أقلام وأراء

فاتنة الدجاني تكتب – لكل فصيل «أوسلوه»؟

فاتنة الدجاني ٢-٩-٢٠١٨

كيف يُمكن أن يُطلب من أهل غزة رفض المطروح من حلول توسّطت بها مصر والأمم المتحدة لرفع الحصار الإسرائيلي – ولو نسبياً – عن القطاع المحاصر منذ عقد تقريباً، فيما هم يتطلعون إلى فرصة لعيشٍ كريم، أو في الأقل أن يحظوا بالحد الأدنى من حقوقهم في مياه نظيفة وكهرباء وحرية حركة وفرص عمل؟ في الوقت ذاته، كيف يُمكن أن يُطلب من أهل غزة أن يقبلوا بهذه الحلول وهم يعرفون أنها تهديد جدي للقضية الفلسطينية ولوجودهم ووحدتهم؟

دوماً، كان الفلسطيني يجد نفسه محشوراً بين السيئ والأسوأ، فهذه هي الحال حين لا تكون موازين القوى لمصلحته. وإنْ كانت السياسة أصلاً هي الخيار بين هذين الحدّين، فإنها أيضاً إحدى صفات «التشاؤل»، كما وصفها الأديب الفلسطيني إميل حبيبي نحتاً بين التشاؤم والتفاؤل.

هذا ما يجري من اختبار للممكنات في غزة. وفود تأتي، وأخرى تذهب. استمزاج رأي حركة «حماس» تارة، والسلطة الوطنية تارة أخرى، ثم إسرائيل. استدعاء فصائل العمل الوطني الفلسطيني إلى مصر. والهدف مزدوج: إنجاز تهدئة طويلة الأمد بين حركة «حماس» وإسرائيل في غزة، وتحقيق المصالحة الوطنية بين الحركة والسلطة الفلسطينية في رام الله. أما مستشار الرئيس الأميركي، صهره جاريد كوشنير، فيسابق الريح ويجهد في إنهاء التطلعات الوطنية الفلسطينية، على أمل الحصول على نجمة إسرائيلية في دفتره.

التفاؤل الفلسطيني مبرَر، بل مطلوب، بما تحمله وعود التهدئة من رفع الحصار، والمشروعات المرافقة من بناء مطار وميناء وتكرير مياه الصرف الصحي، وتوسيع مسافة صيد الأسماك وفتح المعابر وغيرها. التفاؤل مبرَر لأن الحصار كان ولا يزال أمرَّ من الحرب، وأقسى من تكرار الهجمات العسكرية الإسرائيلية.

وأما التشاؤم، فمردُّه إلى أن هذه الحلول، في جوهرها، ليست سوى مزيد من تفتيت للوحدة الفلسطينية بعد السقوط في أوهام الحل، بل هي صيغة خبيثة لتطبيق «صفقة القرن» الأميركية للسلام. حتى إن علا صوت حركة «حماس» بأنها لن ترضى بالتهدئة بمبادرة منفردة، وبأنها على تنسيق عال مع كل الفصائل، فإن هذا يصطدم بحقيقتيْن، الأولى أن التنسيق ليس بديلاً من المصالحة الوطنية. وهنا لا مؤشرات قوية تؤدي إلى اقتناع بأنها ستتحقق في القريب المنظور. العقدة الأساسية هي العقدة الأمنية، وهذه المرة ليست بين «حماس» وإسرائيل فحسب، بل في تعارض السلاح «الحمساوي» مع سيادة السلطة الوطنية في رام الله، والتي تعتبرها «حماس» سلطة «فتح»

الحقيقة الثانية التي تصب في قناة التشاؤم، هي في التخوف من أن «حماس» – وهذا من معطيات واقعية – تتصرف بتعملُق يستند إلى أنها القوة المطلقة التي لها هيمنة كاملة، أمنياً وأيديولوجياً، على قطاع غزة، ما يجعل تحرُّكها الديبلوماسي واتصالاتها الكثيرة مع الطرفين المصري مباشرة، والإسرائيلي عبر مصر أو الأمم المتحدة، موضع شبهة التعارض مع منظمة التحرير، باعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للفلسطينيين في غزة وغيرها، فيما «حماس» ليست إلا فصيلاً قوياً له حضور طاغٍ.

وفي ضوء المشروعات المطروحة لتسوية الوضع في غزة، والشبهات الكامنة في أن هذه المشروعات ما هي إلا فتات الحلول الكثيرة التي طُرحت في العقدين الماضيين، بل هي في حد ذاتها من ارتدادات الاتفاق الأول السيئ الذكر، أي اتفاق أوسلو وتطوره إلى «صفقة القرن»… فإن المقصود من نداءات التجمعات الفلسطينية وأُطرها المدنية والحزبية والفصائلية هو وحدة الموقف الفلسطيني، بل تأكيد أن منظمة التحرير هي المرجعية الأولى والأخيرة.

لا يُقلل من هذا الواقع، الحديث عن تفرُّد الرئيس محمود عباس بالقرار، وإمساكه بكل السلطات في المنظمة والمؤسسات الفلسطينية. والأَولى هو الانضمام إلى هذه المؤسسات الوطنية والعمل من داخلها للتغيير. غيرُ هذا يعني أن قبول أي فصيل، مهما تعاظمت قوته، بحلول منفردة إنما هو سعي إلى حصة أو صيغة منفردة تزيد قوته التنافسية. حينئذ، يصبح لكل فصيل حق البحث عن حصة، عبر الديبلوماسية المنفردة، ويصير لكل فصيل «أوسلوه».

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى