أقلام وأراء

فاضل المناصفة: الدم الفلسط​​​​​​​يني بين المأساة وأجندات السياسة

فاضل المناصفة 4-1-2025: الدم الفلسط​​​​​​​يني بين المأساة وأجندات السياسة

أثار مقتل الصحافية شذى الصباغ، التي أصيبت برصاصة في رأسها في مخيم جنين، زوبعة من الجدل وسط التراشق بالاتهامات بين السلطة الفلسطينية والفصائل المسلحة بما فيها حركة حماس حول هوية المتسبب في الحادث، بينما تقترب العملية الأمنية الفلسطينية من شهرها الأول.

وفي حين دعت نقابة الصحافيين إلى تشكيل لجنة تحقيق مستقلة تضم ممثلاً عنها للوصول إلى الحقيقة ومحاسبة الجناة، سارعت حركة حماس إلى تحميل أجهزة السلطة الفلسطينية مسؤولية الحادثة دون الاستناد إلى أدلة ملموسة، وهي خطوة قرأها كثيرون على أنها محاولة لتوظيف مأساة إنسانية في خدمة أجندة سياسية وبغية التشويش على تحركات السلطة في جنين.

الأجهزة الأمنية الفلسطينية، من جانبها، نفت بشكل قاطع تورطها في الحادثة. وأكدت في بيانها الرسمي، المدعوم بشهادات ميدانية وتقارير طب شرعي، أنها لم تكن موجودة في موقع الحادث. بل ذهبت أبعد من ذلك لتشير إلى أن الإصابة التي أودت بحياة شذى الصباغ لم تكن ناتجة عن أسلحة تستخدمها قواتها. ورغم الانتقادات أظهرت السلطة الفلسطينية استعدادًا لإجراء تحقيق يكشف ملابسات الحادثة إدراكًا منها لأهمية الحفاظ على ثقة الفلسطينيين بمؤسساتهم الأمنية والسياسية من خلال تعزيز المساءلة.

والمعروف أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية قد تلقت تدريبات مكثفة على يد خبراء دوليين ومحليين بهدف إدارة العمليات في المناطق المأهولة بالسكان، وتقليل الخسائر البشرية لضمان كسب دعم السكان المحليين بدلاً من فقدانه. لذلك من غير المنطقي أن يتسم تدخل الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في جنين بالعشوائية في التنفيذ لأن ذلك يعني خلق حالة من الاستقطاب ضدها، وهو ما يزيد من تعقيد مجريات العملية الأمنية ويصب في مصلحة الطرف الآخر.

وسط هذا الجدل دخلت قناة الجزيرة على الخط بتغطيتها للحدث واستضافت عبر برنامج مباشر الناطق الرسمي باسم الأجهزة الأمنية الفلسطينية العميد أنور رجب دون إخطاره بتوجيه الدعوة لوالدة الضحية شذى الصباغ لتكون الطرف المواجه له في المقابلة. وسرعان ما خرجت الأمور عن السيطرة بعد أن تحول اللقاء إلى منبر لتوجيه الاتهامات بتورط السلطة في مقتل المغدورة، وهو الأمر الذي دفع ممثل الأجهزة الأمنية الفلسطينية إلى الانسحاب من المقابلة ليصدر لاحقًا توضيحًا حول أسباب الانسحاب، معتبرًا أن ما قامت به القناة يندرج ضمن استغلال مأساة عائلة الضحية ويتجاوز قواعد المهنية الصحفية.

بدورها وجدت الفصائل المسلحة بجنين في حادثة مقتل شذى الصباغ فرصة مناسبة لتأليب الرأي العام على أجهزة السلطة الفلسطينية عبر تأجيج مشاعر الغضب والحزن بين صفوف الفلسطينيين. وعلاوة على أن هذه الحملة تندرج ضمن محاولة زيادة الضغط على السلطة الفلسطينية في ظل العملية الأمنية الجارية، فإنها محاولة لإلحاق الضرر بصورة السلطة على الصعيدين الداخلي والخارجي وذلك من خلال إظهارها على أنها تتصرف بوحشية تجاه المدنيين.

تعيدنا هذه المأساة إلى حادثة مقتل الفلسطينية إسلام حجازي، مديرة مؤسسة “شفاء فلسطين”، في شهر أيلول – سبتمبر الماضي، والتي قتلت بتسعين رصاصة جراء “تشخيص خاطئ” كما جاء في البيان المقتضب الذي أصدرته الجهات الأمنية التابعة لحماس في غزة دون تقديم تحقيق شفاف يوضح الأسباب الحقيقية وراء إطلاق النار بهذه الكثافة. التساؤلات أثيرت حينها عن غياب بيان من عائلة المغدورة وعن صمت عائلة الضحية التي ربما قد تكون خضعت لضغوط من الفصائل المسلحة. أبعد من ذلك، فإن غياب المساءلة في هذه الحادثة يكشف عدم اكتراث الفصائل المسلحة بالدم الفلسطيني ومن غير المستبعد أن يتم توظيفه في تحقيق مكاسب سياسية دون مراعاة للجانب الأخلاقي.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى