#ترجمات عبريةشوؤن عربية

فالنتينا كومنتي / المصلحة الاوروبية في استقرار مصري :القضية الايطالية

 

معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي  بقلم فالنتينا كومنتي 1/6/2018

علاقة دول اوروبا مع منطقة شمال افريقيا والشرق الاوسط تم التحكم بها دائما وبصورة جارفة على يد نظم تفضيل استراتيجية وامنية. وضمن ذلك الاشراف على الهجرة، محاربة الارهاب والوصول الى مصادر الطاقة. ما سمي بـ “الربيع العربي” أدى فعليا الى فوضى متواصلة في كثير من هذه الدول، مع تداعيات دراماتيكية ايضا على الجانب الشمالي من البحر الابيض، وعلى رأسها ازمة اللاجئين. مشكلة اللاجئين كبيرة بحجمها ويصعب التعامل معها الى درجة ضعضعة العلاقات بين الدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، وربما ايضا ضعضعة وجود الاتحاد نفسه. حقيقة أن دول كثيرة تعيد الحدود الوطنية وتعيد فحص اتفاقية “شينغن” التي أدت الى الخوف من أن المشروع الاوروبية كله يقف على حافة الانهيار – والدليل على ذلك أن ازمة الهجرة ليست فقط تحد لاستقرار الاتحاد الاوروبي، بل ايضا تهديد وجودي له.

في هذه الظروف، الحفاظ على الاستقرار في تلك الدول الشرق اوسطية والشمال افريقية والتي نجحت بدرجة ما في الحفاظ على وحدتها، تحولت الى مصلحة حيوية للدول الاعضاء في الاتحاد الاوروبي، كما اثبتت استعدادها ليس فقط للتضحية بأجزاء من المشاريع التي استهدفت تحقيق الدمقرطة في المنطقة، بل ايضا التنازل عن مصداقيتها الدولية والكشف الى أي درجة كم هي قليلة روافع الضغط الموجودة في أيديها على الحكومات المحلية.

مثال صادم على هذه الظاهرة يمكن رؤيته في الصورة التي تطورت فيها العلاقة بين ايطاليا ومصر في اعقاب قضية قتل جوليو ريجني، وهو الباحث الايطالي الذي زعم أنه خطف وعذب حتى الموت على أيدي المخابرات السرية المصرية في بداية 2016. حقيقة أن الازمة الدبلوماسية بين الدولتين التي انبثقت عن ذلك كانت قصيرة نسبيا وتدل على أن “العلاقة بين ايطاليا ومصر تمتد الى أبعد من الاطر التقليدية للتعاون”. العلاقات الاقتصادية والامنية لروما مع مصر ليست فقط هامة، بل حيوية وضرورية لازدهار واستقرار الدولة.

المقال الحالي سيحلل تطور العلاقة بين ايطاليا ومصر في اعقاب قتل جوليو ريجني، والمصالح التي وقفت من وراء الحل السريع نسبيا للازمة. لقد كانت لهذه القضية تداعيات خطيرة على الرأي العام الايطالي والاوروبي، وإن لم يكن بالامكان أن نستخلص منها فقط تعميم بخصوص وضع العلاقات بين اوروبا والشرق الاوسط وشمال افريقيا بمفاهيم اوسع. اضافة الى ذلك، يمكن أن نفهم عن طريق هذه الحادثة الاهمية الحاسمة لموضوع الهجرة بالنسبة للسياسيين الاوروبيين وما هو الثمن الذي هم مستعدون لدفعه من اجل وقفها.

خلفية

جوليو ريجني كان طالب دكتوراة في كلية غرتون التي هي فرع من جامعة كامبردج، ورسالته تناولت نقابات العمال المستقلة في مصر. ريجني اختفى في القاهرة في 25 كانون الثاني 2016، في يوم الذكرى السنوية الخامسة لمظاهرات 2011 في ميدان التحرير.  جثته شبه العارية  المليئة بعلامات التعذيب وجدت في 3 شباط 2016 في قناة قرب الشارع السريع القاهرة – الاسكندرية. على الجثة ظهرت اشارات واضحة على تعذيب شديد مثل كدمات، خدوش، جروح، عظام مكسرة، حروق سجائر وحروق أشد، جروح طعن عديدة، نزيف في الدماغ وكسور في الرقبة التي في نهاية الامر أدت الى موته. إن قتل ريجني نسب كما يبدو لعلاقته الظاهرة مع حركة النقابة المهنية المستقلة المصرية، التي عارضت حكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي.

القضية اثارت نقاش عاصف في ارجاء العالم، لكن في الاساس في ايطاليا بسبب الشك في المشاركة الجزئية أو الكاملة للمخابرات السرية المصرية في موته. الشكوك تعززت في اعقاب سلوك السلطات المصرية خلال التحقيق في موت ريجني. هكذا، في البداية اعلنت السلطات المصرية بأن جوليو ريجني قتل في حادث طرق، لكن فيما بعد في آذار 2016 اعلنت وزارة الخارجية المصرية بأن الخاطفين الاربعة الذين اختطفوا ريجني قتلوا على أيدي الشرطة المصرية. حسب اقوال السلطات في مصر، ريجني قتل على أيدي عصابة من الخاطفين المحترفين الذين ارتدوا زي الشرطة. كما يبدو فانه حسب هذه الرواية تم الادعاء بأن وثائق ريجني وجدت بعد اطلاق النار في بيت أحد المجرمين. المحققون الايطاليون لم يصدقوا في أي يوم هذه الرواية بسبب عدد من الفجوات فيها، ولأن السلطات المصرية غيرت القصة عدة مرات. في نهاية المطاف، تسجيلات الهاتف التي دللت على مكان زعيم العصابة على بعد 100 كم من القاهرة في وقت اختفاء ريجني، اثبتت أن السيناريو الذي طرحته الحكومة المصرية غير منطقي.

قتل ريجني كان مرتبط كما يبدو بحقيقة أن النقابات المهنية المستقلة هي موضوع حساس بشكل خاص في مصر في عهد حكومة السيسي التي ترى فيها قوة مسرعة مركزية في ثورة 2011. مع ذلك، فان مؤيدين كثيرين للديمقراطية في مصر وخارجها ومنهم جوليو ريجني نفسه، والتي تشرف عليه في كامبردج والعالمة في الشؤون السياسية المصرية، مها عبد الرحمن، رأوا في هذه المنظمات قوة ايجابية ذات امكانية كامنة لتعزيز المجتمع المدني، المشاركة الديمقراطية وحقوق العمال، كل الامور التي تعتبر تهديدا على النظام العسكري المصمم على قمع مصادر القوة الذاتية.

من نقطة رؤية اوسع، يمكننا أن نرى في ريجني ضحية اخرى للقمع الذي يستخدمه النظام بهدف تصفية الخلافات الداخلية في مصر. منذ أن قامت قوات الجيش بازاحة الرئيس مرسي في تموز 2013 فان عشرات الآلاف من الاشخاص اعتقلوا بدون محاكمة أو حكموا بالسجن أو بالموت مرات كثيرة في نهاية محاكمات شرعيتها مشكوك فيها. حسب اعتراف الحكومة نفسها فان 34 ألف شخص (كما يبدو آلاف آخرين) يوجدون الآن خلف القضبان. وهكذا، هذا هو  الرد الذي تبنته السلطات بعد زيادة الهجمات العنيفة من جانب منظمات مسلحة ضد الشرطة، الجيش، الجهات القضائية، مواطنون اجانب وغيرهم، في اعقاب اسقاط حكومة مرسي. إن تبني عمليات القمع هذه هو نتيجة قانون متوحش جديد هدفه “محاربة الارهاب”. في السنة والنصف الاخيرة تطور ايضا نموذج جديد لخرق حقوق الانسان استخدم ضد نشطاء سياسيين ومتظاهرين يشملون طلاب واطفال الذين مئات منهم اعتقلوا وسجنوا بصورة اعتباطية أو تم اخفاءهم من قبل عملاء حكوميين. لم يسمحوا بهذه الطريقة للمعتقلين بالاتصال مع محاميهم أو عائلاتهم، وتم احتجازهم بصورة انفرادية ودون اشراف جهاز القضاء. منظمات غير حكومية محلية تدعي أن 3 – 4 اشخاص يتم اختطافهم كل يوم بصورة اعتباطية ويحكمون بالاختفاء الاكراهي. هذا النمط من اساءة استخدام القوة ظهر بشكل واضح بدء من آذار 2015 عندما عين الرئيس السيسي اللواء مجدي عبد الغفار في منصب وزير الداخلية. قبل تعيينه وزيرا للداخلية تولى عبد الغفار مناصب رفيعة في جهاز امن الدولة المصري (اس.اس.آي) – وهو قوة من الشرطة السرية اشتهرت بسمعة سيئة نتيجة الاخلال بحقوق الانسان في عهد مبارك، وكذلك في وكالة الامن القومي التي انشئت بدل استخبارات أمن الدولة، بعد أن استجابت السلطات للضغط العام واعلنت في آذار 2011 عن حل الجهاز. منذ تعيين الوزير الجديد تحولت وكالة الامن القومي الى الجسم الحكومي المركزي المشارك في قمع المعارضة للنظام وفي القيام بعمليات التعذيب والخروقات الشديدة الاخرى لحقوق الانسان، التي لا تتم المعاقبة عليها. حسب اقوال منظمة “امنستي” وفي ضوء هذه الدائرة التي يكثر فيها اساءة استخدام القوة والانكار من جانب السلطات، فان اختطاف وقتل طالب الدكتوراة الايطالي ريجني في بداية 2016 يثير الشك بأنه كان ضحية الاختفاء القسري، وأنه مات بسبب التعذيب اثناء كونه معتقل على يد عملاء دولة مصريين”.

ازمة دبلوماسية بين ايطاليا ومصر وحلها

الخطوة الدبلوماسية الرئيسية التي اتخذتها ايطاليا ضد مصر كانت اعادة مورتسيو مساري، سفير ايطاليا في القاهرة، في 8 نيسان 2016. هذا القرار اتخذ بعد فشل اللقاء بين محققين ايطاليين ومصريين، والذي جرى بين 7 – 8 نيسان، في الاسابيع التي سبقت اللقاء طلبت السلطات الايطالية مواد كثيرة من التحقيق، لكن السلطات المصرية قدمت 30 صفحة من الوثائق فقط من اصل اكثر من 2000 صفحة. ايطاليا طلبت بشكل خاص التسجيلات الهاتفية وهو طلب وصفه نائب المدعي العام المصري، مصطفى سليمان، بأنه خرق للدستور المصري. اضافة الى ذلك، المحققون الايطاليون طلبوا صور كاميرات الحماية في المنطقة التي اختفى فيها رجيني، لكن سليمان قال إن الافلام محيت بشكل اوتوماتيكي في حينه. السلطات المصرية لم تعط حتى تقرير التشريح للجثة.

في اعقاب فشل ذلك اللقاء اعاد وزير الخارجية الايطالي في حينه باولو جنتيلوني السفير مورتسيو مساري من مصر. بصورة رسمية فسر القرار كخطوة “تشاور” ويمكن النظر اليها كتكتيك دبلوماسي لاستخدام ضغط على السلطات المصرية بسبب الازمة الدولية التي حدثت بعد قتل رجيني. قبل هذه القضية حدثت خطوة مشابهة في شباط 2014 ازاء الهند من قبل وزيرة الخارجية الايطالية في حينه فدريكا موغريني في اطار ما سمي “قضية مارو”، بعد أن اصرت الهند على تأجيل المرة تلو الاخرى محاكمة جنديي الاسطول سلباتورا جاروني ومورتسيو لاتورا، اللذان اتهما بقتل صيادين من الهند.

ردا على اعادة السفير الايطالي الى بلاده، وافقت الحكومة المصرية بين آب وايلول 2016 على اعطاء تسجيلات الهاتف المحمول، سواء من المنطقة التي شوهد فيها رجيني للمرة الاخيرة، أو من المكان الذي عثر فيه على جثته. أمر أكثر اهمية حدث اثناء زيارة المدعين العامين المصريين الى روما في بداية ايلول عندما اعترفوا للمرة الاولى أن رجيني كان مراقب من قبل الشرطة قبل اختفائه (وإن كانوا قد أصروا على أن المراقبة استمرت ثلاثة ايام فقط). هذا الاعتراف جاء في اعقاب نشر مقابلة مع محمد عبد الله، رئيس نقابة تجار الشارع المستقلين في مصر والمصدر الاكثر اهمية للتحقيق مع رجيني، الذي كشف أنه نفسه ابلغ السلطات عن رجيني، لأنه اعتقد أن اسئلة رجيني “لم تكن تتعلق بتجار الشارع”. حكومة مصر اعترفت بأنه في اعقاب تحذير عبد الله وضعت مراقبة على رجيني، لكن بعد بضعة ايام قررت أن بحثه “ليس شأن يتعلق بالامن القومي”.

في نهاية المطاف في نهاية كانون الثاني 2017 وافقت الشرطة المصرية على اعطاء لخبراء المان وايطاليين الافلام القصيرة التي صورت في محطة المترو “الدقي في الجيزة”، حيث شوهد هناك رجيني للمرة الاخيرة، بعد ذلك في 14 آب 2017، وبعد أن أرسل مكتب المدعي العام المصري لنظيره في روما مواد بشأن المقابلات التي اجريت مع الشرطة الذين حققوا للمرة الاولى في قتل رجيني، اعلنت الحكومة الايطالية عن قرارها ارسال سفير جديد الى القاهرة، جامبولو كنتيني. بصورة رسمية بررت الحكومة قرارها بالتعاون الكبير بين مكتب المدعي العام الايطالي ومكتب المدعي العام المصري. مع ذلك، وحسب عدد من وسائل الاعلام، فان تجدد العلاقات الدبلوماسية كان نتيجة جهود “سياسية خالصة” من جانب وزير الداخلية ماركو منيتي ووزيرة الدفاع روبرتا فينوتي ووزير الخارجية انجلينو الفيني. بعد عودة السفير الايطالي الى القاهرة في ايلول 2017 تم اعتقال ابراهيم متولي حجازي، مؤسس رابطة عائلات المفقودين (رابطة تقدم معلومات لـ “لجنة الحقوق والحريات في مصر”، التي مقرها في القاهرة) ومحامي عائلة رجيني في القاهرة.  وقد اعتقل بتهمة “ادارة منظمة غير قانونية، نشر أخبار كاذبة… وكذلك التعاون مع منظمات اجنبية”.

في 2 تشرين الثاني 2017 كان يبدو أن دور مصر في قضية رجيني تقلص بسبب تطور جديد. في اعقاب نشر مقال في صحيفة “لريببليكا”، أمر قضاة محكمة الصلح في ايطاليا باصدار أمر تحقيق اوروبي يطلب التحقيق مع المشرفة على رجيني في الجامعة، د. مها عبد الرحمن، التي صممت على تركز بحث رجيني في النقابات المهنية المستقلة في مصر، رغم أن رجيني أبدى تخوفه من منحى هذا البحث. يبدو أن أمر التحقيق أدى الى اذابة الجمود الدبلوماسي بين الدولتين، الذي كما يبدو لم يكن هدفه أن يطول منذ البداية.

ايطاليا ومصر: علاقة لا مفر منها

ايطاليا ومصر حافظتا دائما على علاقات قريبة وعلى تعاون حتى قبل أن تلقي قضية ريجني بظلالها عليها. وكما قال احد السفراء الايطاليين السابقين في القاهرة، كلاوديو باسفيكو، إن العلاقات بين ايطاليا ومصر “تمتد ابعد بكثير من الاطر التقليدية للتعاون”: مصر هي الشريكة الاساسية لايطاليا من الجهة الثانية للبحر المتوسط، ودورها حيوي لايطاليا لاسباب تجارية وأمنية في نفس الوقت. اضافة الى ذلك، بعد اندلاع ازمة اللاجئين، فان الحفاظ على علاقة جيدة مع مصر اصبح ضروريا اكثر لايطاليا.

المصالح الاقتصادية لايطاليا في مصر تتراوح بين التجارة ومرورا بفرص الاستثمار وحتى الوصول الى مصادر الطاقة. مصر هي الشريك التجاري الاساسي لايطاليا في شمال افريقيا. حجم التجارة بين الدولتين ارتفع بـ 30 في المئة في الربع الاول من العام 2017 ووصل الى 1.3 مليار يورو. مصر هي سوق التصدير السادس في حجمه لايطاليا في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وفي المكان الـ 32 في العالم. منذ 2014 وحجم التصدير الايطالي لمصر في زيادة مستمرة، ورغم التقديرات ستبلغ الزيادة المحتملة في التصدير من ايطاليا الى مصر حتى العام 2020، 474.1 مليون يورو. ثانيا، الاستثمارات الايطالية في مصر هي بحجم بارز. في العام 2016 كانت ايطاليا هي المصدر الاوروبي الاكبر للاستثمارات الاجنبية المباشرة في افريقيا، ومصر توجد في المكان الثالث بين الدول الافريقية التي وقعت فيها استثمارات ايطالية، وفي المكان الرابع في الـ 17 سنة الاخيرة.

الوجود التجاري الايطالي في مصر كبير: 957 من بين الـ 350 شركة ايطالية في منطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا موجودة في مصر. منها شركة الاستثمارات الكبرى “إي.ان.آي”، شركة الطاقة الرائدة في ايطاليا. في العام 2015 وصلت استثمارات الشركة في مشروع الغاز لحقل زوهر فقط 6 مليار دولار من اصل مبلغ 7.4 مليار دولار من الاستثمارات الاجنبية المباشرة لايطاليا في مصر. اضافة الى ذلك، ايطاليا هي احدى الدول الاكثر هشاشة في اوروبا من ناحية الطاقة، الامر الذي يحول الشركة المذكورة آنفا حسب كلمات رئيس الحكومة الايطالي السابق، متاو برانزي، الى “جزء اساسي في سياسة الطاقة والسياسة الخارجية والسياسة الاستخبارية لايطاليا”.

إن معرفة مدير عام شركة “إي.ان”آي”، كلاوديو دسكلزي لزعماء دول كثيرة افضل من معرفة وزراء ايطاليين. هكذا كلما زاد الضغط لحل لغز قتل رجيني، كان ذلك هو دسكلزي الذي تعهد بأن السلطات المصرية “تبذل جهود كبيرة” من اجل القاء القبض على القتلة. الى جانب “إي.ان”آي”، فان شركات ايطالية رئيسية عديدة اخرى استثمرت اموال ضخمة في مصر. من بينها نذكر شركة “بانكا انتيسا سانباولو” (التي اشترت في 2006 بنك الاسكندرية)، وشركات ايطالسيمنتي، بيريللي و ايطالغين وشركة دانييل تيخن، وغروبو كالتاغيروني، البيتور، فالتور وغيرها. هذا الحضور يتوقع أن يزداد، حيث أنه حسب التوقعات فان نمو متواصل للاقتصاد والسكان تحول مصر الى فرصة ممتازة للاستثمار، حتى بالنسبة لمؤسسات صغيرة ومتوسطة.

ما لا يقل عن ذلك اهمية هو التعاون الامني بين الدولتين الذي يلعب دور حاسم في العلاقة بين الدولتين لا سيما في مجال الهجرة. مصر تعتبر الشريكة الافضل في شمال افريقيا بالنسبة لايطاليا في الحرب ضد الهجرة غير القانونية. هذا التعاون يتمثل بعدد من الاتفاقات ومنها الاتفاق الذي يمكن طرد سريع لمهاجرين مصريين غير قانونيين من ايطاليا. منذ العام 2013 زاد بصورة ملحوظة عدد المهاجرين الذين وصلوا الى ايطاليا في اعقاب التقلبات في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، حيث أن الاتفاقات اصبحت ضرورية اكثر بالنسبة للحكومة الايطالية.

حتى لو كانت نسبة المهاجرين من مصر الذين وصلوا الى ايطاليا في 2016 هي 7 في المئة فقط، فان مصر تلعب دور هام في كبح الهجرة بفضل القوانين الصارمة لها ضد الاتجار ببني البشر. اضافة الى ذلك، معظم المهاجرين الذين يتم القاء القبض عليهم في مصر يتم اعتقالهم في مخيمات لزمن غير محدود، واذا لم يتم الحكم عليهم بالطرد القسري فان احتمالهم الوحيد هو العودة الى بلادهم على نفقتهم الخاصة.

في نهاية المطاف، الاهم من كل ذلك هو أن العلاقة بين ايطاليا ومصر ضرورية لاستقرار ليبيا، التي هي الهدف الاهم في سياسة روما الخارجية. صحيح، ليبيا هي الدولة التي خرج منها معظم المهاجرين الذين نزلوا في ايطاليا في السنوات الاخيرة بسبب أنها نقطة الانطلاق للمهاجرين الذين يأتون عن طريق البحر، والذين وصل عددهم الى اكثر من 180 ألف شخص في العام 2016. في آب 2017 بدأ الاسطول الايطالي بمهمة بحرية لدعم حرس الشواطيء الليبي في نضاله ضد الاتجار ببني البشر. منذ ذلك الحين انخفض بدرجة ملحوظة عدد المهاجرين الذين وصلوا الى شواطيء ايطاليا من ليبيا (انخفاض بـ 30.13 في المئة في  2016 – 2017). ولكن ليبيا ما زالت منقسمة بين حكومتين متنافستين، وخليفة حفتر، القائد العسكري للحكومة الشرقية من شأنه المس بالدور الفعال لهذا التعاون. وفي الحقيقة عندما وقع الاتفاق بين حكومة ايطاليا  ورئيس حكومة ليبيا الرسمي، فايز السراج، اتهم حفتر الحكومة في طرابلس بخيانة الشعب الليبي، وعرض للخطر تنفيذ الاتفاق نفسه. في هذا السياق كان لمصر دور هام. ورغم أنها تعترف بالسراج كرئيس الحكومة الشرعي لليبيا، فان القاهرة توفر دعم تقني ولوجستي ومالي لخليفة حفتر لأنه يواجه الاسلاميين. العلاقة الودية بين حفتر ومصر يمكن أن تساعد في نجاح الاسطول الايطالي في مهمته في ليبيا. وحسب كلمات ستيفانو ستفانيني الذي كان في السابق سفير الناتو في ايطاليا “بصورة مثالية نحن نحتاج في ليبيا الى دبلوماسية اقليمية بقدر الامكان، وقضية رجيني هي عقبة كأداء”.

الخلاصة

عودة السفير الايطالي الى مصر واعادة تطبيع العلاقات بين الدولتين بعد قضية رجيني تؤكد سلم الافضليات الذي يضع التعاون الاقتصادي والامني فوق دعم حقوق الانسان وسلطة القانون. توجد لسياسة ايطاليا تجاه دول الشرق الاوسط وشمال افريقيا تاريخ من تفضيل العلاقات الاقتصادية والامنية على حقوق الانسان. رغم حقيقة أنه للمرة الاولى اضطرت حكومة ايطاليا الى التجاوب مع الخوف العام بشأن علاقاتها مع حكومة مصر، يمكن الافتراض أن سياسة ايطاليا في المنطقة لم تتغير.

ايطاليا ايضا ليست حالة وحيدة، ويبدو أن المانيا تسير في نفس الطريق. مثلا في 2011 داهمت الشرطة المصرية عدد من الجمعيات الاجنبية، بما فيها صندوق “كونراد اديناور” الالماني (المرتبط بحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي للمستشارة انغيلا ميركل). وفي 2013 جمدت محكمة مصرية ممتلكات الصندوق ووجدت أن عدد من العاملين في الجمعية مذنبون بتلقي “تمويل غير قانوني من الخارج”. المانيا دفعت كفالة قدرها 250 ألف يورو عن كل عامل من اجل تجاوز منع الخروج من الدولة الذي فرض عليه. والعلاقات بين الدولتين نتيجة الازمة غير المحلولة ما زالت تتأثر بذلك. وعلى الرغم من ذلك، اثناء لقائها مع الرئيس السيسي في 2017، امتنعت انغيلا ميركل تقريبا بصورة كاملة عن التطرق الى قانون الجمعيات المختلف عليه في مصر واعطت افضلية اعلى للجهود للتوصل الى اتفاق يوقف تيار الهجرة من افريقيا. امور مشابهة يمكن قولها بخصوص الاتحاد الاوروبي بمجمله. سياسة الاسكان الاوروبية (إي.ان.بي) الجديدة التي تم تحديثها في تشرين الثاني 2015، اعترفت بأهمية الجهود المتواصلة لدعم الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات الاساسية وسلطة القانون، لكنها ركزت الافضلية السياسية الاساسية في استقرار الدول الشريكة. بصورة عامة، الاتحاد الاوروبي يعتبر مصر “خط الدفاع الاول” من الهجرة غير القانونية، لذلك، يقلل من استخدام وسائل ضغط عليها.

ولكن من المهم التأكيد على أن القمع الذي يساعد في الحفاظ على الاستقرار في مصر من شأنه أن يتحول في المدى البعيد الى مثير للفوضى، اذا لم يواجه اساءة استخدام القوة بانتقاد، واذا لم تتم الاستجابة لطموحات الناس. نتائج سيناريو كهذا ستؤثر ليس فقط على سيل الهجرة الى اوروبا، بل ايضا على استقرار كل المنطقة. الهجرة ما زالت أحد الهموم الفورية جدا للمصوتين الاوروبيين وهي تلعب دور يجب عدم تجاهله في الحملات الانتخابية في ارجاء اوروبا. إن حقيقة نتائج الانتخابات في دول كثيرة في الاتحاد الاوروبي تتأثر بقدرة زعمائها على مجابهة الهجرة تمنع معقولية سيناريو يختار فيه سياسيون تشجيع سياسات قائمة على اعتبارات بعيدة المدى وليست قصيرة المدى. هذا هو كما يبدو السبب الرئيس في أن ايطاليا الى جانب دول اخرى في الاتحاد الاوروبي يتوقع أن تشكل علاقاتها مع مصر حسب اعتبارات امنية قصيرة المدى وليس حسب اعتبارات على المدى الطويل. في نهاية الامر، ومن اجل الفوز اليوم في الانتخابات يكفي الاستقرار الهش لمصر. والتداعيات المحتملة للمدى البعيد ستكون كما يبدو مشكلة لشخص آخر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى