أقلام وأراء

غازي فخري مرار يكتب – من حوران إلى حيفا

غازي فخري مرار 

رواية لصديق عزيز التقينا فى ستينات القرن الماضلى اثناء دراستنا الجامعية فى ذلك العصر الذهبى الذى احتضنت فيه القاهرة ابناء العروبة من المحيط الى الخليج وعشنا زمن القائد جمال عبد الناصر وامنا بفكره القومى الاشتراكى الوحدوى وما زالت قناعاتنا بفكر القائد الذى فجر ثورة 23 يوليو وقاد امتنا نحو الاهداف الكبيره فى الحرية والاشتراكية والوحده نتاج تجربة نضالية خلدها تاريخ هذه الامة .

فوجئت برواية كتبها اخى زياد هذا الطبيب المنشغل بالجراحة والعمود الفقرى والمؤتمرات العلمية فى مناطق كثيرة من هذا العالم وكان حظى ان اجرى لى عملية جراحية فى فقرات العنق نجحت بامتياز وكان يصعب اجراؤها الا فى المانيا لدقتها وخطورتها . فكنت تواقا ان اقرا ما كتب اخى الدكتور زياد وخلال اسبوع فقط انهيت قراءة روايته الممتعه وما احتوته من سرد امتزجت فيه الرؤية التاريخية والتراثية والفكرية . تجبر القارىء ان لا يتوقف عن متابعة قراءتها لما تحويه من سرد شيق محبب , تناول زياد قصة حياة والده محمد رحمه الله الذى عاش ابن اثنى عشرة سنه وتمرد على الحياة الروتينية فى قريته حريما من قرى عائلة الزعبى المنتشرة فى حوران بين الاردن وسوريا , وجمع سيرة والده الذى حرم من استكمال دراسته فى مدرسة القرية واراده والده ان ينشغل فى الفلاحة من حرث وزرع ودرس للمحصول وجلوس على ذلك اللوح الخشبى يهرس عيدان القمح يجره بغل او حمار حتى يحوله الى قمح يشتريه التجار سدادا لديون فى فصل الشتاء .استخدم زياد تعابير وكلمات الفلاحين التى لم تختلف عما استخدمه اهلنا فى قرانا الفلسطينية مثل الطابون والكراديش والبكرج والمضافة .

كما لم تختلف العادات فى الافراح والاحزان عنها فى قرانا وقد دلل بذلك على وحدة مجتمعاتنا فى فلسطين والاردن .. حتى دراسة والده فى مدرسة القرية : غرفة واحدة بها اربع فصول بمدرس واحد يتنقل بين الفصول ويعلم كل الدروس . تذكرت قريتنا التى درست فيها المرحلة الابتدائية وكانت المدرسة غرفة واحده وفيها استاذنا زهدى الخطيب رحمه الله الذى استخدم الخيزرانة والشدة . لم تختلف قرية حريما بلد زياد عن قرية بيت دقو شمال غربى القدس . بنات القرية وهن ذاهبات الى العين يحملن الجرار بالزى الفلاحى الجميل والخدود الوردية التى لونتها حرارة الشمس فشكلت منها لوحة جمالية رائعه . سرد حياة القرية عبر تعبيرا جميلا ومتقنا عن الجانب التراثى لحياة اهلنا فى حوران واستطيع ان اقول لحياة اهلنا فى القرى الفلسطينية . وانتقل اخى زياد الى رحلة والده الى فلسطين بعد ان قرر ترك حياة القرية وكان قد سمع الكثير عن حيفا عن موقعها وتقاليد اهلها والعمل فيها وهى تقع عللى البحر المتوسط , ميناء كبير يربطها القطار الذى راه لاول مرة وكان وصفه رائعا . سمع الكثير عن حيفا من بعض اقاربه الذين سبق ان ترددوا على بيتهم وذكروها فى اقوالهم . امتدت رحلته على الاقدام وقطع الشريعة غربا عبر الاغوار الى سمخ على بحيرة طبريا . تذكرت هنا اخى العزيز الاستاذ يحيى يخلف وزير الثقافة الفلسطينى وهو من مدينة سمخ وحدثنى عنها طويلا ووردت فى روايته : نهر يستحم فى بحيره . ومررت بها فى زياراتى المتكررة الى فلسطين التاريخية مرورا بحيفا وطبريا ثم الى غور الاردن . وصل الفتى محمد اخيرا الى حيفا وتعرف الى ابو خليل ذلك التاجر الطيب الذى احب محمد منذ اللقاء الاول واوجد له عملا بسيطا فى دكانه الصغير فى احد احياء حيفا التى بهرته بجمالها واهلها وشوارعها وتنقل محمد من حامل للخضار وموزع على عربة يجرها ثم الى شريك لابى خليل ومعرفة لام خليل التى اصبحت بمثابة الام لهذا الفتلى وتاثر كثيرا يوم رحل ابو خليل وقام بالواجب يوم دفنه وعزائه . تعرف محمد على ابنة التاجر الحيفاوى ونمت بينهما علاقة جميله وكاد ان يتقدم لخطبتها لولا رحلته الى الاهل فى قريته الذين اختاروا له فتاة جميلة من اقاربه من قرية مجاوره .

تعرف الشاب محمد على اهل حيفا كما عرف مياديها وحاراتها التى اقام بها مع اخيه فلاح وبعض اقاربه وعاصر الصدامات فى بدايتها بين العرب واليهود واحتك بجماعة عز الدين القسام ذلك المقاوم الذى جاء من سوريا وكل خلايا المقاومة فى حيفا ومناطقها واستشهد وكان له اثر كبير فى نفس الشاب محمد . شارك محمد فى الحركة الوطنية وقام ببعض الاعمال الدائية ايمانا بالحق الفلسطينى فى وطنهم كما شارك فى تهريب الاسلحة الى حيفا عبر نهر الاردن . شهد محمد ابا زياد الذى ولد وابوه فى حيفا اخر ايامها واسماه زياد نسبة لاحد اصدقائه الذى قتله اليهود وحزن عليه حزنا كبيرا وحينما اتصلوا بمحمد سالوه ماذا نسمى القادم فاختار اسم الشهيد زياد . وصف ابو زياد اخر الايام فى حيفا بعد ان تحدث عن اللخلافات بين الفصائل الفلسطينية جماعة الحاج امين الحسينى وجماعة القسام وقد اختلط كثيرا بعدد من الرموز الوطنية فى حيفا . كان حزينا وهو يركب المركب من ميناء حيفا جالت فى خاطره كل الذكريات والايام التى قضاها فى حيفا فى شوارعها وشواطئها حى النسناس ورحلات البحر وابى خليل وام خليل الذان كانا بمثابة الاهل والسند ومكث يومان فى بيروت عند صديق له كان معه فى حيفا والتقاه على نفس المركب المتجه الى بيروت وعرض عليه العمل معه فى بيروت . ومن هنا اختار اخى زياد اسم روايته : من حوران الى حيفا . وكانت نهاية الرواية : مدينة تهاجر على سفينه .

الرواية شيقة ومؤثرة تركت فى القلب اوجاعا وهو يصف هجرة اهل حيفا من الفلسطينيين والعرب الذين عاشوا مع اهلنا فى حيفا , وحينما ازور حيفا المس هذا الجمال وادرك حجم الخسارة التى خسرناها بفقدان اجمل بقاع هذا الوطن تجلس على شرفات جبل الكرمل ويمتد نظرك فى الافق البعيد فتشاهد عكا برونقها وتستشعر تاريخها المقاوم الذى استعصى على نابليون فى حملته الى فلسطين بقيادة الجزار . حيفا المدينة والشاطىء والميناء حيفا الجوامع والكنائس والمدارس والمتنزهات حيفا التاريخ فهل ننساها وهل هناك معنى لفلسطين دون حيفا ويافا والقدس وفلسطين التاريخية . رواية يا اخى زياد حركت كل المشاعر ورسمت على صفحات القلب صورة وردية لحيفا احدى اهم مدن فلسطين وجعلت من الحتمية استمرارنا فى نضالنا القومى ومقاومتنا التى شارك فيها والدك عليه رحمة الله حتى نحررها من رجس الاثمين المغتصبين . سلمت يا اخى وسلمت مشاعرك النبيله يوم اخترت حيفا عنوانا لروايتك الاولى . ارجو ان نلتقلى فى يوم قريب فى حيفا ونتذكر ونسرد ذكريات الاباء او الاحفاد على الاقل يعودوا الى حيفا كما حدث عبر التاريخ والثقة كبيره ان يطرد الغزاة وتعود حيفا عربية محررة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى