ترجمات عبرية

عيران يشيف : هناك ما يمكن القيام به في غزة

هآرتس – بقلم عيران يشيف  – 5/6/2018

الوضع في غزة هو مصيدة باعثة على اليأس، صحيح. ولكن بدل الاستسلام لليأس أريد أن أقترح هنا حل عملي يمكنه انقاذنا وانقاذ سكان غزة من هذه الدائرة المحبطة التي نحن مسجونون فيها الآن.

المصيدة في غزة وبدرجة كبيرة ايضا في الضفة، تنبع من أنه لا توجد قوة جوهرية تعمل على تحسين وضع السكان. حماس معنية بالحفاظ على قوتها الحاكمة مع تجميع وسائل قتالية، واذا لزم الامر – التضحية بحياة البشر. حكومة اسرائيل لا تطرح افكار اصيلة، وهي سلبية وليس لديها ما تطرحه فيما يتعلق بقطاع غزة.

مركز انشغالها هو  تضخيم قوة حماس ومعروف أنها لا تهتم برفاه السكان في غزة. مصر تحاول تقليص اضرارها من غزة، وجهات دولية تعمل في الهامش، بدرجة صغيرة. في كل مرة صحيح أنه تتشكل لجان لدعم القطاع، لكنها في الاساس استعراض فارغ، وليس دعم حقيقي. في ظل غياب “يد خفية” تقود الى تغيير، فان هذه المصيدة ستواصل جباية الثمن. الحل العملي قائم، ولشديد الدهشة هو بسيط نسبيا وليس غاليا. قطاع غزة ليس منطقة نزاع ديني ايديولوجي ولا يقع في موقع استراتيجي، مشاكله الاساسية هي الاكتظاظ الفظيع، فقر من النوع الموجود في دول افريقيا المتخلفة جدا، وتدمير متواصل للبنى التحتية. وكما كتب عمانويل سيفان (“هآرتس”، 18/5) فان هذا الوضع يتطور خلال اكثر من ثلاثين سنة، لكنه الآن اصبح حادا لأن قطاع غزة مكشوف لخطر الأوبئة وانهيار المستشفيات، هذا دون ذكر اعمال اليأس.

توجد علاقة بين هذا الوضع واحداث الاسابيع الاخيرة – سواء الصدامات حول المسيرات نحو الجدار أو جولة القتال (اطلاق الصواريخ والقذائف وعمليات قصف ردا على ذلك). اسرائيل تخطيء في اعتقادها بأن ضغط عسكري سيؤدي الى حل في غزة. هذا لم يثبت نفسه على الاطلاق في الـ 12 سنة الماضية منذ صعود حماس للحكم. الوضع في غزة يزداد خطورة وهكذا ايضا رد اسرائيل السلبي.

اسرائيل لم تتخذ أي خطوة ايجابية وبناءة. ردودها كانت تدمير البنى التحتية وتضييق الحصار واطلاق النار. أنا لا أقول إن حل اقتصادي سينهي النزاع، لكن ينطبق هنا المنطق الذي وجه الامريكيين في خطة مارشال بعد الحرب العالمية الثانية: يجب المساعدة ايضا في اعادة اصلاح اقتصادي – مدني للعدو، وليس فقط للحلفاء (المانيا كانت هي الثالثة في قائمة متلقي المساعدات الامريكية).

هناك اقتراحات مثل انشاء جزيرة صناعية، لكن لا يوجد في هذا حل عملي، الذي هو ضروري جدا على المدى القصير. هذا مشروع سيؤتي ثماره بعد سنوات كثيرة. وحتى ذلك الحين فان غزة ستنهار. فقط اذا تم القيام بخطوات عملية، من النوع الذي سأفصله حالا، سيكون بالامكان التفكير ايضا بمشاريع كبيرة كهذه، وفحص امكانيات القيام بها. اقتراحات صغيرة مثل تخفيف الاغلاق وانتقال البضائع، هي ضئيلة جدا. هذه الاقتراحات يتم سماعها صبح مساء من سياسيين وحتى من كتاب أعمدة في هذه الصحيفة. لكن اسرائيل تجد صعوبة في تطبيقها. وعلى أي حال هي نقطة في بحر مقابل محيط المشاكل.

ما هو الحل الذي يعطي حوافز لتهدئة الامور وشق طريق “هدنة” قابلة للحياة؟ اسرائيل يمكنها العمل من خلف الكواليس لانشاء قوة مهمة دولية دون المشاركة فيها. قوة المهمة هذه ستضم خبراء، اساسا في مجال الصحة والبنى التحتية الضرورية، وتكون مرتكزة على دول اوروبا المقبولة على الطرفين (خاصة بريطانيا والمانيا وفرنسا).

هذه القوة ستعمل في البداية على اعادة تأهيل الصحة والنظافة في غزة، في كل ما يتعلق بالمياه والصرف الصحي وأداء المستشفيات. توجد لهذه الدول تجربة كبيرة في هذه الانظمة في مناطق حضرية كبيرة، لهذا سيكون بالامكان رؤية تقدم خلال ستة الى ثمانية اشهر. وتقليص الضائقة الانسانية التي اشعلت موجة العنف الاخيرة.

الموقف الدولي المهني هو أمر حاسم. أنا اعتقد، وبنيامين نتنياهو يدرك، قيمة هذه المقاربة التي تستند الى اقتصاد بناء. من شبه المؤكد لو أنه كانت هناك مشاريع بناء على طول الجدار مع اسرائيل من الطرف الغزي لكان يمكننا توقع مظاهرات أقل كثافة من التي حدثت مؤخرا. اذا كان يوجد نجاح لهذه القوة فان هذه الدول يمكنها العمل على اقامة جسم للتطوير، حسب نموذج بنك تطوير اوروبا القائم منذ التسعينيات لعلاج مشكلات البنى التحتية.

جسم مهني دولي كهذا يمكنه تحريك مشاريع قصيرة المدى وطويلة المدى (اقامة مطار وتطوير حقل غاز في البحر). هناك قائمة غير قصيرة لمشاريع اقتصادية يمكن تنفيذها. بخصوص “الاخطار الامنية” التي تكتنف المشاريع في غزة – يجدر أن نذكر أن حماس سبق لها وادارت عدة جولات قتالية امام اسرائيل اطلقت فيها صواريخ وحفرت الانفاق، رغم الاغلاق الاسرائيلي على مدى عشر سنوات. في كل الحالات يمكن، بل مطلوب، ايجاد طرق خلاقة لتقليل هذه الاخطار.

قوة المهمة هذه يمكنها ايضا التغلب على اعاقات حماس والتأكد من أن الاموال ستصل الى اهدافها، لا الى قيادة حماس. إن كلفة هذا الجهد الاقتصادي – حسب تقديري 1 – 4 مليارات دولار في السنة خلال بضع سنوات – ليست مرتفعة بالمفاهيم الدولية. من المهم أن نذكر ان الاقتصاد الغزي صغير نسبيا وقدرته على امتصاص الاستثمارات محدودة.

النجاح في غزة يمكن استخدامه كنموذج للتدخل في مناطق حدثت فيها كوارث في الشرق الاوسط. في المحادثات التي اجريتها في السنوات الاخيرة مع شخصيات رفيعة سابقة في الجيش حصلت على دعم لا بأس به لهذه الافكار.

هناك عدد من الصعوبات التي يجب التغلب عليها من اجل تنفيذ الخطة: مشاعر الجمهور الاسرائيلي تجاه سكان غزة تتراوح بين اللامبالاة والكراهية. السياسيون يتبعون هذا المزاج، حيث أنه ليس لديهم حلم ورؤية للمستقبل وهم اساسا منشغلون في ضمان بقائهم في الحكم أو في الجهود من اجل انتخابهم.

قيادة الجيش التي ترى مباشرة الخطر، غير مبنية لاعطاء حلول كهذه. الجيش يعرف كيف يحارب لا أن يعيد تأهيل البنى التحتية السطحية. ويجب أن نضيف الى هذا حقيقة أن العالم ليس قلقا بشكل خاص من مشكلة قطاع غزة. في الشرق الاوسط تحدث كوارث كثيرة (في سوريا واليمن واحيانا في العراق وليبيا ايضا)، التي اصبح من الصعب معرفة ماذا يمكن فعله. وفي نهاية الامر لا يتم فعل شيء. من المؤلم رؤية معاناة سكان قطاع غزة ورؤية انغلاق وقسوة قلب الكثيرين في اسرائيل وفي العالم، في حين أن حل قابل للتطبيق ممكن موجود في متناول اليد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى