ترجمات عبرية

عوديد عيران / عوائق جديدة امام تصدير الغاز الطبيعي الاسرائيلي

نظرة عليا – بقلم  عوديد عيران وعيلي رتيغ  – 15/7/2018

من ناحية اقتصادية، تركيا هي هدف التصدير الاكثر بساطة وكمالا بالنسبة لشركات الغاز في اسرائيل. فمطالب الاقتصاد التركي لاستيراد الغاز الطبيعي ستزداد بشكل كبير في السنوات القادمة من 55 مليار متر مكعب في 2017 الى نحو 75 مليار متر مكعب في 2025. ومن المتوقع لروسيا أن تملأ نحو نصف هذه الكمية (50 حتى 60 في المئة) وايران 20 في المئة اخرى وأذربيجان نحو 10 في المئة. على نحو خمس الكمية، نحو 15 مليار متر مكعب في السنة، سيتنافس مصدرون آخرون للغاز مثل العراق، تركمانستان وربما اسرائيل. يقدر بان اسرائيل يمكنها أن تورد لتركيا بين 8 و 6 مليار متر مكعب في السنة، على مدى 15 سنة، مع الاخذ بالاعتبار قيود استيعاب الانبوب التحت بحري والصفقات التي ستنجح شركات الغاز في عقدها مع تركيا. اضافة الى ذلك، فان تركيا تشكل امكانية عبور مريحة للغاز الاسرائيلي في طريقه الى اوروبا. كلفة تمديد انبوب الى الشاطيء الجنوبي التركي أدنى من بديل بناء انبوب مباشر الى اوروبا عبر اليونان، او اقامة منشأت تسييل متخصصة في الاراضي الاسرائيلية. كما أن تركيا مستعدة لان تدفع لقاء الغاز الاسرائيلي اكثر مما تدفعه الان على الغاز الروسي، كونها معنية بتخفيض تعلقها بروسيا. كل هذه كان يفترض ان تجعل تركيا الهدف المنشود اكثر من غيره بالنسبة للغاز الاسرائيلي.

ومع ذلك، توجد عوائق سياسية وجغرافية سياسية كثيرة وثقيلة الوزن امام الاستثمار في مشروع باهظ بهذا القدر. أولا، مسار الانبوب الاقصر من حقول الغاز الاسرائيلية الى الشاطيء التركي يحتاج لان يجتاز المنطقة الاقتصادية الحصرية لدولتين – هما لبنان وسوريا. ومع ان القانون الدولي لا يمنع تمديد انابيب في المياه الاقتصادية لـ “دولة عدو”، فان الخطر الامني الكامن في هذه الحالة من شأنه ان يجبر سلاح البحرية الاسرائيلي الى الدفاع عن مسار الانبوب على طوله تقريبا. مسار محتمل آخر للانبوب هو عبر المنطقة الاقتصادية لقبرص، والتي نظريا لا يحتاج الى تسوية النزاع بين تركيا وقبرص. اما عمليا فكل طرف يستخدم في السنوات الاخيرة مسألة الغاز كأداة مساومة سياسية ومعقول أن الاتفاق لتمديد الانبوب سيحتاج الى تسوية واسعة لعموم حقوق الحفر والتنقيب حول قبرص، الامر الذي من شأنه أن يجعل تحقيق الخطوة صعبا.

أهم من هذا، فان العلاقات الاقليمية لتركيا بشكل عام، وعلاقاتها مع اسرائيل شكل خاص، لا توفر لشركات الغاز الاستقرار اللازم لغرض اقامة انبوب بين الدول. فتدهور العلاقات الثنائية بين تركيا واسرائيل، والذي بدأ في نهاية 2008، وان كان توقف مؤقتا في اعقاب “اتفاق التطبيع” بين الدولتين في حزيران 2016، الا انه استؤنف بقوة اكبر في اعقاب أحداث عنف وقعت في السنة الاخيرة في الحرم وفي ساحة غزة.

كما ان اعادة انتخاب اردوغان للرئاسة تضيف هي الاخرى مصاعب في هذا السياق. فقبل فوزه في الانتخابات الاخيرة، قاد اردوغان تركيا في مسار اشكالي من ناحية شركاء تركيا التقليديين ايضا. فاستعداده لتعزيز التعاون مع روسيا وايران اثار علامات استفهام لدى باقي اعضاء الناتو، ومثله ايصا سيطرة الجيش التركي على جزء من شمال سوريا. ان وقوف تركيا الى جانب قطر في النزاع بينها وبين دول عربية اخرى في الخليج فاقم صورتها الاشكالية في نظرها. وينبغي أن يضاف الى ذلك نجاح اردوغان في خلق نظام رئاسي – سلطوي في تركيا، يمس بصورتها بين اعضاء الاتحاد الاوروبي.

في وضع الامور الحالي، مشكوك جدا أن يقر اردوغان اتفاق ارتباط بموجبه تورد شركات اسرائيلية الغاز الطبيعي الى تركيا. مشكوك ايضا أن توافق شركات الغاز نفسها على أخذ المخاطرة التي في التورط مع رئيس تركي معاد لاسرائيل بهذا القدر. ولكن، لاردوغان ايضا اعتباراته الاقتصادية – القومية التي يفترض أن تتغلب على الرغبة في المس بالامحافل الاقتصادية  الاسرائيلية ومن هنا فانه اذا اقرت الحكومة التركية صفقة لتوريد الغاز الاسرائيلي، فمعقول ان تخرج الى حيز التنفيذ. على الرغم من ذلك، فالرأي يقول ان الشركات التي ستشارك في الصفقة ستكون مطالبة بأن تدفع رسوما عالية على تأمين مخاطر التجارية الخارجية، مما سيقلل جدوى الصفقة، اضافة الى باقي عوامل انعدام اليقين التي تنطوي عليها الصفقة.

لا يتبقى لشركة الغاز في اسرائيل عمليا سوى بديل هام واحد لتصدير الغاز، وهو مصر ومنشآت التسييل لها في ادكو ودمياط. وكميات الغاز الضرورية للاردن والفلسطينيين هي هامشية نسبيا، وفكرة بناء انبوب تحت بحري مباشر الى اليونان عديمة كل منطق اقتصادي، اضافة الى المصاعب الفنية التي ينطوي عليها تمديده. في شباط 2018 وقعت الشركة الاسرائيلية في “تمار” و “لافيتان” على اتفاق مع شركة دولفينوس المصرية لتوريد 64 مليار متر مكعب من الغاز على مدى عشر سنوات. ومع نشر البيان، ثارت اسئلة تتعلق بضرورة الصفقة لمصر. فبعد سنوات من النقص في اقتصاد الغاز المصري، توجد مصر الان على شفا ثورة، يتوقع لها أن تؤدي بها الى الاستقلال التام. فحقل زوهر العظيم، الذي اكتشف قبل ثلاث سنوات، ينتج الان نحو 11 مليار متر مكعب في السنة للاقتصاد المصري، ومن المتوقع ان يصل الى انتاج نحو 29 مليار متر مكعب في السنة في نهاية 2019. اضافة الى ذلك، هناك تقارير أولية حول اكتشاف حقل اكبر بكثير في مصر باسم نور. اذا لم تؤكد الفحوصات الكاملة وجود حقل جدير بالاستثمار والانتاج، فان الاستيراد من اسرائيل بالفعل سيساعد في سد ثغرات توريد الغاز الطبيعي في مصر للمدى القصير، والى جانب صفقة التصدير الى الاردن سيضمن الاستثمار في تطوير لافيتان. ولكن كل كمية تجارية اخرى تكتشف وتنتج في مصر ستقلص جدا جدوى استيراد الغاز من اسرائيل.

خطر أكبر ينشأ عن التقارير حول اكتشاف حقل جديد في مصر هو منع امكانية استخدام منشآت التسييل التي توجد في اراضيها. فالحقل الجديد سيلبي الطلب المصري للغاز في المستقبل المنظور وسيوقظ من جديد الرغبة المصرية للتصدير ا لى اوروبا عبر المنشآت التي تعمل اليوم بشكل جزئي فقط. في هذا الوضع، لن يكون مكان  في هذه المنشآت للغاز الاسرائيلي، وامكانية أن تصدر اسرائيل الغاز السائل الى اوروبا عبر مصر ستلغى. وبالفعل، فان الحقل الكبير كفيل بان يشجع منشأة تسييل اخرى في مصر او توسيع المنشآت القادمة، ولكن كل زيادة كهذه ستحتاج الى استثمار مالي كبير وبالاساس الى زمن طويل.

يوجد في الغاز الطبيعي الذي اكتشف في المياه الاقتصادية لاسرائيل امكانية كامنة لارباح ضخمة ومداخيل لصندوق الدولة، وكذا لتحسين علاقات اسرائيل مع جيرانها، ولكن طول المسيرة السياسية الداخلية في اسرائيل، المرتبطة بتطوير الحقول، اضافة الى تلك التطورات التي سجلت مؤخرا في تركيا وفي مصر، تجعل من الصعب على اسرائيل تنفيذ هذا الوعد. اضافة الى ذلك، فان المنتجات الحاليات والمحتملات الاخرى في المنطقة (مصر، السلطة الفلسطينية، لبنان وقبرص) لا تستفيد على أي حال من الامكانية الكامنة الاقتصادية والسياسية الموجودة في الغاز الطبيعي، لانها لا تتغلب على النزاعات بينها واحيانا تعمل بنفسها بخلاف مصلحتها الاقتصادية الصرفة.

فوائد اخرى يمكن أن تستخلص من الغاز غير متعلقة بالدول المحيطة باسرائيل. وهذه تتضمن التوفير المالي الكبير من الاستخدام المتعاظم للغاز في الصناعة، الزراعة والمواصلات في اسرائيل، والتقليل من التلوث في الهواء الناجم عن ذلك. ومع ذلك، يجدر بالذكر بانه حتى في السيناريو الاكثر تفاؤلا، فان الاقتصاد الاسرائيلي لا يمكنه ان يستوعب كميات كبيرة بما يكفي من الغاز في السنوات القريبة كي يبرر تطوير حفل لافيتان.اذا لم تنفذ صفقة تصدير الغاز لمصر، فان شركات الغاز ستصبح متعلقة بصفقة التصدير الصغيرة نسبيا مع الاردن كالصفقة المرساة الوحيدة لها – مما يضع في خطر تطوير الحقل ويترك اسرائيل دون اسناد كاف في حالة الخلل الطويل في حقل تمار. وعليه، على شركات الغاز أن تدفع نحو تنفيذ صفقة التصدير مع مصر، طالما يوجد النقص المصري في الغاز، وعلى حكومة اسرائيل أن تساعد في ذلك من خلف الكواليس بقدر ما يتطلب الامر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى