطن مواجهة التطرف وحماية التدفق الحر للطاقة. وربما جرى تخفيف هذه النتائج أو تجنب بعضها لو لم تُبْدِ أمريكا رغبتها في مغادرة المنطقة.

تدخل السعوديون بعد إجراءات أمريكية أشارت إلى حدوث تراجع في مواجهة أزمة في المنطقة. أولًا، شاهدوا انسحاب أمريكا من العراق، مما مهد الطريق لإيران لتصبح القوة المهيمنة في السياسة العراقية. وسُمِح لنظام الأسد في سوريا بسحق انتفاضة واسعة النطاق بمساعدة رعاته في طهران وموسكو وتفاوضوا على اتفاق نووي مع إيران. كان هذا مقلقًا للغاية للسعوديين، وغذَّى مخاوفهم من أن يُترَكوا تحت رحمة النظام الإيراني ومساعيه للهيمنة الإقليمية.

مخاوف السعودية قد تدفعها إلى تصنيع السلاح النووي

اشتدت مخاوف السعوديين من أنه لم يعد بوسعهم الاعتماد على الرعاة الأمريكيين بعد أن رفضت إدارة ترامب الرد بقوة على سلسلة من الاستفزازات الإيرانية في صيف عام 2019، ومنها الهجوم على منشآت النفط السعودية. وإذا شعرت الرياض أن واشنطن قد تخلَّت عنها، فقد تتخذ إجراءات لم تكن في الحسبان لحماية نفسها، بما في ذلك تطوير أسلحتها النووية. وإذا كان ولي العهد السعودي محمد بن سلمان متهورًا ومتعجرفًا كما يُقال، فقد يقرر أن الترسانة النووية هي التي ستوفر للسعودية الأمن الذي تحتاجه.

والعراق مكان آخر قد يضر خروج أمريكا منه أكثر مما ينفع – على الرغم من أن العراق يمثل للمدافعين عن الانسحاب الخطيئة الأصلية لسياسة واشنطن المعيبة في الشرق الأوسط خلال العقدين الماضيين، ومن ثم يُعد أحد الأماكن الأولى في المنطقة التي يجب على أمريكا الانسحاب منها. والعراق اليوم مُثْقل بمشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية معقَّدة. والطبقة السياسية والمؤسسات في البلاد فاسدة تمامًا. غير أنه سيكون من الخطأ المغادرة الآن. كان غزو عام 2003 خطأً استراتيجيًّا فادحًا، لكنَّ ترك العراقيين في قبضة الإرهابيين والنظام المجاور سيكون كذلك.

تقدِّم المهام الأمريكية لمكافحة الإرهاب في العراق طريقة غير مكلفة نسبيًّا لمساعدة العراقيين على إبقاء داعش والمتطرفين الآخرين في موقف عجز والإسهام في تطوير المؤسسات العسكرية والأمنية اللازمة لتعزيز استقلال العراق. وقد لا يتحرر العراق أبدًا من النفوذ الإيراني، لكن لا يجب أن يُترك ضعيفًا ليتسنى لطهران الاستمرار في استخدامه لتعزيز مصالحها الإقليمية الخبيثة.

وبالنسبة إلى دعاة الانسحاب، سيبدو هذا وكأنه منحدر زَلِق لمهمة لا نهاية لها في العراق. لكن التجارب السابقة تشير إلى أن إعلان النصر والعودة إلى الوطن يمكن أن يكون له عواقب وخيمة وسلبية على العراق والمنطقة. ولنتذكر أنه عندما قررت أمريكا في عام 2011 مغادرة العراق كانت النتيجة ظهور داعش، حسبما يرى الكاتب.

المنطقة الأخيرة التي قد تتحول الأمور فيها إلى الأسوأ حال انسحاب أمريكا من الشرق الأوسط هي شرق البحر المتوسط، حيث تضع التوترات حول وضع قبرص والحدود البحرية والوصول إلى رواسب الغاز الطبيعي مجموعة كبيرة من البلدان في موقف عداء. ولم تخلق هذه النزاعات المعقدة والمتداخلة وضعًا خطيرًا في البحر فحسب، بل تهدد بتفاقم الوضع الكئيب بالفعل في ليبيا المجاورة، حيث لا تزال الحرب الأهلية مستعرة واستقطَبت عددًا من البلدان، بما في ذلك مصر وتركيا، اللتان أوشكتا على الصدام مؤخرًا. وابتعاد أمريكا عن هذه الصراعات من شأنه أن يزيد من فرص خروج الأمور عن السيطرة.

الجانب المهم

إذا تمكنت الولايات المتحدة ببساطة من إنهاء «حروبها الأبدية» والانسحاب من الشرق الأوسط، فإنها ستكون محظوظة للغاية. لكن القيام بذلك لن يكون وسيلة لإدارة السياسة الخارجية وستكون تكاليفه باهظة على نحو أكبر من فوائده، بحسب كوك.

تعثرت واشنطن في الشرق الأوسط لأنها فقدت الرؤية السديدة للأمور المهمة في المنطقة. كان كل شيء في أول عقدين من هذا القرن مُبرَّرًا تقريبًا من أجل المصالح الأمريكية. والآن، يجب أن تكون الأهداف واضحة ويجب تطويع الموارد الوطنية لحمايتها. إن إعلان الهزيمة والعودة إلى الوطن لن يحل شيئًا.

ستيفن كوك، باحث كبير في شؤون الشرق الأوسط وأفريقيا في مجلس العلاقات الخارجية

* نشر هذا المقال تحت عنوان  :  

No Exit| Why the Middle East Still Matters to America

الكاتب Steven A. Cook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى