أقلام وأراء

عياد البطنيجي: نتائج هجوم السابع من أكتوبر: نزع السلاح السوري دون قتال

عياد البطنيجي 19-12-2024: نتائج هجوم السابع من أكتوبر: نزع السلاح السوري دون قتال

جاء التحالف السوري – الإيراني كمظلة أمنية لحماية نظام الأسد. غير أن الأسد لم يكن يظن بأن هذا التحالف سيكون سببًا في سقوطه. وبذلك يكون قد صنع المشكلة لنفسه، عندما أحاطها بمجموعة من الأخطار بأن جعل سوريا حجر الأساس لمحور المقاومة. سقط نظام الأسد، وهرب الإيرانيون إلى العراق، ولم يدافعوا عن حليفهم، وقُطع طريق الإمداد إلى حزب الله الذي كان يمر عبر دمشق، بعد توعد حزب الله بإغراق الجيش الإسرائيلي في الوحل اللبناني، وادعاء محور المقاومة قدرته على تدمير إسرائيل في سبع دقائق. لقد عاد اليهود إلى بيوتهم في الشمال بعد أن توعد حزب الله، ومحللو قناة الجزيرة، باستحالة عودتهم.

غير أن التاريخ سيذكر بأن من النتائج الفعلية لهجوم حماس في السابع من أكتوبر من العام الماضي كان سقوط نظام الأسد، ونزع السلاح السوري دون قتال. 

منذ سقوط نظام الأسد، تتعامل إسرائيل مع الواقع السوري الجديد بالضغط إلى الحدود القصوى عبر خلق وقائع جديدة، لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في نزع السلاح السوري دون قتال. فقد شنت عملية كبيرة لتدمير القدرات العسكرية الاستراتيجية للجيش السوري، والتدمير الشامل للوسائل القتالية التي تشكل تهديدا كانت بحوزة الجيش السوري. فقد طالت الغارات الإسرائيلية مركزَينِ للأبحاث العلمية، والأسلحة الأكثر استراتيجية، كما تم استهداف مستودعات صواريخ “سكود”، ومنصات إطلاق صواريخ، وعدد من القواعد العسكرية. وألحقت أضرارًا جسيمة بمنظومة الدفاع الجوي، ودمرت صواريخ أرض – جو الاستراتيجية، وشملت الأهداف طائرات مقاتلة، ومروحيات قتالية. بالإضافة إلى أنها توسعت في الاستيلاء على مناطق في الجنوب عبر السيطرة على الجانب السوري من جبل الشيخ، كما تمركزت القوات الإسرائيلية في المنطقة العازلة، واحتلت جزء من أراضٍ سوريا تستطيع من خلالها تهديد دمشق. فقد تقدمت قوات الجيش الإسرائيلي إلى ريف دمشق وصارت على مسافة 15 كيلو متر من العاصمة.

تدعي إسرائيل بأن هذه الإجراءات مؤقته، وهي مستخلصة من الدروس والعبر من هجوم السابع من أكتوبر. لكننا نرى بأن هناك هدفًا أعمق من وراء هذا التحرك الإسرائيلي. بالنسبة لإسرائيل، ثمة فرصة قد لاحت لتحقيق الهدف الأكبر المتمثل في إعادة تشكيل النظام السوري الجديد بمواصفات معينة كما يلي:

  1.  فعبر الاستيلاء على المناطق العازلة، فإن إسرائيل تتجهز لكل السيناريوهات المتخيلة. فمن جهة، فالتقدم للسيطرة على المزيد من الأرض لحيازة موقع قوة، تضع إسرائيل نفسها في أقوى موضع للتفاوض. ومن جهة أخرى، فمن خلال التقدم والضغط وتجميع نقاط استراتيجية، تحاول إسرائيل أن تجبر النظام الجديد على التجاوب مع تصوراتها عبر التفاوض تحت الهجوم المباشر. وفي حال قبل النظام الجديد بالتسوية، يصبح لدى إسرائيل مساحة للقيام بتنازلات وإرجاع بعض ما استولت عليه.
  1. صياغة مستقبل علاقة النظام الجديد بإسرائيل عبر تحويله من عدو إلى صديق. فالمفاوضات امتداد للحرب، وههنا تظهر إسرائيل بأنها تحمل السيف في يد وغصن الزيتون في اليد الأخرى. 
  2. تسعى إسرائيل في المستقبل المنظور، إلى فرض اتفاقيات تلزم النظام بمستوى معين من التسلح، ومنع الأسلحة البيولوجية والكيمائية والاستراتيجية، بما يضمن بأن سوريا لن تشكل تهديدًا محتملًا. وبذلك تريد إسرائيل لسوريا البدء من بدايات جديدة، وبالتالي القطيعة مع الترتيبات القديمة.
  3. تريد إسرائيل اعترافًا رسميًا بسيادتها الكاملة على الجولان، وبأنه سيبقى جزء لا يتجزأ من إسرائيل. إذ يشكل الجولان ضمانة أمنية ترفض قطعيًا التنازل عن سيادتها. وهي توظف الاعتراف الأمريكي، في عهد الرئيس دونالد ترامب، لنتنياهو بسيادة إسرائيل على الجولان في عام 2019، في تحقيق هذه الرؤية.
  4. بهذه الإجراءات العسكرية، تريد إسرائيل أن تضع نفسها في وضع يسمح لها بالسيطرة على النتائج، فالوضع السوري لم يستقر بعد، ويمر بمرحلة انتقالية صعبة، وهناك مجموعات مسلحة على مقربة منها، ولم تتبين توجهات النظام الجديد. 
  5. في نهاية المطاف تريد إسرائيل من سوريا الجديدة السلام مقابل السلام أو السلام مقابل الحماية، دون تنازلات فعلية. وعبر إجراءات إكراهية عسكرية تدخل من خلالها في صلب تشكيل الأحداث في سورية، عبر ترجمة هذه الإجراءات إلى ترتيبات سياسية. وبالتالي النصر بالأمر الواقع، ويعني ذلك بأن سوريا في متناول اليد، وأجزاء من أراضيها محتلة، وقوتها العسكرية الاستراتيجية مدمرة، ووضع داخلي غير مستقر.

ولا يبدو أن إسرائيل ستتراجع عن هذه الأهداف الاستراتيجية، ولذلك فإن كل الوقائع الميدانية التي أوجدتها مؤخرًا في سوريا ليست مؤقتة بقدر ما أنها تأتي مرهونة بكيفية استجابة النظام الجديد الذي أحاطته إسرائيل بشروط صارمة. كما لا يبدو أيضًا بأن النظام الجديد سيكون قادرًا على مواجهة هذه التحديات الإسرائيلية حتى ولو بالحد الأدنى.  فقد أسقطت الثورة النظام دون أن يكون لها تصور تجاه إسرائيل، وليس لديها سوى تبني مقولات النظام القديم، فقد نفى أحمد الشرع النية في استخدام الأراضي السورية لشن هجمات على إسرائيل، وأن النظام الجديد ملتزمٌ باتفاقية فض الاشتباك المبرمة في العام 1974. ولا يبدو بأن إسرائيل ستكتفي بهذا المسار فقط، فقد تسعى إلى تكبيل النظام باتفاقيات الحد من التسلح، ونزع السلاح، والسلام مقابل الحماية، والاعتراف بسيادتها على الجولان، والتطبيع.

 يمكن القول إن تبعات الهجوم على الجبهة السورية ما تزال تنتج مفاعيلها، فإسرائيل تراكم نقاط استراتيجية، وأيضا سيطاول ذلك إيران نفسها، وتصفية ما تبقى لها من نفوذ في العراق واليمن. كل ذلك يعد كاشفًا عن مدى الفرص التي تتخلق أمام إسرائيل، والاستفادة الواسعة النطاق لتبعات هجوم السابع من أكتوبر. 

هذه هي النتائج الفعلية لهجوم حماس المفاجئ على غلاف غزة. فالنوايا التي كانت خلف الهجوم لم تعد مهمة، فالحقيقة الفعلية لما يحدث في الواقع أنه تم تفكيك وحدة الساحات، وانقلبت أوضاع محور المقاومة رأسًا على عقب، وتم فصل الجبهات عن بعضها البعض، وقطع طرق الإمداد والاتصال، وزحزحة توازن المحور، وضرب عصبه بإسقاط نظام الأسد، وتقطيع الأذرع الإيرانية، وضرب كل الآمال التي أشاعتها إيران عن الممانعة، وبدأ الشعور بالوقوع في الشرك يتسلل إلى معنويات المحور.

  وما تزال تداعيات هجوم السابع من أكتوبر تتضاعف، فإيران لم تفعل شيئًا ينقذ حليفها السوري، ولا ترغب في الاشتباك الكبير. غير أن ذلك لن يحميها، فالنار ستصل إلى طهران نفسها. إذ تحاول إسرائيل أن تستغل هذه اللحظة التاريخية الملائمة، والفرصة التي لاحت، عبر توجيه ضربة للأنشطة النووية الإيرانية. فكما أُخرج النظام السوري من المعادلة سيتم إخراج إيران أيضًا، وأن أي ضربة توجه للأنشطة النووية، بالتنسيق مع الولايات المتحدة، وبعد تقطيع الأذرع الإيرانية في الخارج، يعني فتح الجبهة الداخلية في إيران، بمعنى تفاقم الاستياء بين صفوف الشعب الإيراني. 

وعليه، ربما نكون على موعد من سقوط نظام آخر في محور المقاومة. فهذه لعبة القوة، وهي ليست لعبة عنتريات وخطوات غير مدروسة، وشعارات رنانة. 

      فالحقيقة أن المحور تدهور استراتيجيًا، وسقط سقوطًا مدويًا ليس من بعده قيام، وأنه لم يكن أكثر من بيت من العنكبوت، وكل هذا الكلام عن المقاومة وتوازن الرعب ليس سوى لغة كانت تهدف إلى إسكات الناس واحتكار اللغة التي خونت كل من تفوه بكلمة خالفت لغة محور المقاومة. فهذه اللحظة الإسرائيلية، أعني لحظة الذروة في النصر، هي النتيجة الفعلية لهجوم حماس المفاجئ في السابع من أكتوبر. فالحقيقة المؤثرة هي ما يحدث في الواقع لا في تلك الشعارات التي أشاعها محور المقاومة. وهذه النتيجة تحصل ليس بقوة إسرائيل الذاتية بل بسبب الفراغ الكبير في المنطقة. إن الضعف العربي، وغياب قوة فعلية، وسوء النية لدى محور المقاومة، وسوء التقدير أيضًا، والفراغ العربي والإسلامي، كل ذلك يغري إسرائيل بالمزيد من التوسع وتعميق سيطرتها، والسعي إلى أقصى الممكن، وتحقيق أكبر الانجازات الاستراتيجية من الفرص التي لاحت بعد هجوم حماس على غلاف غزة. بمعنى آخر، تدرك إسرائيل أن المنطقة كلها غير مستعدة بالرد بهجوم مضاد كاسح على ما تفعله، وليس هناك أي قوة في الإقليم قادرة على تعطيل الحركة الإسرائيلية في التوسع ومقابلتها بما يعاكسها وحرمانها من حرية الحركة، وهذا بالتحديد ما يمنح إسرائيل قوة في الحركة والمناورة على مساحة أوسع. 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى