أقلام وأراء

فؤاد البطاينة يكتب – تركيا وإيران في ميزاننا الاستراتيجي .. وتبنِّي دولة عربية لنموذج حزب الله هو الحل لمعضلات المقاومة الفلسطينية وبه قد تفكك إسرائيل نفسها بدون حرب .

فؤاد البطاينة 19/8/2020

بداية أنوه بثلاثة اعتبارات أساسية، الأولى / أن الاصطفاف السياسي بالمطلق لجهة أو فكرة بشرية هو سلوك لا يعترف بالمتغيرات ويعدم فكرة النقد الذاتي، ويُفقد أي جدوى للحوار أو الوصول للحقيقة،ولا ينسجم مع السلامة الموضوعية. والثانية/ أن سياسة الدول والإمبراطوريات وأفعالها هي استحقاقات لثقافة عصرها وظروفها. فلا حكمة من محاكمة التاريخ السياسي المقبور ولا ثأر لفعل تاريخي كان شيئا مألوفاً في سيناريو التاريخ. بل ننطلق كأبناء عصرنا من واقعنا ومصالحنا الحالية والمستقبلية. والثالثة\ أننا كعرب أصحاب قضية تطال كينونة كل مواطن عربي وبقعة عربية وجودياً واعتبارياً، نعيش اليوم حالة أنظمة عربية لا سابقة لها بين الأمم تخوض حرباً صهيونية علنية ضد الشعب الفلسطيني والحقوق الفلسطينيه وقضيتنا وعقيدتنا ومقداساتنا، بطريقة يتعفف الصهيوني واليهودي من مفرداتها ومضمونها الأفسق والأفجر، مما يجعل من الشعب العربي مسؤولاً شرعياً عن نفسه وعن فلسطين وقضاياه. فنحتاج لتحمل المسئولية كشعب ولجعل أولويتنا لتنظيف بيتنا الداخلي وعكس مساره ليكون أمرنا بيدنا نحو تناقضنا الوجودي والأساسي،ونحتاج لوقفة تاريخية من شعبنا في الجزيرة والخليج.

تركيا وايران ليستا طارئتين على منطقتنا،فنحن وإياهما أصحابها بقدر تاريخي. إسرائيل وحدها الطارئه كجسم غريب خبيث ولا بد من استئصاله استئصالاً. ولا عداء أو خصام استراتيجي مع أي من هاتين الدولتين. ومن قراءة التاريخ علينا أن ندرك بأن تركيا وقيادتها الحالية هي الأفضل لنا كعرب في التاريخ العثماني. والفارق بالموقف من اسرائيل بينها وبين ايران سببه أن ايران كان تحولها بثورة شعبية مرة واحدة. فكان قرارها الأول إحلال فلسطين محل الصهيوني. قرار عبر عن رغبة الشعبين الايراني والعربي وخذل الأنظمة المرتمية. بينما تركيا كان تحولها بما يشبه التسلل في العمل السياسي على مراحل وصلت لأردوغان. فهو تحول تدريجي ما زال قائماً ومحفوفاً بالمخاطر. فهناك في تركيا أرث صهيوني \ أوروبي عمره قرن من التغلغل العسكري والسياسي والثقافي. ومحاسبة أردوغان في علاقاته مع الغرب واسرائيل لاتناقش اعتباطاً بل في سياق التحول التركي والوضع التركي خارجياً وداخلياً وفي سياق وضعنا ومصالحنا.

فالغرب لن يترك تركيا بخصائصها وموقعها الأوروبي، ولا إسرائيل تتركها. ولا أتفهم أن يكون حقد وتعصب البعض من شعبنا على تركيا يفوق حرصهم على مصلحة فلسطين وقضيتها.ويبقى مفهومنا أن فكرة الخلافة تجربتها مريرة وبعيدة المنال وتحشد العالم علينا، كما لا يقبلها العرب فالإسلام لم يأت لاستعمار الشعوب والقوميات المختلفه بل لتحريرها وهدايتها مع تَرك حريتها وخياراتها لها. وفهمي أو ربما تمنياتي أن ما يوحي به أردوغان من كلام بالخلافة والاشادة بها هو من قبيل الكلام السياسي الموجه لشعبه لحشده ضد بقايا الثقافة الصهيونية لتقبل عملية التغيير التي تواجه شداً عكسياً في الداخل التركي لصالح امريكا والصهيونية. وهناك تصميم أمريكي غربي في العلبة على الإطاحة بالنظام التركي، وصل لمعاداة كل الأنظمة العربية المرتميه لتركيا بمردود مناهض لمصالحنا الوطنية والقومية والإسلامية.

وهناك ذات الحملة المعلنة والقائمة ضد إيران لتركيعها وحشد للأنظمة العربية لمعاداتها كما في الحالة التركية.وإذا نجحت أمريكا في النيل من إيران فستبدأ الحملة معلنة على تركيا في حرب مفتوحة فهي المستهدَف الأكبر. ولكن اولويتهم إيران فنارها الأن يصليهم. وإن صمدت ايران فستصمد ويتقدم أردوغان نحو فك الارتباط مع كيان الاحتلال ثم مواجهته والعكس صحيح. حرب غربية حضارية ثقافية ومحواً للشخصية العربية وذاكرتها ولفلسطين تشن علينا وعلى كل شيء اسمه إسلام. فقضيتنا بحجم العالم. والخطر الأعظم عليها وعلى ومصالحنا إذا رجعت تركيا وإيران لحضن امريكا والصهيونية. فتحالف الدولتين أكبر رصيد حقيقي لقضيتنا الفلسطينية ولمقاومة المشروع الصهيوني الفاتك بنا…  لا حكمة من جعل تركيا عدواً لايران أو للعرب ولا من ايران عدوة لتركيا أو للعرب. ومعذرة هما في ليبيا واليمن والعراق وسوريا ولبنان لا يشتبكان ولا يواجهان أنظمة عربية حرة ولا شعوباً،ولا أوطانا بيد أصحابها. إنهما يواجهان أمريكا وإسرائيل، لمغنمة أو حاجة أو لدرئ خطر..

والآن، لماذا المقاومة، ولماذا نموذج حزب الله هو الحل الأمثل للحالة العربية، أقول باختصار من واقع مسلّمة أن حربنا وجودية مع الإحتلال لفلسطين الذي يمثل القاعدة والذراع لأمريكا والغرب في وسطنا وأنه برحيل هذا الإحتلال فقط يرحل الغرب ويسقط مشروعه والمشروع الصهيوني معاً، ومن هنا فإن إزالة الإحتلال يصبح هو الهدف العربي الاستراتيجي المفترض. وبهذا أقول لو افترضنا إعتباطاً أن أنظمتنا وطنية فلن تستطيع جيوشها مجاراة الغرب وتحرير فلسطين بحرب كلاسيكية. بل وليس ممكن ولا سهل أو مقبول حسب المعايير الدولية القانونية السائدة والتي يفسرها الأقوياء أن يُزال الاحتلال بحرب كلاسيكية. فقضيتنا هي قضية احتلال استيطاني إحلالي ويندرج قانونياً كحالة استعمارية. ووسيلة التحرير المكنة عملياً والمشروعة ً حسب المعايير الدولية التي تتوافق مع القانون الدولي والشرعية الدولية المعاصرة وتَكسر إرادة امريكا والمحتل هي المقاومه الشعبيه.

إلا أن المقاومة وحرب التحرير لها ظروفها ومُستلزماتها الجغرافية والطوبوغرافية، وهذه ليست موجودة أو ليست مواتية في فلسطين ولا مع الحالة الفلسطينية التي أصبحت تتلقى الضربات من كل صوب بلا ضابط أو محرمات. كما أن ظروف المقاومة السياسية باصطفاف الغرب وانظمة العرب ضد المقاومة الفلسطينية وحيادية الشرق منها والذي ايضا يقف مع الغرب في وجود اسرائيل، أقول أمام هذا لا بد من طريقة أخرى للمقاومة. وهنا أتطلع لنموذج حزب الله كتصور لرؤية عربية للمقاومة والتحرير لا كرؤية ايرانية أو غير عربية. فايران عندما أنجزت ثورتها كان لديها مشاعر عن عظمة تاريخها الفارسي والاسلامي، ومشاعر بالمقابل بامتهان ومسخ لها في عهد الشاه. فكان من أهدافها العودة لجلدها القومي والاسلامي وبالتالي كانت أمام مواجهة مع الغرب والصهيونية ومشروعهما في المنطقة، وكان الموقف العربي الرسمي السلبي من الثورة الايرانية مضللا وخطأ استراتيجيا بحق مصالحنا وقضيتنا. وسارعت أمريكا والصهيونية بتحويل الصداقة العربيه الإيرانية الفاسده حينها الى حالة عداء لمواجهة إيران وجعلت من الأراضي العربية الخليجية قواعد عسكريه تستغلها وتستخدمها ضد ايران في صفقة تهديد وبيع لحماية هذه المشيخات التي لا تعني للغرب أكثر من قواعد عسكرية ونفط، مقابل مقدراتها وتعظيم خضوعها للمشروع الصهيوني وخدمته.

ومع تصعيب المهمة أمام ايران، وإصرارها على تحقيق طموحاتها ومشروعها القومي ومع علمها بان الدول العربية لا تشكل بحد ذاتها تهديدا لها ولمشروعها ولا منافسا،بل تُستخدم كقواعد وللإصطفاف ضدها، صممت على مواجهة مستخدميها الأمريكان بنفس الطريقة في استخدام الأقطار العربية واستثمار حالتها، ونجحت في ذلك ولسنا بمعرض تحريم الشيء على ايران وتحليله نفسه لأمريكا. فقفزت عن نموذج حركة أمل الشيعية لأسباب وتوجت نجاحها بفكرة حزب الله الألمعية الردعية للضغط على امريكا والغرب بتهديد الوجود الإسرائيلي كقاعدة امريكية غربية، وحماية نفسها وموقفها التفاوضي وإنجاح مشروعها. فهذا الحزب المقاوم لم ينشأ بتقديري لتحرير فلسطين، لكنه ويصلح للغاية التي أنشئ لها كأداة ردع وضغط معجزتين على امريكا واسرائيل. كما أنه لا يتفق مع المنطق الدولي ولا مقبول ولا يصلح كجسم بهوية أخرى غير عربية أو فلسطينية أداة لتحرير فلسطين ويأخذ دور أصحاب الأرض.سواء كان أمراً مخططاً له أم لا. واسرائيل تعلم هذه الحقيقة، وتعلم أن مجرد تفعيل الحالة الردعية للحزب بضربة واحدة سيهز كيانها وكيان مستوطنيها من أساسه.

ولو قيل بأن هدف ايران من الحزب هو تحرير فلسطين نقول لا بأس، لكن كونه ايراني المرجعية والقرار والأهداف وقيادته ليست صاحبة قرار حر، فلا يمكن في لحظة ما مطلوبة أو مفروضة أن يتطابق الطموح والقرار العربي أو الفلسطيني ولا الأهداف وطبيعة المصلحة والمسئولية مع مثيلتها الإيرانية صاحبة القرار بالحزب. فالمنطق أن لا ننتظر كعرب هجوماً عسكرياً على اسرائيل يشرع به حزب الله ما بمعزل عن الوضع الدولي والعربي والإسلامي وما دامت ايران لا تواجه خطراً يُطيح بنظامها أو يهدد مقدراتها بشكل واسع كي تفعل هذه الورقة الردعية بمفهوم “علي وعلى أعدائي “.ولا ننتظر أن تقوم اسرائيل بالهجوم على حزب الله مباشرة بل نتوقع استمرار سعيها لإيجاد من يخوضون حربها. وما هو أمامنا هو سعيها للضغط على الشعب اللبناني ليقوم بالمهمة من خلال الفتنة الأهلية، والضغط على امريكا لمواجهة ايران، أو تنتهي اللعبة بتسوية دائمة. فإيران من حقها موازنة الأمور لمصالحها أولاً.

. ولا يعني هذا أن ايران لا تتقاطع مصالحها مع مصالح العرب في إزالة اسرائيل من المنطقة، ولا تجاهلاً لأهمية وجود حزب الله الحيوية وإنجازاته في إعاقتة للمشروع الصهيوني ولفكرة الشرق الأوسط الجديد ولما يقدمه من دعم حيوي وأساسي ووحيد للمقاومة الغزية ومنع اسرائيل من استباحة لبنان بعد أن حرر جنوبه وفرض بها شرعيتة اللبنانية والعربية، وفي إعطائه مثالاً للأنظة العربية وتعريتها، وتوعيتة للشعوب العربية في إمكانية مواجهة اسرائيل وأمريكا وكسر شوكتها بل وإذلالها. وللمتبصر فإن مسألة الحفاظ على حزب الله ودعمه هي مصلحة عربية وفلسطينية عليا. وليكن معلوما أن فكرة المقاومه على طريقة حزب الله الردعيه أصبحت الهم الأكبر لإسرائيل خوفأً من تمدد النموذج لغزة وخارج غزة على يد إيران وغيرها. ومن منظوري فإن سر نجاح هذا الحزب لا يقوم على مجرد المال والسلاح بل على الدرجة العالية التي يتمتع بها كادره من الوعي السياسي والثقافة النضالية والتنظيمية والصلابة، فحزب الله ضاهى وفاق أنجح التنظيمات النضالية الأيدولوجية في العالم في هذا العصر.

نعود لحاجة الحالة العربية والفلسطينية لنموذج حزب الله المقاوم أمام العوائق المشار اليها بالنسبة للمقاومة الفلسطينية، وبالمناسبة فقد كانت العوئق الطوبوغرافية من أهم الأسباب التي أدت لترهل المقاومة الفلسطينية في السبعينيات واختراقها وحرفها نحو أهداف لا تتفق مع مواجهة تناقضها الأساسي. لنجد الأن بأن نموذج حزب الله كوسيلة مُثلى للحالة الفلسطينية المقاومة للتحرير إذا تبنتها دولة عربية من دول الجوار على أرضها على أن تكون قيادة التنظيم فلسطينيه وقاعدته غنية بالفلسطينيين. وستكون في الحالة العربية ردعاً بيد الدولة المتبنية وتحريراً معاً، فهي مفصلة للحالة النضالية الفلسطينية المقاومة. وأيضاً للحالة العربية والدولية المعاديتين للمقاومة، وللحالة الشعبية الفلسطينية في فلسطين واستنهاضها. وللتذكير، ألا من مدرك كيف لغزة التي تصارع الحصار و لقمة العيش أن تكون بشيء من الارادة والردع محل عز وشرف، ومحل احترام ورعب من الكيان الصهيوني مقارنة بدول مستحقرة وذليلة جاثية بلا أدنى كرامة وهي تملك مالا لا تأكله النيران.

ولكن الرؤية في نقل تجربة حزب الله لدولة عربية محاددة لفلسطين تحتاج لدراسة متخصصة، ولتوفر شروط أساسية كوجود نظام وطني قومي حر مقاوم وحاضن للفكرة يدرك بأن ما يمنع اسرائيل من احتلال قطره والوطن العربي بأقطاره هو نقصها السكاني التعبوي وأن البديل المعتمد ليها هو اخضاع هذه الأقطار كمستعمرات بعبيد ومنطقة نفوذ. وكما تحتاج هذه الرؤية إلى دولة عظمى تحمي التنظيم والدولة الحاضنة سياسيا، ووجود دولة أو جهة متبنية فنيا وعلميا وتكنولوجيا، والتغطية المالية الكبيرة، وإلى منظمة تحرير جديده تتكلم سياسيا باسم المقاومه بلحمة فلسطينية مقاومة تقدم بها نفسها للعالم. وهذا الأمر بمجمله يحتاج الى خطة متكاملة بعقول ناضجة ومختصة ومؤمنه. وقد تكون المبادرة فلسطينية ويكون لإيران أو تركيا إذا نضجت ظروفها لما نريد الدور الكبير. فصنع ووجود مثل هذا النموذج لحزب الله كمنتَج عربي بهوية فلسطينية سيصنع فرقاً دون حرب، مضمونه التحرير وعلى الارجح دون دماء.

حيث في هذه الحالة سيواجه مستوطنو فلسطين لحظة الحقيقة مع أصحاب الأرض مباشرة بنموذج حزب الله. وعندها ستتولد القناعة لديهم بأن لا خلاص ولا استقرار ولا حياة لهم في فلسطين. فلا هم ولا حكوماتهم يتحملون حالة حزب الله كفكرة تحرير استراتيجية بيد نقيضهم الأساسي الشعب الفلسطيني، ولا يتحملون فكرة الاستنزاف ً. فمع بدايتها تبدأ الهجرة للخارج وليس النزوح لجهة داخل فلسطين، ويبدأ تفكيك الكيان لنفسه. لكن المسألة تحتاج لمعلق الجرس على أن يُفهَم بأنه مشروع تحرير عربي يَخُص ويهم كل عربي كالفلسطيني، وكل قطر كالفلسطيني. أما عن الدولة المثلى لهذا الغرض أقول بأن هذا يحتاج إلى نظام دولة محاددة حر القرار يحتضنها، وشعبها عروبي مقاوم يتقبلها. وإلا فنحن نحتاج إلى أية دولة عربية أو إسلامية تكون موئلاً لأحرار العرب وحاضنة للمقاومة الفلسطينية بكل مستلزماتها السياسية والإعلامية والعسكرية لتنطلق من جديد من مربع نهاية الستينيات تلاحق العدو في فلسطين وفي كل مكان وتخرس أعوانه وتستنهض الشعب العربي في أقطاره والفلسطيني في الداخل.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى