أقلام وأراء

عياد البطنيجي: تطويق حماس.. نزع السلاح مقابل وقف الحرب

عياد البطنيجي 25-4-2025: تطويق حماس.. نزع السلاح مقابل وقف الحرب

صعدّت حماس في جولة المفاوضات الأخيرة حول المقترح المصري، من وتيرة إطلاق المقذوفات تجاه غلاف غزة. اللافت في الأمر أن تلك المقذوفات أطلقت من مناطق لم تدخلها قوات الجيش، كدير البلح، المصنفة ضمن المناطق الإنسانية، وكذلك أطلقت من منطقة النصيرات، وسط قطاع غزة، التي لم يدخلها الجيش أيضًا. وكذلك أطلقت المقذوفات من مناطق عاد إليها سكانها بعد أن انسحب منها الجيش في خانيونس جنوب قطاع غزة، وبيت حانون وبيت لاهيا شمالي قطاع غزة. 

في أعقاب ذلك، أصدر الجيش تعليماته للسكان بإخلاء مناطقهم فورًا والتوجه إلى مراكز الإيواء المعروفة. لقد أصبح معروفًا للسكان أن نتائج إطلاق المقذوفات تجاه إسرائيل هي الإجلاء فورًا وبالتالي قصف وتدمير منازلهم، يعني مزيدًا من القتل والتدمير. وهي النتيجة المعروفة أيضًا للمقاومة، ومع ذلك تستمر في إطلاق القذائف غير عابئة بالعواقب. 

رسالة حماس للعدو واضحة، أنها لا تبالي بالضغط العسكري، وبالتالي لن تستجيب إلى هدف العدو المتمثل في فرض شروطه في مفاوضات الصفقة. إن اللامبالاة تجاه الضغط العسكري هي الاستجابة من جانب حماس، وبذلك تكون قد أفشلت الضغط العسكري طالما أنها تتظاهر بأنه لم ينل من إرادتها بصرف النظر عما يحدث في الواقع. فالحوار ثنائي بين حماس وإسرائيل لا وجود للسكان بصرف النظر عن عواقب منهجها في إدارة المعركة وانعكاسه على المدنيين. وهكذا، يخال لحماس بأنها بذلك تسقط فعالية الضغط العسكري، إذ تتقصد بالضبط إطلاق المقذوفات من تلك المناطق التي لم يعمل فيها الجيش كما بينا آنفًا، وبذلك تكون فعليًا تسبق الجيش في إخلاء السكان في خلق الذريعة وكمحصلة تفاعلية بين الطرفين. والقصد أنها تفعل ما يفعله الجيش، وتسبقه إلى ذلك، لكي تتظاهر بالتنكر للأثر المعنوي الذي يحاول العدو أن ينال منه. والنتيجة التي تبتغيها حماس من جراء ذلك، أن تجبر العدو على أنه ليس من سبيل أمامه سوى الاتفاق للوصول إلى صفقة تضمن الانسحاب ووقف الحرب. 

هذه الاستجابة من جانب حماس غير مفهومة بمعطيات الاستراتيجية، فاللامبالاة ليست استجابة استراتيجية ولا تمليها معطيات الميدان ولا تلبي مطالب ما يحدث في الواقع. وهي استجابة مفصولة عما يحدث بالفعل ووفقًا لمعطيات ميدان المعركة. فهذه الطريقة لإفشال الضغط العسكري تبقى صورية لا تؤثر في مجرى الأحداث أو صناعتها. فاللامبالاة تجاه الضغط العسكري لا تمليه متطلبات الاستراتيجية وإنما تمليه متطلبات الدعاية. لماذا لجأت حماس إلى هذه الطريقة السلبية والانتحارية كرد فعل على الضغط العسكري؟ فهذه الاستجابة في عدم الاستجابة للضغط العسكري لا تعمل وفقًا لمعطيات الميدان، فبالعكس إن الميدان يقول إن هناك فاجعة مستمرة ومتواصلة، وأن معطيات الميدان لا تعمل وفقًا لمصلحة حماس. فقط متطلبات الدعاية، ودعايتها ليست جزءً من عملية سياسية عسكرية فعالة، وإنما جزء من رهانات مبنية على أوهام. 

وفي نهاية المطاف إن صواريخ حماس أثبتت بأنها لا ثقل استراتيجي لها ولا تمثل سلاحًا استراتيجيًا. وهذه الطريقة تخال حماس بأنها تؤمن لها ورقة دبلوماسية تستخدمها في مفاوضات صفقة التبادل، تصنعها اللامبالاة تجاه الضغط العسكري، وتحمل عليها شروطها في تبادل الأسرى مقابل إنهاء الحرب والانسحاب الكامل من قطاع غزة. 

إن تنكر حماس لفعالية الضغط العسكري بالدعاية لا بالواقع، يعكس عمق المأزق الذي وصلت إليه، وهو مأزق ناتج في الأصل عن أخطاء استراتيجية عميقة وقعت فيها الحركة. إن منطق استمرار إطلاق المقذوفات لا يعني أن حماس موجودة بوصفها قوة عسكرية وفقًا لمفهوم اقتصاد القوة الذي اخترعه جهاز الدعاية الإعلامية التابع للحركة، وإنما ما يفسره هو قانون العجز المتبادل الذي يعني أن حماس غير موجودة عسكريًا وسياسيًا. فمن المعروف أن العمل الدبلوماسي يعمل في حدود القوة العسكرية، بينما ممارسة حماس القتالية تقول لنا بأنها تعاني من عجزٍ متبادل يؤدي إلى العجز في الوصول بالحرب إلى نتائج مقبولة. فالمستوى السياسي والمستوى العسكري كلاهما عاجز عن أن يشكل سندًا للآخر، وكلاهما ليس فعالًا بالقدر الكافي لإجبار العدو على الخضوع لشروط المقاومة العسكرية. 

عجز القوة العسكرية لحماس عن مد أو رفد المستوى السياسي بالقدر الكافي من أوراق الضغط الدبلوماسية لإجبار الخصم على تلبية مطالب حماس السياسية. بمعنى آخر لم يكن المستوى السياسي مسنودًا إلى قوة ميدانية كافية، أي عجز الميدان على أن يقدم بعض الأوراق الدبلوماسية التي يمكن أن تسهم إسهامًا ضروريًا في التأثير على الاستراتيجية. وكذلك الحال عجز المستوى السياسي عن ترجمة المعركة إلى انجاز سياسي مقبول. وبالتالي مواصلة إطلاق المقذوفات يعكس التناقض في الاستراتيجية السياسية- العسكرية لحماس، بمعنى تناقض بين الوسيلة والغرض، أي استخدام المعارك كوسيلة للحصول على الغرض المطلوب من الحرب. وهذا الوضع يخالف قانون القتال المسلح الذي ينبني على أساس وجود علاقة تناغم بين السياسي والعسكري، وأن هذه العلاقة تقوم على عدم التناقض. وأن هذه المقذوفات لن تؤدي إلى نتائج استراتيجية وهي عاجزة عن تشغيل أوراق ضغط يستثمرها المفاوض لإملاء شروط حماس السياسية في صفقة التبادل بقدر ما تستثمرها إدارة الجيش الإسرائيلي في المعركة في قطاع غزة، وفي تعميق أزمة حماس إدخالها أكثر في منطقة التدهور الاستراتيجي، واستمرار العجز في تحويل المعركة إلى انجاز سياسي، وإنما إلى تدهور استراتيجي وفي مواصلة انكشاف المقاتلين والوسائل القتالية أمام حدقة العدو. 

لم تتوقع حماس أن إسرائيل ومن خلال الوسطاء، أضافت شرطًا جديدًا، يعادل شرطها المستحيل، جعلها تصطدم بالحائط، حتى أن الحركة فقدت أعصابها، وهو شرط نزع السلاح ومغادرة قيادتها قطاع غزة، وهو شرط لم يكن من بنواد المفاوضات في المراحل السابقة. وهكذا وضعت إسرائيل حماس في مأزق تفاوضي: نزع السلاح مقابل وقف الحرب. وفي نهاية المطاف، تهدف إسرائيل من وراء ذلك، إلى إجبار حماس على صفقة من دون ثمن سياسي، فقط صفقة لاعتبارات إنسانية، تبادل أسرى وغذاء. 

وهكذا، إن كل ما يحدث الآن في هذه المرحلة المتقدمة من الحرب هو إدارة الضغوط على حماس والاستثمار فيها، عبر صناعة مشاكل للحركة لا تستطيع التعامل معها إلى أن تُحشر في الزاوية. والنتيجة أن حماس أصبحت مطوقة، ولا يوجد أفق أمامها، وهي ذاهبة إلى حتفها الأخير ذاتيًا وموضوعًا. لن تجني حماس أي ثمن سياسي من صفقة التبادل، وهي ورقة خاسرة منذ اللحظة الأولى، كما أن لا أحد يقبل بحماس داخليًا وخارجيًا، سواء طال الوقت أم قصر النتيجة متوقفة على اقتناعها بهذه النتيجة التي أصبحت واضحة، والمشكلة تكمن في كيف يمكن الخروج من هذا الوضع. فمن منظور عسكري النصر بكلفة عالية يعادل الهزيمة، وليس مفهومًا لماذا تصر حماس على هزيمة بكلفة عالية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى