ترجمات عبرية

عوزي برعام : هذا ليس وقت حزن اليسار

بقلم  : عوزي برعام ،  هآرتس 21/5/2018

كل عملية نهوض تحتاج الى اعتراف بالحقائق الجديدة، التي يقتضيها تغير الواقع، ورفض افتراضات انتهى سريانها. مثال على ذلك الافتراض الاساسي الذي يقول إن عملية سلام بيننا وبين الفلسطينيين ليست فقط وسيلة لحل ازمة سياسية، بل  هي ايضا مكون ضروري لخلق نمو اقتصادي. يجب أن لا أنكر أنني أنا ايضا – اثناء فترة ولايتي في حكومة رابين الثانية – أسست الحملة لتشجيع السياحة على عملية السلام التي كانت متسارعة في ذلك الوقت.

قوة العملية، التي اشعلت خيال الناس في كل العالم، ظهرت في حينه مثل مكون كاسر للتوازن. سياح كثيرون جاءوا الى اسرائيل ليس فقط بسبب شظايا الماضي وكونها مهد الديانات التوحيدية، بل ايضا بسبب التطلع الى المستقبل، الذي سيسود فيه في  البلاد القديمة العدل والازدهار للجميع.

ولكن حكومة نتنياهو اثبتت للاسرائيليين وكذلك للعالم في الخارج، بأن نمو اقتصادي مستقر وآمن يمكن تحقيقه ايضا في غياب عملية سلام. وحتى بكون غزة واقعة تحت الحصار والسلطة الفلسطينية تناضل من اجل مكانتها في العالم. ليس هناك شك أن نمو كهذا لم يكن بالامكان تحقيقه في ايام عملية اوسلو. لقد تحقق حتى ايضا بفضل حصانة السوق الاسرائيلية، ولكن ايضا بسبب تغييرات بنيوية حدثت في العالم وبسبب أن بريق الرواية الفلسطينية قد خفت. فقط قبل عشرين سنة تقريبا كان هناك اشتراكية دولية قوية وحركات قوية للشباب الذين روجوا للقضية الفلسطينية. كل ذلك ضعف لأن الواقع العالمي تغير.

التحرك السياسي البطيء، لكن أحادي الجانب، يمكن الشعور به في امريكا اللاتينية، معقل الراديكالية والسعي الى تغيير اجتماعي واقتصادي. هناك بدأ منحى الاقتراب من الدولة العظمى المكروهة جدا في القارة – الولايات المتحدة الامريكية. في اوروبا ايضا بسبب علل العولمة وايضا بسبب موجات المهاجرين الذين يهددون بتغيير طابعها – بدأت عملية بطيئة لكنها واضحة من التوجه نحو اليمين وتقوي القومية، الذي معناه الدعوة الى الانفصال وعدم الاستعداد لاستيعاب موجات مهاجرين، الذين يثيرون معارضة كبيرة في اوساط السكان. اسرائيل تستفيد من هذه العملية لأن مجتمعات وانظمة قومية – انفصالية تفضل ما يعتبرونه “قوة وعظمة” على روايات قائمة على نضالات للتحرير.

في حين أنه في الولايات المتحدة ظهر دونالد ترامب كروح محمومة، يبدو أنه ليس لديه اتجاه واتساق، لكن يتم تحريكه من قبل توق عميق لتصفية ما كان قبله. الامر يتعلق بطموح نرجسي، يقف في تناقض مع وسائل ادارة الازمات التي عرفناها.

اسرائيل وجدت نفسها في وسط صدع تكتوني، استهدف تبديد ومحو ارث اوباما – وخرجت رابحة. صحيح، ليس من الواضح اطلاقا فيما اذا كانت هذه التغييرات تناسب المصلحة الاسرائيلية الحقيقية، ولكن هذا لا يؤثر بشيء بالنسبة لمدى الرضى من تصرف الحكومة.

كل هذه التغيرات تقتضي من معارضي الحكومة تجنيد طول نفس وقدرة صمود وتخطيط للمدى البعيد، من اجل النضال ضد الرواية الجديدة، القائمة على البلطجة والرفض. صحيح أنه ينقص المعارضة زعماء يمكنهم القيام بثورة بفضل مكانتهم الجماهيرية. المعارضة لم تقرر بعد اذا كان يجب عليها خلق بديل محدد أو صيغ ضبابية لتحركات الحكومة.

ولكن في اوساط الجمهور هناك ما زال كثيرون يريدون أن يروا تحركات اقتصادية وسياسية في غزة – ليس فقط عسكرية – تؤدي الى التهدئة والبحث عن حل بعيد المدى. على المعارضة أن تهب ضد تطلعات التوسع الجغرافي في الضفة الغربية والاشارة الى خطورتها. عليها أن توظف قوتها في الجهود لتجنيد قوة جماهيرية كبيرة تهب ضد الخنق البطيء للديمقراطية الذي ينفذ بواسطة عمليات تشريعية خطيرة.

ليس هذا هو الوقت للغرق في “حزن اليسار”، هذا هو الوقت لاستيعاب الواقع الجديد واتخاذ خطوات حقيقية من اجل تغييره.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى