عوديد عيران : هل المظاهرات في الاردن هي خطر حقيقي على النظام؟
نظرة عليا – بقلم عوديد عيران – 12/6/2018
احتجاج آلاف المتظاهرين في الاردن هو ذروة ازمة سياسية في المملكة تطورت منذ كانون الثاني 2018. الاحتجاج موجه ضد نية الحكومة تطبيق جباية ضرائب بصورة مشددة ورفع نسبة الضرائب واسعار سلع مختلفة. إن اقالة رئيس الحكومة هاني الملقي ربما ستهديء لفترة قصيرة، لكنها لن تحل المشكلة الاساسية التي يجب على الملك وعلى كل رئيس حكومة يقوم بتعيينه مواجهتها: كيف يتم تخليص الاردن من الحلقة المفرغة لتراكم الديون وقدرة متضائلة على سدادها. توجد لاسرائيل مصلحة كبيرة في استقرار الاردن ونظامه، على الرغم من السلوك العلني للاردن في الساحة الدولية في موضوع النزاع الاسرائيلي الفلسطيني الذي يثير غضبها. من المهم الاشارة الى الاسهام المباشر وغير المباشر في أمن اسرائيل الذي تمثل في السنوات الاخيرة بكون الاردن منطقة فاصلة بين اسرائيل وداعش. اسرائيل يمكنها ويجب عليها مساعدة الاردن اقتصاديا عن طريق التعاون في مجال الصناعة والتجارة والمياه والزراعة والكهرباء. منذ بضعة ايام يتظاهر آلاف الاردنيين ضد الحكومة وضد هاني الملقي الذي ترأسها حتى الرابع من حزيران. المتظاهرون يحتجون على نية الحكومة فرض جباية ضرائب اكثر تشددا ورفع نسب الضرائب واسعار سلع الطلب عليها غير مرن تقريبا. منها الكهرباء والوقود. المتظاهرون يطالبون باستقالة الحكومة والغاء التعديلات المقترحة من قبلها. رئيس الحكومة تمت اقالته، وفي هذه المرحلة جند الملك تطبيق قرارات الحكومة، لكن الضائقة المالية والنقدية بقيت على حالها ومثلها ايضا المعضلة التي تواجه النظام وهي كيفية التغلب عليها.
في دولة عديمة مصادر دخل هامة مثل الموارد الطبيعية أو صناعة متقدمة، الاردن يعتمد على المساعدات المالية الخارجية التي مصدرها في الاساس الولايات المتحدة وعدد من الدول الاوروبية والدول العربية المنتجة للنفط في الخليج واليابان ومؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي. ازاء الزيادة في نفقات الحكومة كأكبر مشغل في السوق الاردنية، يضاف الى ذلك العبء المرتبط باستيعاب مليون ونصف لاجيء سوري والوقف شبه التام للمساعدة من دول الخليج وعبء الدين الملقى على الاردن، زاد الى درجة عدم القدرة على تسديد الدين. في 2016 اجرى صندوق النقد الدولي مفاوضات مطولة مع الاردن، تم اجمالها باستعداد الاردن لتبني عدد من الخطوات المالية، التي تستهدف مواجهة عبء الدين الحكومي، الذي يبلغ 40 مليار دولار، أو حسب تقديرات اخرى، 95 في المئة من الانتاج المحلي الخام. المشكلة التي تواجه دول مثل الاردن ليست حجم الدين فقط، بل القدرة على التسديد. في الولايات المتحدة مثلا نسبة الدين للناتج الاجمالي المحلي تصل الى 105 في المئة. ولكن القليلين يشككون في قدرة الولايات المتحدة على التسديد.
في تموز 2017 عاد صندوق النقد الدولي لمناقشة وضع الاردن. القلق من وضع الاردن ظهر من الصيغة المعتدلة للبيان الذي اعطي لوسائل الاعلام بعد النقاش. في هذا البيان تمت الاشارة الى بطالة (رسمية) تقدر بـ 18.2 في المئة (استطلاعات مختلفة تشير الى بطالة اكثر من 30 في المئة في اوساط أبناء جيل 30 فما فوق وفي اوساط النساء) وابطاء المساعدة من دول الخليج وعبء اللاجئين السوريين. ادارة الصندوق زادت حدة الرسالة التي ارسلتها الى السلطات في الاردن قبل سنة من اجل الحاجة الى الغاء المعفيين من دفع ضريبة الاستيراد وضريبة البيع (المعروفة في اسرائيل بضريبة القيمة المضافة)، وكذلك ضرورة تحسين وتعميق جباية الضرائب وتقليص نفقات الحكومة. هذه التوصيات وغيرها دفعت الحكومة الاردنية الى تبني جزء منها في بداية 2018. في كانون الثاني تم توحيد المستويات الدنيا لضريبة البيع من 8 – 14 في المئة الى مستوى 10 في المئة، ورفع الضريبة على الوقود والسجائر. وبعد بضعة ايام تم الغاء الدعم على الطحين. خطوة مشابهة أدت في العام 1996 الى المظاهرات والاضطرابات على ارض المملكة.
فعليا، منذ كانون الثاني 2018 ثارت النيران السياسية في الاردن ووصلت الى نقطة الغليان عندما قدمت الحكومة مشروع القانون الذي تضمن التغييرات في ضريبة الدخل (تحديد عتبة 7 آلاف دينار أي ما يعادل 11 ألف دولار لبداية فرض الضريبة، رفع ضريبة الشركات من 35 الى 40 في المئة، اضافة الى رفع ضرائب اخرى) للمصادقة عليه من مجلس النواب والاعيان. هذا كان الاشارة لاندلاع المظاهرات بحجم لم يعرف الاردن مثله منذ سنوات كثيرة. المظاهرات التي نظم معظمها من قبل النقابات المهنية جرت عشرات آلاف المشاركين وتميزت بأمرين: ركزت على مشروع القانون وعلى رئيس الحكومة. ولم تكن عنيفة – سواء من ناحية المتظاهرين أو من ناحية قوات الامن، والتي كالعادة في اوضاع كهذه تواجدت بأعداد كبيرة. المتظاهرون لم يرفعوا شعارات ولم يطلقوا نداءات ضد الملك. اضافة الى ذلك، صورة ولي العهد، الامير حسين بن عبد الله، وهو يتواجد في احدى المظاهرات في الدوار الرابع في عمان، ظهرت في الشبكات الاجتماعية. هذه الميزات تقود الى استنتاج بأن النظام لا يواجه خطر. رغم أنه يقف في امتحان جدي يتعلق بالقدرة على الخروج من وضع سبق للاردن أن وجد نفسه فيه في السابق.
ولكن ابعاد الازمة الحالية اكبر بأضعاف من السابق بالنسبة لعوامله الاقتصادية. يشار الى أنه في اعقاب مظاهرات “الربيع العربي” التي جرت في الاردن في 2011 – 2012 (التي لا توجد علاقة بينها وبين المظاهرات الحالية) تم تغيير البرلمان الاردني كجزء من الاصلاحات التي وافق عليها الملك نتيجة لذلك. النظام يحظى بقدرة قليلة على المناورة والتأثير على قراراته بالنسبة للماضي. قبل اقالة رئيس الحكومة اقترح رئيس البرلمان على الملك عقد جلسة طارئة بعد أن يتم اسقاط مشروع القرار بالتصويت. هذا، وبعد أن اعلن 90 عضو من بين الـ 130 نائب في البرلمان أنهم سيصوتون ضد مشروع القرار. يصعب علينا تذكر وضع فيه البرلمان الاردني يسقط تبني خط اقتصادي حكومي، الذي لا يوجد شك في أن الملك اعطى موافقته عليه.
إن اقالة رئيس الحكومة هاني الملقي ربما تهديء لفترة قصيرة الوضع، لكنها لن تحل المشكلة الاساسية التي يجب على الملك وكل رئيس حكومة يعينه مواجهتها: كيفية تخلص الاردن من الدائرة المفرغة لتراكم الديون وتضاؤل القدرة على السداد. الحل في المستويات الثلاثة – القصير والمتوسط والبعيد – يوجد في جزء منه في الاردن وفي جزء آخر في المجتمع الدولي. لا يوجد بديل للاردن، لكل تنوع طيفه الديمغرافي والاقتصادي، لا يتضمن مكونات دواء صندوق النقد الدولي. يمكن تمديد تطبيق السياسة التي يطالب بها الصندوق على مدى فترة طويلة اكثر، لكن ليس هناك حل سحري آخر. ايضا لنقابة الاطباء ونقابة المهندسين ونقابة المحامين في الاردن لا يوجد حل راديكالي آخر، ومن المعقول الافتراض أنه خلال الحوار الذي يجرونه مع الملك والحكومة الجديدة سيتوصلون الى تسويات لا تبتعد بصورة جوهرية عن وصفة صندوق النقد الدولي.
يوجد للمجتمع الدولي بالطبع دور مركزي في اشفاء الوضع الاقتصادي للاردن. يوجد للدول العربية المنتجة للنفط مصلحة واضحة في استقرار الاردن. رغم الانخفاض المتراكم في اسعار النفط، من 100 دولار للبرميل الى اقل من 70 دولار حسب السعر الحالي، يوجد لهذه الدول قدرة على تجديد المساعدات المالية السنوية للاردن – في 2011 قررت منظمة التعاون لدول الخليج منح الاردن 5 مليارات دولار على مدى خمس سنوات. يمكن مساعدة الاردن من قبل منظمات مختلفة من اجل التسهيل عليه لاستيعاب اللاجئين السوريين. على ضوء وضوح الوضع البائس بأنهم لا ينوون العودة الى بلادهم في المستقبل القريب. المجتمع الدولي يجب بناء على ذلك الاستعداد لحلول دائمة للاجئين في اماكن تواجدهم الحالية، وفي هذا الاطار زيادة المساعدة للدول المستضيفة ومنها الاردن.
يوجد لاسرائيل مصلحة كبيرة في الحفاظ على استقرار الاردن والنظام فيه. على الرغم من سلوك الاردن العلني في الساحة الدولية في موضوع النزاع الاسرائيلي الفلسطيني والذي يثير غضب اسرائيل. من المهم الاشارة الى المساعدة المباشرة وغير المباشرة لأمن اسرائيل، التي تمثلت في السنوات الاخيرة بكونه منطقة فاصلة بين اسرائيل وتنظيم الدولة الاسلامية (داعش). اسرائيل يمكنها مساعدة اقتصاد الاردن وميزانيته، مثلا من خلال استيراد منتجات اقتصادية وصناعية من الاردن مثل الاسمنت بكميات اكبر، خفض اسعار المياه المباعة للاردن، نقل جزء من التصدير الى الشرق الاقصى عبر ميناء العقبة والاستعداد لشراء كهرباء مولدة بالطاقة الشمسية من الاردن. السياحة هي مصدر دخل هام بالنسبة للاردن ومجال يمكن للتعاون بين الدولتين أن يرفع العدد الاجمالي للسياح الذين يأتون الى المنطقة.