عوديد عيران – الغاز الطبيعي، المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية لاسرائيل
نظرة عليا – بقلم عوديد عيران – 17/10/2018
في 19 شباط 2018 اعلنت مجموعتان، تملكان حقل الغاز الطبيعي تمار العامل منذ الآن، وحقل لفيتان، عن اتفاق مع شركة المصرية Delphinusلبيع 3.5 مليار متر مكعب في السنة واجمالي 32 مليار متر مكعب من تمار وكميات مماثلة من لفيتان. وتبلغ القيمة العامة المقدرة للصفقة، كما افادت الشركات، 15 مليار دولار.
في 27 ايلول 2018 اعلنت ديلك للتنقيبات – التي هي جزء من مجموعة الشركات الاسرائيلية التي تملك الحقوق بالتنقيب عن الغاز الطبيعي في نطاق المنطقة الاقتصادية الحصرية لاسرائيل، بأن شركة East Mediterranian Pipeline (EMED)، التي تملك 25 في المئة منها، اشترت جزء من الشركة المصرية Eastern Mediterranian Gaz (EMG)، يصل الى 29 في المئة أو 518 مليون دولار، بانبوب النفط الذي يمتد على طول 90 كم، من عسقلان في اسرائيل الى العريش في مصر، وكذا الحق الحصري لتفعيله. هذا الانبوب هو جزء من الانبوب الذي نقل الغاز الطبيعي من مصر الى اسرائيل والاردن (عبر انبوب آخر، يمتد من العريش الى العقبة). فالاضرار المتكررة التي الحقتها بهذه الانابيب منظمات الارهاب المحلية وضعت حدا لضخ الغاز من مصر الى جيرانها (المقطع الى العريش – عسقلان، بقي دون ضرر).
يشترط التوقيع النهائي على الصفقة بالحصول على عدد من المصادقات من حكومتي مصر واسرائيل، اجراء فحوصات عملية واصلاحات، اضافة الى رفع المستوى الكفيل بزيادة طاقة الضخ السنوية، من 7 الى 9 مليار متر مكعب في السنة، بكلفة 30 مليون دولار. كاضافة هامة تجدر الاشارة الى أن الصفقة النهائية كفيلة بأن تتضمن ايضا الاستخدام لانبوب العقبة – العريش لغرض توريد الغاز من اسرائيل الى مصر.
مع شرائها جزء من الانبوب المصري تأخذ على عاتقها الشركة الاسرائيلية – الامريكية مخاطرة جسورة كي تؤكد تنفيذ الاتفاق لتوريد 64 مليار متر مكعب في العقد الذي يبدأ في 2019. ولكن، فضلا عن الجوانب الاقتصادية، ستكون لهذه الخطوة آثار سياسية ايضا. حاليا، فان الشارين غير الاسرائيليين الوحيدين للغاز الطبيعي من اسرائيل هم مصر، الاردن والفلسطينيون. من اصل نحو 400 مليار متر مكعب متوفرة الآن وفي المستقبل للتصدير وفقا لقرار حكومة اسرائيل، توجد التزامات شراء لـ 115 مليار متر مكعب فقط. كل الصفقات الثلاثة مستقرة من ناحية تجارية، ولكنها عرضة لعدد من المخاطر السياسية والامنية، وكذا المنافسة التجارية المحتملة. في غياب كل سوق متوفر آخر، فان مصر هي السوق الاكبر بالنسبة للغاز الاسرائيلي طالما لا تعد مقدراتها بتلبية كامل احتياجاتها. لا شك أن حقل زوهر سيوفر معظم الاستهلاك المحلي، والتوقعات بالنسبة للحقول الثلاثة المختلفة (دلتا غربي النيل، نوروس، أتول) تعتبر واعدة. والكميات التي تصل من اسرائيل كفيلة بأن تستخدم لاغلاق الفجوة الى أن تلبي المقدرات المصرية الطلب. ومن المتوقع للطلب والعرض أن يتوازنا في 2019 – 2020. ومع ذلك فان الصفقة الاخيرة بين اسرائيل ومصر لا تزال ستكون هامة بسبب الامكانية لتوجيه الغاز الاسرائيلي الى منشآت التسييل امام الشاطيء المصري. كما أن الصفقة كفيلة بأن تؤدي الى حل الخلافات التجارية بين شركة الكهرباء الاسرائيلية والشركة المصرية EMG ومجموعة شركات مصرية، بالنسبة للتعويض على الغاز الذي لم يوفره الجانب المصري.
لقد شرحت وزارة النفط المصرية، التي اعطت مباركتها للصفقة، شرحت اعتباراتها للمصادقة التي أقرتها في 27 ايلول 2018 بقولها: “… وأخيرا في ضوء جهود الوزارة لتسوية الخلافات المعلقة مع المستثمرين بالشروط التي تكون في صالح الطرفين”. وبالفعل، فان اعلان ديلك للتنقيب في 27 ايلول 2018 يتضمن تصريحا يفيد بأن اصحاب الاسهم في الشركة المصرية EMG التي بيعت لديلك – نوبل قد ألغوا مطالباتهم ضد الحكومة المصرية والشركات المصرية التي بملكيتها. هذا الاعلان لا يتطرق الى مطالبة شركة الكهرباء الاسرائيلية، التي الى جانب مطالبة الـ EMG، كانت موضوع الحل الوسط الذي عرض على محكمة التحكيم الدولية، التي قررت في كانون الاول 2015 دفع 1.76 مليار دولار لشركة الكهرباء الاسرائيلية و324 مليون دولار للشركة المصرية EMG – الاخيرة فازت ايضا بقرار في محكمة في مصر لتعويض الحكومة المصرية. ومع ذلك، حتى الآن لم تتلقEMG أي دفعة. ومع أن الخلاف هو تجاري، فان لحكومتي اسرائيل ومصر مصلحة واضحة في منعها من أن تكون عائقا للتعاون بينهما، ولا شك أن الاتفاق الذي وقع مؤخرا يشكل خطوة في هذا الاتجاه.
لغرض ضمان أمان الانبوب شددت الحكومة المصرية جهودها لمكافحة المجموعات المسلحة في سيناء، التي هاجمت قوات الجيش والشرطة، وكذا ممتلكات مثل الانبوب. ومع ذلك، لا يمكن استبعاد امكانية محاولة تخريب متجددة.
إن الاتفاقات لبيع الغاز لمصر ولشراء قسم من الانبوب تأتي ايضا على خلفية جعل الخيارات الاخرى لبيع ونقل الغاز الطبيعي قابلة للتطبيق أقل. فالسوق التركية كان يمكنها أن تشكل خيارا جذابا للغاز الاسرائيلي ولغاز دول اخرى في شرق البحر المتوسط. ومع ذلك، عدم القدرة على توقع السلوك السياسي للنظام الحالي في تركيا، والذي يجد تعبيره ايضا في موقفه من اسرائيل، اضافة الى غياب الاستقرار السياسي في لبنان وفي سوريا وغياب حل سياسي للنزاع في قبرص، كل هذا يجعل بيع الغاز الطبيعي لتركيا واستخدام هذه الدولة كمركز توزيع لاسواق اخرى غير قابل للتطبيق عمليا وخطير لاسباب سياسية وأمنية. وعليه، فان عدم الاستقرار السياسي في تركيا يمس بجاذبية هذا الخيار لتصدير الغاز الطبيعي من اسرائيل.
الخيار الثالث لتمديد انبوب من الشواطيء الشرقية للبحر المتوسط عبر قبرص الى اليونان معقد جدا من ناحية فنية وهو عرضة لعدد من المشاكل السياسية، المتعلقة بالنزاع في قبرص. كما أن هذه الامكانية متعلقة اقتصاديا ايضا باستعداد دول منتجة اخرى في شرق البحر المتوسط لاقتسام امكانياتها مع اسرائيل كي تبرر الاستثمار المالي الهائل اللازم. من ناحية سياسية ينطوي هذا المشروع على فضائل سياسية واقتصادية لاسرائيل، لأنه يضمن سوقا كبيرة ومستقرة، يضيف بعدا هاما لعلاقات اسرائيل مع الاتحاد الاوروبي التي تراوح في مكانها منذ زمن بعيد، ويزيد الاستقرار في شرق البحر المتوسط، لأن كل المنتجين والمستخدمين للانبوب سيصبحون معنيين بالمداخيل التي ستنبع من نشاطه الآمن والمتواصل. ولكن، يدور الحديث عن مشروع للمدى البعيد، ولا سيما اذا اخذنا بالحسبان حقيقة أن عددا من الشروط المسبقة لتمديده ليست قائمة.
وعليه، فان الخيار المصري – سواء كان كسوق أم كجسر لتصدير الغاز السائل الى اوروبا – هو الخيار القائم والقابل للعيش الوحيد لتصدير الغاز الطبيعي من اسرائيل. وهو يضيف بعدا آخر للتطور الايجابي في العلاقات بين اسرائيل ومصر، إذ من الاهمية بمكان توسيعها الى ما يتجاوز التعاون الامني الوثيق. ولكن صفقة شراء قسم من الانبوب المصري، اضافة الى البيع المستقبلي للغاز لمصر، لا تزال ينطوي على مخاطر معينة. فالعلاقات الاسرائيلية الحالية مع مصر هي كما يبدو افضل من أي وقت مضى، ولكن هذا على المستوى الحكومي، ومعنى الامر أن صفقات الغاز وقعت بين الشركات ولكن تنفيذها سيتبع الاعتبارات السياسية للحكومة المصرية. ثانيا، الحقول الطبيعية المصرية كفيلة بأن تتسع بقدر كبير وهي كفيلة بأن تؤثر على الحوافز والاعتبارات المصرية في كل ما يتعلق بشراء الغاز أو بالقدرات المتوفرة للتسييل في منشآتها.
إن مسألة الغاز الذي يوجد في البحر امام شواطيء قطاع غزة (حقل غزة – مارين) لا توجد على جدول الاعمال. وذلك في اعقاب الكمية لمتواضعة جدا، 30 مليار متر مكعب، الوضع الاقتصادي الصعب والمستقبل السياسي غير الواضح للمنطقة. فالمحادثات التي تجريها مصر على نحو منفرد مع اسرائيل، السلطة الفلسطينية وحماس، بهدف استقرار الوضع في غزة، كفيلة بأن تساعد النقاش في الخطط التي تستهدف تحسين الوضع الاقتصادي في القطاع وبينها استغلال حقل مارين. إن الغاز الطبيعي، اذا ما اكتشف، يمكنه أن يباع لاسرائيل أو لمصر من خلال اضافة انبوب قصير لانبوب عسقلان – العريش، بينما تربط غزة والضفة الغربية بشبكة الكهرباء الاسرائيلية، وهكذا يوفر قسم هام من الاستثمار المطلوب لغرض ربط حقل مارين مباشرة بغزة وبالضفة الغربية.
مع الاخذ بالحسبان احتمالات الجدوى المتدنية للخيارات الاخرى، فان الحاجة الى زيادة مبيعات الغاز الطبيعي في اسرائيل نفسها وللاسواق الخارجية لتبرير الاستثمار اللازم في تنمية حقل لفيتان، وكذا من اجل تنويع العلاقات بين اسرائيل ومصر، فان شراء الحقوق في انبوب عسقلان – العريش هو خطوة هامة تتم في التوقيت السليم.