غابي لسكي / ثمانية شهور لم تكسر عهد التميمي
هآرتس – بقلم غابي لسكي – 29/7/2018
عهد التميمي اطلق سراحها اليوم من السجن بعد قضاء ثمانية اشهر في المعتقل كسجينة سياسية. ظاهريا الاعتقال المبالغ فيه الذي حكم به عليها هو نتيجة مباشرة لأنها تجرأت على مقاومة اقتحام الجنود لبيتها. ولكن بعد أن حظيت بتمثيلها في كل الاجراءات القضائية في المحكمة العسكرية، من الواضح لي أنه ليس هناك أي علاقة بين الصفعة التي وجهتها للجندي وبين الحكم الذي فرض عليها. الشهور الثمانية من الاعتقال وكذلك الاعتقال الليلي المغطى اعلاميا والتحقيقات المكثفة التي مرت بها هذه القاصرة هي في النهاية محاولة اخرى فاشلة لكسر روح هذه الفتاة التي تعارض سلطة الاحتلال، ومنع فلسطينيين آخرين من العمل كما يريد أن يعمل كل شخص يعيش تحت الاحتلال.
فورا بعد أن دوت الصفعة في ارجاء العالم، قامت اجهزة فرض الاحتلال بالعمل على تدفيع الثمن لفتاة إبنة 16 سنة بسبب مقاومتها. المجتمع الاسرائيلي لم يتمكن من استيعاب “المس بالشرف الوطني” الموجود في المقاومة، اعضاء كنيست ووزراء دعوا الى تدفيع ثمن باهظ وحرضوا الجيش الاسرائيلي على عائلة التميمي من اجل اعتقالها في منتصف الليل.
كاميرات المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي وثقت الفتاة المكبلة والمحاطة بالمحاربين الملثمين وسارعوا الى نشر الافلام القصيرة بفخر. وكأن الامر يتعلق بعودة مخطوفي عنتيبة وليس باعتقال فتاة من قرية توجد على بعد نصف ساعة من العاصمة.
محاولات كسر التميمي تواصلت ايضا بعد الاعتقال. محققو الشرطة والاستخبارات العسكرية استخدموا ضدها وسائل تحقيق مكثفة ومشكوك في قانونيتها مثل التهديد باعتقال اقاربها، وجزء منهم اطفال، وسلوك تحرشي من قبل احد المحققين معها. ازاء اولئك الشبان العنيفين الذين يريدون القاء الذعر على كل من تجرأ على مقاومة الاحتلال، وقفت فتاة شجاعة لم تستسلم للحظة.
السلطات في اسرائيل لم تستطع تجاهل تصنيف التميمي كبطلة دولية، التي تحظى بتأييد واسع. ازاء البوسترات التي نشرت في ارجاء العالم وسيل الدبلوماسيين والصحفيين الذين جاءوا لدعمها أو لتغطية النقاشات، فان أحدا ما كما يبدو تذكر للحظة وبالخجل الذي فقد منذ فترة واتخذ قرار باجراء المحاكمة خلف ابواب مغلقة بذريعة أن هذا “لصالح القاصرة”، رغم معارضة محامي عهد وعائلتها لاغلاق ابواب المحكمة.
ولكن من اعتقد أنه يكسر روح التميمي بالعنف والتهديد والاعتقال المبالغ فيه اكتشف أن كل ذلك فقط عززها. في المكان الذي حاولت فيه السلطات اخفاء الاحتلال وتداعياته نجحت عهد في توجيه كشافات مضيئة على مظالمه. مع اطلاق سراحها ستزور التميمي الخان الاحمر، القرية البدوية المخطط لهدمها. التضامن الذي ستظهره مع سكان القرية سيوجه اهتمام الجمهور على الطرد الوحشي لسكان هذه القرية – الطرد الذي يشكل مثال آخر على محاولة حكومة اسرائيل قطع كل امكانية تواصل جغرافي فلسطيني في الضفة. وهكذا تقربنا من حلم الابرتهايد الممأسس بين النهر والبحر.
اعضاء الحكومة اصبحوا يعرفون من اعماقهم أنهم اخطأوا عندما ضغطوا من اجل اعتقال وسجن عهد. مقاتلون مسلحون ومحققون منفلتي العقال وجهاز قضاء عسكري منحاز لم ينجحوا في كسر روحها.
الآن وبعد نجاح الفتاة الفلسطينية في اظهار مظالم الاحتلال باعتقالها وسجنها الطويل، يجب على المعارضة الاسرائيلية أن تعمل. نحن مضطرون الى أن نذكر من فوق كل منصة العبرة التي تعلمناها من قصة حياة عهد: ليس بوسع الكثير من الطائرات الامريكية أو الغواصات الالمانية أو القاصرين الفلسطينيين المعتقلين أو العائلات المخلاة أن توقف مطالبة ملايين الفلسطينيين بالاستقلال والحرية والحياة بكرامة.
اذا لم نستوعب ذلك الآن، ولم نوقظ الجمهور الاسرائيلي من سباته التقليدي الذي يغرق فيه منذ 51 سنة فسنواصل الانزلاق نحو واقع الابرتهايد المتوحش الذي يرسل ابناءنا الى المناطق لقمع فتيات يقاومن الاحتلال بأيد عارية.