فراس ياغي: عجلة التاريخ لن تعود للوراء بعض القضايا يجب اخذها بعين الإعتبار
فراس ياغي 4-4-2024: عجلة التاريخ لن تعود للوراء بعض القضايا يجب اخذها بعين الإعتبار
*في محاولة لقراءة الخارطة بشكل عام، ووضع بعض النقاط المهمة لدى الفاعلين الرئيسيين في المشهد الغزاوي والمنطقة ككل، وفي محاولة لاخذ بعض الامور بعين الإعتبار بما يتعلق بفهم المواقف، أشير للتالي:*
*الأول- أمريكا*
*1- لن تصل لنقطة الضغط الحقيقي على نتنياهو وتعمل بالتنقيط وبالتالي لن توقف عملية رفح.*
*2- لن تقوم بأي خطوة سياسية بخلاف ما يريده نتنياهو وسوف تعمل فقط على تحسين ما يطرحه، أي تخفيف الإحتلال لغزة وايجاد بدائل أمنية بدون أي رابط سياسي بين الضفة وغزة، بمعنى سلطة باسم فتح الرئيس في رام الله لا علاقة لفتح الأصل فيها، وسلطة أخرى تتعاون فيها فتح الرئيس مع العشائر ولا علاقة لها بسلطة رام الله بإسم فترة مؤقته حتى تثبت نفسها امنيا، وبعد ذلك اذا استطاع الجهازين الأمنيين ان يوفرا الأمن لإسرائيل ستعمل على توحيدهما “هذا لن يحدث مطلقا”، وهذا ما تدعمه امريكا والأمن الإسرائيلي وبالتالي كل الرؤيا الأمريكية لن تغادر مربع نتنياهو الأمني.*
*3- لن تترك السلطة الفلسطينية المدعومة بشكل لا لبس ولا شك فيه من قبل الجهاز الأمني الإسرائيلي وبالذات الشاباك، لذلك لن تحييد مطلقا عما تراه إسرائيل هو الأفضل، المشكلة هي فقط بين نتنياهو وإئتلافه وبين الشاباك والجيش.*
*4- لن تذهب لأي رؤيا لا توافق عليها إسرائيل وتدعمها، وستعمل على محاولة إقناع نتنياهو فيها كما فعلت وتفعل في أوسلو*
*5- لن تعمل على منع إسرائيل من محاولة فرض مقارباتها الأمنية فيما يتعلق بكافة الجبهات، غزة والضفة ولبنان، وسوف تستغل امريكا الفعل الإسرائيلي لردع الجميع وجلب موافقات عبر الدبلوماسية والسياسة بما يحقق الحدود الدنيا لمتطلبات الامن الإسرائيلي الجديد*
*6- لن توقف أمريكا تزويد إسرائيل بالسلاح، بل أكثر من ذلك سوف تأتي بعديدها وعدتها للدفاع عن إسرائيل في حالة تعرضها لخطر وجودي، فالمحمية الأمريكية المسماة “إسرائيل” لا غنى عنها للمصالح الأمريكية في المنطقة كونها جزء لا يتجزأ من السياسة الداخلية الأمريكية*
*ثانيا- إسرائيل*
*هناك في إسرائيل إجماع بين المستوى السياسي والجهاز العسكري والأمني على متطلبات الأمن الخاصة بدولة إسرائيل، بمعنى أمن ما بعد السابع من أكتوبر، والذي يمتد من البحر للنهر بحيث يكون تحت السيطرة المباشرة الإسرائيلية، والجبهات اللصيقة ايجاد منطقة عازلة مع الحدود الإسرائيلية لا وجود لأي من فصائل المقاومة فيها، وعليه فهناك توجهات متفق عليها ولكن هناك اختلاف في الكيفية والاولوية*
*1- عملية رفح قائمة وسوف تقوم فيها إسرائيل بتوافق بين مجلس الحرب والجيش، لكن الخلاف فقط يتعلق بأن البعض يرى في الإفراج عن الأسرى والمحتجزين كأولوية وتأتي رفح بعدها، ونتنياهو لا يرى في ذلك خدمة لمصالحه ومصالح إئتلافه*
*2- إسرائيل سوف تعمل على إحتلال كل قطاع غزة، وقسمته لمنطقتين، الاولى هي شمال غزة وستبقى تحت السيطرة الأمنية المباشرة، أي منطقة “ج”، في حين الجنوب والوسط منطقة “ب”، كمفهوم امني، اما من الناحية الإدارية المدنية فسوف تتعاون مع أمريكا حول ذلك، إما عبر ما يسمى قوات حفظ السلام العربية ومعهم قوات امن فلسطيني بدأ العمل لتجهيزهم، أي إدارة محلية فلسطينية لها امن بتعلق بالاساس بالمفهوم الشرطي الى جانب التنسيق الأمني كما الضفة*
*3- لا مكان لشيء إسمه دولة فلسطينية في القاموس الإسرائيلي، ولا حتى في القاموس الامريكي “سوى أن أمريكا تريد المفهوم قائم بلا جوهر”، لذلك كل المطروح هو في خدمة ما تريده إسرائيل أمنيا*
*4- التجاذبات والخلافات في الداخل الإسرائيلي لن تؤدي لتغيير في المشهد الإسرائيلي، لأن نتنياهو يعلم جيدا ان كل أحزاب إئتلافه تعلم أن أي تغيير سيؤدي لخروجهم جميعا من الحكومة، وبالتالي مصلحة الجميع بالحفاظ على الإئتلاف الحاكم، وقانون التجنيد وتعقيداته فرصة الى نتنياهو لكي يحصل بعض من التنازلات من الأحزاب الحريدية دون ان يتهم بان له دور فيما يحدث*
*5- الإئتلاف الحاكم سيبقى حتى نهاية فترته “2026” لأنه سيعمل على بقاء وإستمرار الحالة الأمنية، فبعد رفح ستأتي لبنان ومن ثم سوريا، ويبدو ان مصلحة قيادات الجيش والامن المتهمة بالتقصير في السابع من اكتوبر تلتقي مع رؤية نتنياهو وإئتلافه، تلاقي المصالح*
*6- الضفة الغربية والقدس سيتم العمل على تصعيد الوضع فيهما عبر المستوطنين بما يؤدي للبقاء في المربع الأمني وبما قد يؤسس لتقسيم مكاني للمسجد الاقصى وفرض الإرادة الإسرائيلية على أغلبية منطقة “ج” في الضفة، ومن ترك غزة وحيدة سوف يصبح هو وحيدا ولن تحميه لا امريكا ولا دول الإقليم، فهذه حكومة يمين صهيو دينية لديها برنامج واضح سوف تطبقه، وسوف تستغل الواقع الجديد لحسم الصراع*
*ثالثا- فلسطينيا*
*1- سيعاني الشعب الفلسطيني نتيجة لمواقف قيادته التي لا تزال تثق بالسياسة الامريكية وبتطمينات الجهاز الأمني الإسرائيلي الذي تتعاطى معه مباشرة دون اي لقاء مع المستوى السياسي، حيث إستطاعت إسرائيل عبر سياستها تحويل كل شيء كمفهوم امني لا ينتهي ولن ينتهي*
*2- اذا نجحت خطط نتنياهو والجيش في غزة، فكل مشهد الضفة سيتغير، وسيصبح الواقع أمني بإمتياز دون اي أفق سياسي بالمطلق، بل ستزداد الامور سوءا من حيث الإستيطان ومن حيث تهويد كامل للقدس والاماكن المقدسة ومن حيث القوانين الجديدة التي سيتم تشريعها بحيث تتحول الضفة لقيادة ضابط في الإدارة المدنية يكون مسؤولا عن السلطة القائمة المحلية*
*3- من تعامل مع غزة بمنطق الجبن ومنطق الحقد ومنطق التشفي ومنطق المصالح الشخصية قبل الحزبية، سيجد نفسه وحيدا بلا ظهر لا شعبي ولا فصائلي ولا حتى إقليمي، وهذا ما سيحدث وسيرى أن جدران المقاطعة تضيق عليه يوما بعد يوم*
*رابعا- الإقليم*
*2- بداية ما قلناه اعلاه هو رؤيتنا لما تفكر فيه وترمي إليه إسرائيل وبدعم أمريكي مباشر رغم كل الخلاف المصطنع بين الطرفين، لكن ذلك لا يعني أنه سيتحقق، والسبب بالاساس هو الضرورات الأمنية الإسرائيلية عالية التكاليف بالنسبة لمحور المقاومة، أي أن تلك المتطلبات تحتاج لهزيمة المحور ككل وليس هزيمة حماس والتي لن تهزم*
*2- محور المقاومة سوف يحول حرب إسرائيل الى معركة إستنزاف طويلة، ولن تستطيع إسرائيل تنفيذ مخططاتها وفرض إرادتها بقوة السلاح على المنطقة بحيث تصبح المنطقة تحت الرحمة الإسرائيلية، لذلك عملية رفح ستكون فاصلة بإعتقادي، ليس لاسباب تتعلق بالمدنيين، ولا بقويض كتائب القسام الاربعة التي تتحدث عنها إسرائيل، إنما بسبب التحول الكبير الذي ستشهده المنطقة في حالة قدرة إسرائيل على فرض شروطها، وهذا لن يكون مقبول بالمطلق لدى كل محور المقاومة*
*3- جبهة الشمال ستكون هي الحاسمة في حالة أخطأ الإسرائيلي في حساباته ونفذ تهديداته ضد حزب الله، لأن المنطقة ككل ستتغير بما يشمل حتى قطاع غزة، وهذا لن يكون لصالح الإسرائيلي، لكن غرور القوة يعمي أعين القادة المجروحين والمذلولين من السابع من أكتوبر.*
*4- حرب العصابات والإستنزاف في غزة المدعومة اقليميا من محور المقاومة ستبقي كل المنطقة في نقطة اللا إستقرار بما يمنع أي محاولات من البعض الغبي سياسيا واللاهث الذي يطرح نفسه البديل في غزة، وهذا سيؤدي حتما للعودة لمربع النضال التحرري ضد الإحتلال، اي انتهاء “أوسلو” السياسي، وبقاء “أوسلو” الامني الذي سينظر له الشعب الفلسطيني على أنه شكل من أشكال روابط القرى.*
*5- لن تستطيع إسرائيل أن تجد لها مقعد مريح في المنطقة بسبب سياساتها العدوانية وبسبب قناعة الكثير بعدم قدرتها على حسم الصراع بالقوة العسكرية مع محور المقاومة، وبسبب التغيرات على المستوى الدولي، مما سيؤدي لتراجع التطبيع، وتراجع التقارب مع حكومة تأخذ إسرائيل لتصبح دولة يمينية دينية*
*بالمجمل، كل الصراع القائم والذي تدفع فيه غزة فاتورة عالية الثمن، فاتورة من الدماء غير المسبوقة ومن الجوع وسوء التغذية والأمراض نتيجة لذلك، والتدمير الممنهج وفق خطة عسكرية وسياسية، سوف ترتد على من قام فيها ودعمها وسكت عنها، لأن عجلة التاريخ لن ترجع إلى الوراء ومهما كانت التسميات، وهذا الصمود الأسطوري لشعب غزة ومقاومته سيشهد له التاريخ بأنه كان بداية الحرية والإستقلال للشعب الفلسطيني، وإنتهاء الإحتلال بطريقة دراماتيكية ستكون غير مفهومة لكل المؤرخين والمحللين، كما كان السابع من اكتوبر معجزة القرن الواحد والعشرين ** والله غالب*