عوزي بنزيمان يكتب – ألوف بن يعرض معضلة خيالية
بقلم: عوزي بنزيمان، هآرتس 4/10/2018
لدى قراءة أقوال ألوف بن محرر هآرتس (معضلة اليساري 27/9)، تساءلت ماذا يجب على قرّاء الجريدة أن ينتظروا من الآن فصاعداً: هل تحت صولجان الوف بن، والذي يظهر استعداداً لتجاهل السلوك المرتشي لنتنياهو مقابل استعداده لتأييد حل الدولتين، ستوقف جيدي فايتس عن تحقيقاته حول القنوات السرية التي بواسطتها يمكن الوصول لرئيس الحكومة، أبناء عائلته ومقربيه، المكاسب الفضائحية؟ هل كاتبات أعمدة الرأي في هآرتس سيتوقفن عن إبهار عيون القرّاء بآرائهن حول وضع الدولة وطرق إدارتها؟ هل مقالات هيئة التحرير لن تواصل التحذير بشأن الأخطاء الأخلاقية والإهمالات وبشأن خطوات مثيرة يقوم بها النظام؟
محرر هآرتس يعرض على قراء الجديدة معضلة أخلاقية: التوصل إلى حل النزاع الاسرائيلي- الفلسطيني، مقابل التنازل عن كل القيم، المبادئ والاعتبارات المناسبة الأخرى، والتي بفضلها يتم خلق الواقع المرغوب في دولة سليمة. أريد القول: عندما نضع على كفة الميزان إحتمالية انهاء النزاع (أو على الأقل تهدئته) أمام مجمل سلوك نتنياهو في رئاسة الحكومة، يرجح الهدف الأسمى: التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين. بن يدعو فعلياً إلى تحصين نتنياهو من الانتقادات في وسائل الاعلام من أجل تشجيعه على التمسك بفكرة الدولتين، ومن أجل ذلك يوصي( وهكذا يبدو من أقوله بالرغم من أنه لا يقول هذا بصورة صريحة) أن نغفر له كل القروح والأخطاء والشرور التي لصقت به خلال فترة ولايته في قيادة الدولة.
في حماسه لتقديس السياسة الواقعية يقزِّم الكاتب أعمال الفساد المنسوبة لنتنياهو- من بينها تلك التي ظهرت في العناوين الأولى وعلى صفحات تحقيقات “هآرتس”- ويعتبرها (تغطية متعاطفة في “والّا”)، “شمبانيا وسجائر، وجبات فاخرة في بلفور”.
دون التطرق لاحتمالية أن نتنياهو حقاً سيتجند لتحقيق حلم الدولتين، يطرح ألوف بِن مسألة هامة: هل من المناسب محو أعمال النذالة للنظام نظراً لأن سياسته تسعى لتحقيق هدف مأمول. هنالك كما يبدو ، طريقين للبت في هذه المسألة: الأولى موازنة مجمل كل الأعمال وحالات الفشل للحاكم، ووضعها أمام الهدف الأسمى الذي يسعى لتحقيقه. الطريق الثانية ، الصحيحة، حل المعضلة، هي محاكمة سلوك الحاكم، وبضمن ذلك سعيه لتحقيق الهدف المأمول، على ضوء عالم المعايير المناسبة.
حول الطريقة العملية التي بها يدير نتنياهو شؤون الدولة يتوجب القول، أنه أفسد اسرائيل من القمة حتى القاعدة، واستخدم ثقافة الكذب وبالأساس قدرة المواطنين على محاكمة الواقع بصورة سليمة. هذا الواجب يفوق الانجازات المنسوبة له في المجال الاقتصادي، الأمني، والدبلوماسي.
الحسم واضح وبدرجة أكثر من الناحية الأخلاقية: من غير المناسب تطبيق اعتبارات هدفية، نفعية، على مجال حكم جوهره هو الأخلاق، العدل ، القانون وقيم النزاهة سارية المفعول بصورة مطلقة. أن اقتراح تكنيس قمامة السلوك المقيت والجنائي المنسوب لنتنياهو،ووضعها تحت البساط، وتجاهل مسؤوليته عن تخريب او تدمير قواعد اللعبة الديموقراطية بتبرير أن مواصلة الإنشغال بها يشوش احتمالات انجاز حل للنزاع مع الفلسطينيين، معناه التخلي عن الأمر الخالد المتمثل بالثواب والعقاب. مجتمع لا يحاسب قادته على أخلاقهم، يضعف بيديه الأجسام المضادة التي تبقت به من أجل صد الجراثيم والأمراض الحكومية الأخرى.
هذا موقف كل مواطن ليس فقط يساري عادي يجب عليه العمل بمقتضاها- بالأحرى الصحفيين. حيث أن ألوف بن شارك قرّاء “هآرتس” بأفكاره بكونه محرر الصحيفة. من خلال أقواله ظهر ميل لتفضيل الهدف العملي على الموقف الأخلاقي المبدئي. المحرر وكأنه يشير الى أنه يفكر في منح نتنياهو غطاءاً واقياً- إذا اتضح أنه حقاً يتبنى فكرة الدولتين. إن الخطر الكامن في هذا الموقف هو الانجرار باتجاه إمالة الصحيفة نحو رئيس الحكومة.
لقد كان هنالك سابقة . في صيف 2006 غطت ودعمت “هآرتس” رئيس الحكومة أرئيل شارون في عملية الانفصال التي قادها. محرر الجريدة في تلك الفترة المرحوم ديفيد لانداو اعترف فيما بعد- في مؤتمر في جامعة بار ايلان في ايلول 2016 ، بأنه حقاَ اتبع سياسة تغطية مؤيدة لشارون بسبب أنه “من أجل وقف الفساد الكبير المتمثل باستمرار الاحتلال، في غزة ،بالإمكان غض الطرف عن أعمال الفساد الصغيرة” (التحقيقات التي جرت ضد شارون وأولاده في قضية الجزيرة اليونانية وخرق الاجراءات البرلمانية في اجراءات المصادقة على خطة الانفصال).
لانداو طبق حينئذ رؤيا أوصى بها الصحفي امنون أبراموفيتش. في اجتماع في معهد فان لير في شباط 2005 جيث دعا وسائل الاعلام ” للحفاظ على شارون كما يتم المحافظة على ثمرة ترونج” إلى أن يتم تطبيق خطة الانفصال بصورة كاملة.
وهكذا، فإن صحفيين مهمين أعلنوا عن قراراتهم بمنح تغطية منحازة لرئيس حكومة كانوا مؤيدين له نظراً لأن سلوكه قاد إلى تطبيق رؤياهم السياسية. بهذا فإنهم أعطوا شرعية لإخفاء الخط الفاصل بين المسموح والممنوع، بين المناسب والمرفوض في المهنة الصحفية، والخلط بين تغطية معقولة و تقرير ممنهج والذي بطبيعته يحوي أيضاً تشويهات وعمليات حذف. لألوف بِن يكمن خطر أن يسير في أعقابهم وينجرف بالمزاج الذي يملي اليوم سلوك صحفيي “اسرائيل اليوم” والقناة 20.