عياد البطنيجي: صفقة التبادل.. في حقيقة “صمود حماس”

عياد البطنيجي 24-1-2025: صفقة التبادل.. في حقيقة “صمود حماس”
حاولت حماس، أثناء تسليم المختطفين، استعراض قوتها أمام الإعلام. كانت الرسالة واضحة، أنها صمدت في الحرب بعد مرور سنة ونصف، وما تزال الجهة المسيطرة على غزة.
مسألة صمود حماس طوال الفترة الزمنية للحرب، تحتاج إلى تحرير من تلك القيود المفتعلة التي ألصقت بها. فهذا الربط بين الفترة الزمنية للحرب وصمود حركة حماس، يجري توظيفه من قبل الحركة من أجل التأكيد على فشل إسرائيل في تحقيق الأهداف الاستراتيجية من الحرب، في مقابل قدرتها على إعادة التشكيل بالرغم من الضغط العسكري غير المسبوق، وأنها ما تزال تسيطر على نتائج هجومها المفاجئ في السابع من أكتوبر من العام الماضي. وبالتالي تريد حماس أن تقول بأن قرار الهجوم اعتمد بشكل كبير على حسن التقدير لحسابات علاقات القوة التي يمكن ترجمتها من خلال الجمع بين الوسيلة( الهجوم) والهدف( الصفقة).
والنتيجة التالية التي تريد حماس تمريرها، هي أن نموذجها في المقاومة هو نموذج طبيعي ومتوازن بما هو يضمن قابلية المقاومة واستمراريتها وتجددها. وبذلك تكون الحركة قد حافظت على هذا النسق من البقاء والديمومة ومواصلة مقاومة إسرائيل. والنتيجة أنها بذلك تغطي على العواقب الكارثية لتداعيات هجوم 7 أكتوبر.
بداية، أن صمود حماس سنة ونصف، لا يعود إلى قوتها الذاتية، وإنما إلى التصميم الإسرائيلي لسياق الحرب على غزة. كانت إسرائيل معنية في إطالة أمد الحرب، بغية تحويل غزة إلى نموذج تستخدمه في حربها الإقليمية. وبالتالي استفادت حماس من عدم حسم إسرائيل، أي من ذلك الذي لا يريد نتنياهو حسمه طوال الفترة الزمنية للحرب، كاليوم التالي: مستقبل غزة وإدارة القطاع.
كما أن اقتصار إسرائيل على الأداة العسكرية بتوسل الضغط العسكري فحسب، دون الضغط الاقتصادي، وتجنب إحداث مجاعة في القطاع، وإدخال المساعدات، كل ذلك أسهم بدوره في صمود حماس ومواصلتها القتال. يؤكد التاريخ أن المجاعة والحكم البديل أكثر ما يخيف أي نظام. وهذا ما لم يقم بهما نتنياهو، وهما العاملان الرئيسيان في صمود حماس طوال الفترة الزمنية للحرب. لقد أسهمت إدارة الولايات المتحدة بالتنسيق مع قطر والسعودية والإمارات ومصر في الضغط على نتنياهو للحيلولة دون المجاعة والحصار الاقتصادي للغزيين مقابل تطويل فترة الحرب حتى تحقيق أهدافها. وهذان العاملان تهدد بهما الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة دونالد ترامب.
المسألة الأخرى التي لا بد من تفكيكها وهي علاقة نموذج حماس بالقدرة الفلسطينية على تجديد مقاومة إسرائيل. في الحقيقة سيكون من نتائج ما فعلته حماس في هذه الحرب هي تعطيل القدرة على المقاومة، ليس لأن أكلاف هذه الحرب باهظة فحسب، وإنما لأنه لا يمكن تبريرها عبر إدراجها في ضرورة وجودية، هذا ناهيك أنها تعاكس التجربة الفلسطينية في المقاومة التي تعتمد على التدرج والتمرحل والفواصل الزمنية في القتال حسب قدرة المجتمع. ففي الأصل يجب أن تحافظ المقاومة على صمود الناس على الأرض، ومواصلة حياتهم لما فيه من ديمومة المقاومة عبر التراكم الشعبي، وإشراك الناس في فعل المواجهة. فالمقاومة فعل يقوم على المشاركة، وأن المجتمع كله يقوم بهذا الفعل، فلا يقتصر على بنية طلائعية مقاتلة مفصولة عن المجتمع تسعى إلى تحويل المقاومة من جدوى مستمرة إلى جدوى فورية. وهكذا، إن انتصار المقاومة يعني القدرة على الحفاظ على قابلية المجتمع على تجديد نضاله، واستمرارية كفاحه، وتعزيز صموده، والقدرة على البقاء، وذلك عبر البقاء على حالة معينة تتصف بكونها مرحلية ومؤقتة ومحدودة، وحسن التقدير بين استخدام المعركة والأهداف المرجوة. إن نموذج حماس عطل كل ذلك المألوف في التاريخ النضالي للفلسطينيين.
والنتيجة أن استمرارية المقاومة بعد هجوم 7 أكتوبر صعبة، واستخدام السلاح أصبح من الصعب جدا لعقود قادمة. لا يوجد أمام الفلسطينيين سوى الصمود، فلا أحد يمكن أن يقف ضده، وهو سلمي، ويعزز البقاء، وذلك حتى يمكن إعادة تشكيل نموذج متوازن معاكس لنموذج حماس والفصائل.
وأقول في الختام: صورة النصر التي حققتها حماس في تسليم المختطفين، صورة مزيفة، وأنها تخفي ما تريد أن تتحدث عنه. الصورة الحقيقية أن حماس تفشل في ترجمة صفقة التبادل إلى انجاز اجتماعي ووجودي يعزز مكانتها، وأن استعراض القوة من خلال إعلام الجزيرة لا يعوض الفشل الاستراتيجي لنموذج حماس في مقاومة إسرائيل، بل ويعطل المقاومة الفعلية بما هي نموذج في التوازن، وليس في اختلال التوازن الذي بلغ ذروته في هجوم 7 أكتوبر.