“غزة أولاً”.. بماذا ستقايض حماس الخصوم مقابل تحسين أوضاع القطاع؟
معاذ العامودي – 6/8/2018
حضر وفد قيادة حركة حماس من الخارج مسرعًا نحو غزة، بموكب كبير في أرض تعجّ بالأزمات، فضرورة الخروج بقرار حمساوي موحد بين الداخل والخارج أمام رؤية السلام الاقتصادي الذي تطرحه أمريكا، وجاء به جاريد كوشنير للمنطقة “غزة أولاً” تطلّب ذلك، حيث حضر وفد الخارج بجميع المفاصل الأساسية لمكتب حماس السياسي، من مسؤول العلاقات الدولية والعلاقات الوطنية والتنظيم الخارجي ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة.
حضور الوفد لمناقشة مأسسة جديدة لحكم حماس في غزة بظروف اقتصادية منزوعة المحتوى السياسي كان مثار جدل، فحماس تتجه لحل اقتصادي دون السياسي بعيدًا عن ترسيم الحدود، في سياق منفصل عن عباءة السلطة في رام الله، إذ تعتقد حركة حماس مع الفصائل الكبيرة من الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس يتفرد بالقرار السياسي للسلطة بعيدًا عن المشاركة السياسية أي بصورة أوضح، دون حل أزمات غزة التي تمثل عبئًا تراكميًا ثقيلًا على ظهر حماس، وتعتقد أن الحل مبني على استبدال التعامل مع السلطة بالتعامل مع الأطراف الدولية أهمها مصر وتركيا وقطر لتحسين الوضع الاقتصادي في غزة.
إفراغ الحالة السياسية من محتواها لصالح استنطاق التحسن الاقتصادي
في السياق الفلسفي الكولونيالي تختتم جولات المواجهة عادة بين مشاريع الإخضاع ومشاريع المقاومة، بسعي المستعمر إلى نزع المطالب السياسية من الشعوب بعد إيصالهم إلى مرحلة الاستنزاف والبؤس، نتيجة صعوبات المعيشة اليومية واستبدالها بالتحسن “المؤقت”، الذي لا يطال البنية الأساسية للاقتصاد وتأهيله تنمويًا لمواجهة تحدي الفقر والفقر المدقع والبطالة، بل على شكل مساعدات إغاثية وتنموية مشروطة باستمرارية إخراج المحتوى السياسي منها.
تحويل الصراع إلى أزمات متناثرة تعالج بالطريقة الإدارية الاقتصادية، بدل الحل السياسي الشامل المتعلق بالسيادة السياسية
لقد جاءت السلطة الفلسطينية بناء على رغبة المجتمع الدولي بإنشاء كيان توجه له دفة المساعدات التي تحولت تدريجيًا إلى “وهم” يحافظ على رواتب القطاع العام وحالة الاستقرار الأمني للاحتلال الإسرائيلي أولًا، لكنها نزعت الصراع من مفهومه، وحولت المقاتلين القدامى إلى شبكة من المصالح الاقتصادية ضمن النخبة الاقتصادية المعولمة.
فقد كانت نسبة الفقر عام 1998 لا تتجاوز 33% في غزة – عاصمة القرار السياسي الفلسطيني في مرحلة أوسلو الأولى – إلا أن مؤشرات الفقر وصلت في 2017 إلى 53%، وارتفع الفقر المدقع لنفس العام إلى 33.7% من الفقر، والبطالة إلى 43.9% في غزة بعد إرهاق الناس بالحصار للبحث عن الخلاص وتحويل الصراع إلى أزمات متناثرة تعالج بالطريقة الإدارية الاقتصادية بدل الحل السياسي الشامل المتعلق بالسيادة السياسية، حيث تُلغِي إدارة الأزمات الاقتصادية الصراع من ناحيته الأيدولوجية بما يضمن بقاء طرف بكامل قوته، وطرف آخر منزوع السلاح يرغب بالعيش، لكن الأزمات لن تتحول إلى نزاع بين طرفين يحتكم إليهما القانون الدولي.
هل تكون المشاريع الاقتصادية الجديدة دون ثمن؟
الاحتلال الإسرائيلي والقوى الدولية الموالية له، ليست جمعية خيرية تقدم المساعدات لأجل إحلال السلام أو التنمية أو تحقيق الأهداف الإنمائية الألفية في تعاملهم مع الفلسطينيين، فالاحتلال استعمار كولنيالي يرتب نموذجًا جديدًا لغزة ليس في صالح حماس على المستوى التنفيذي، فقد بدأ يرسم حدود كيانه الجديد بعد ضمان سيطرته على الأرض والجو والبحر، فالجدار الفاصل تحت الأرض شرقًا على الحدود مع غزة، والجدار البحري الجديد غربًا، وطائرات “الدرونز” المقاتلة في السماء.
إشكالية تعاظم شبكة المصالح داخل حماس بعد الصفقة قد يفقد قادتها صلاحيتهم وفعاليتهم على المستوى السياسي
ويأتي السلاح ومن خَلفَه في بداية الطريق لإنجاز المشاريع الاقتصادية بأركانها الأساسية التي ستُبنى خارج غزة، ميناء ومطار جنوب مصر مع محطة جديدة لتوليد الكهرباء، وترميم الحاليّة في غزة عبر رفع كفاءتها، فلا إشكالية لدى حماس حاليًّا في التفاوض على الأنفاق العسكرية التي بنتها في غزة، بعد قناعتها بعدم جدواها، بعد تدمير الاحتلال لكل الأنفاق الهجومية القتالية التي تمر تحت مستوطنات الغلاف، والشروع في إقامة جدار عازل تحت الأرض وفي البحر، لذا ستسارع حماس لمقايضة مشروع الأنفاق بحل اقتصادي يرفع المعاناة عن ساكني الحصار، ولا إشكالية في وقف التصنيع والتطور العسكري ما دامت التنمية ستحضر لتخفف عن الناس.
لذلك عززت حركة حماس حضور الفصائل الوطنية في لقاءاتها داخل غزة، إذ صرح مسؤول العلاقات الوطنية في مكتبها السياسي حسام بدران خلال اجتماعه بالفصائل في 5 من أغسطس/آب 2018 أنه “لا دولة في غزة، ولا دولة دون غزة، ولا يمكن أن يكون هناك أي ترتيب سياسي أو ميداني أو اقتصادي بمعزل عن التوافق الوطني، سواء في الحرب أم السلم وهذا قرار وطني للجميع، وأمر غزة لا يخص حماس وحدها”.
مخاطر الطريق الجديد حاضرة في تجربة السلطة القديمة
إن إشكالية تعاظم شبكة المصالح داخل حركة حماس بعد الصفقة قد يفقد قادتها صلاحيتهم وفعاليتهم على المستوى السياسي، وقد يرفع مؤشرًا جديدًا للفساد يتخوف منه المواطنون كما حصل في تجربة السلطة السابقة حين جاءت ضمن اتفاق أوسلو أو “غزة أريحا أولًا”.
ومع سياق تخوف السلطة وحماس من انفصال جغرافي بين الضفة وغزة – شبه حاصل فعليًا منذ سنوات – إلا أن الأخيرة لم تتخذ إجراءات عاجلة سريعة لإنجاح المصالحة، ولعل عائق السلطة الاقتصادي في عجزها ماليًا عن تحمل تكاليف غزة من ميزانيتها الخاصة التي لا يغطيها أي شكل من المساعدات الدولية، وتخوف قطع المساعدات عن قطاعها العام في حين فرض حظر على مسارها المالي القادم لغزة، جعلها تطالب بفرض الصلاحيات السياسية على كامل مؤسسات غزة، ضمن الاتفاقيات الدولية المبرمة، الأمر الذي رفضته حماس.
ضمان استمرارية المشاريع الاقتصادية المؤقتة القادمة لغزة، مرتبط بمدى قدرة حماس على ضبط الأمن في القطاع وضبط حالة إطلاق الصواريخ وتوقف مسيرات العودة
ويمكن الإشارة هنا أنه لن يتم أي اتفاق اقتصادي يضمن تحسن الوضع دون ضامن دولي وعربي واتفاق توقع عليه حماس، إذ يتوجب عليها حماية بنود الاتفاق من الانهيار أو العودة إلى المربع الأول – حين عاد أبو عمار خالي الوفاض من كامب ديفيد معلنًا البدء بالانتفاضة – وإن استمرت يُخشى أن تؤسس حماس في السياق العربي أولًا لحالة وجود شرعية طبيعة للاحتلال الإسرائيلي ضمن نطاق الاقتصاد منزوع السياسة مع المحيط العربي، وتؤسس لمتغيرات سياسية في القانون الدولي للتعامل مع الوضع الجيوسياسي الجديد في غزة والضفة، وما يفرزه الاحتلال من اتفاقيات يوقعها عربيًا قد تجعل العودة إلى المربع الأول خيارًا فقد زخمه السياسي السابق.
إن ضمان استمرارية المشاريع الاقتصادية المؤقتة القادمة لغزة، مرتبط بمدى قدرة حماس على ضبط الأمن في القطاع وضبط حالة إطلاق الصواريخ وتوقف مسيرات العودة، يمنع أي احتكاك يومي مباشر مع الاحتلال لإدماج الناس بالاقتصاديات المؤقتة، ما يجعل الأمر مشابهًا لما يحصل في الضفة على صيغة أكثر تطورًا، في منهجية أن يأكل سلاح المقاومة في غزة نفسه عبر الذوبان.
حقيقة الأمر، الصمت يعتري ساكني القطاع المحاصرين منذ 12 عامًا، ما بين متخوفين من انفصال سياسي تام عن الضفة، وضياع لقواعد الصراع الأساسية مع الاحتلال الاستعماري دون تحقيق دولة ذات سيادة على الأقل، وراغب بالسهل الممتنع المتمثل في رفع الحصار بأي شكل من الأشكال لأن الناس تريد أن “تعيش”، والسلام.
*نون بوست