عودة بشارات : الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط ليست اسرائيل
هآرتس – بقلم عودة بشارات – 11/6/2018
مئات آلاف المواطنين الاردنيين ملأوا شوارع المدن في المملكة في مظاهرات عاصفة، حتى كتابة هذه السطور لم يتم كسر ركبة أي متظاهر، لا قبل الاعتقال ولا في المعتقل. هذا اذا كانت هناك اعتقالات. لم يخرج أي رئيس بلدية ضد المتظاهرين الذين جاءوا من خارج مدينته بذريعة أنهم محرضون. كل ذلك دون التطرق الى المظاهرات على الحدود في قطاع غزة. فهناك يوجد من ينفعل من عدد الاشخاص الذين بقوا على قيد الحياة بفضل القناصة الاسرائيليين الرحيمين.
اذا كانت الحقيقة هي التي تقود التاريخ فقد حان الوقت للاعلان بصوت عال أن الاردن، وليس اسرائيل، هي الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط. بالمناسبة، المقاربة الوحشية هنا ضد المتظاهرين، باستثناء المستوطنين، هي من نصيب الجميع، متظاهرو الاحتجاج الاجتماعي، المتظاهرون ضد الفساد ومتظاهرو الطائفة الاثيوبية. هكذا تكفي تغذيتنا بمقولة أننا لو كنا في دولة عربية لما كنا نستطيع التظاهر. هنا الاردن تفوق على اسرائيل، ملكه اكثر ديمقراطية، شرطته تدير حوار محترم مع المتظاهرين، ايضا زي الشرطة الاردنيين ودي أكثر. هنا كل شرطي هو وحدة فولاذ متحركة.
اضافة الى ذلك، الاردن الفقير بالموارد الطبيعية استوعب اكثر من مليون لاجيء سوري، وقبل ذلك عدد مشابه من اللاجئين العراقيين، ولم يتم سماع أي احتجاج على فقدان الطابع الاردني للدولة. هكذا اذا كان هناك مثال يحتذى فان الاردنيين هم المثال. في اسرائيل فقط 35 ألف لاجيء يثيرون في الدولة كل الشياطين العنصريين والدولة تقوم بابعادهم الى السجون، بعيدا عن العين وبعيدا عن القلب.
اضافة الى ذلك، بعد الربيع العربي خسر الاردن حسب اقوال الملك عبد الله، 4 مليارات دولار بسبب وقف تزويد الغاز المصري والحروب المستمرة في سوريا والعراق التي تنهك اقتصاد الاردن.
الآن السعودية تريد اقناع الاردن بالموافقة على “صفقة القرن” التي اخترعها الامريكيون. اذا تم تنفيذ هذا المشروع فانه سيقوض المملكة. هذا الامر يشبه شخص يريد منك بكل أدب أن توافق على أن يقتلك. واذا قلت “لا” فغضب العالم كله سيصب عليك.
حسب التقارير في وسائل الاعلام، الامير السعودي محمد بن سلمان وبخ الملك عبد الله في زيارته الاخيرة الى السعودية لأنه تجرأ على معارضة نقل السفارة الامريكية الى القدس. وحسب وسائل الاعلام، الاردن كان يجب أن يحصل من السعودية ودول الخليج على 5 مليارات دولار خلال خمس سنوات، لكن كل شيء توقف بتوجيهات من اعلى، في حين أن البنك الدولي الذي يتصرف مثل أزعر في السوق السوداء يريد امواله الآن. الملك عبد الله غمز الى أن جهات معينة قالت له إن الامور ستتحرك فقط اذا وافق على نقل السفارة الامريكية الى القدس.
في الاردن الصفوف تزيد، القرارات الحكومية هذه المرة تمس بالطبقة الوسطى، لكن عندما يخرج الناس الى الشوارع فان جرس داخلي يدق بقوة في اوساط جميع المتظاهرين وفي اوساط النظام ايضا، بأن لا يتم تجاوز النقطة التي لا رجعة عنها. القصد هو عدم جعل الاحداث تشبه الاحداث التي جرت في الربيع العربي والتي دمرت دول وخلقت مآسي.
في حديث مع وسائل الاعلام الاردنية، لم يحاول عبد الله حتى الغمز، مثل أي زعيم عربي آخر، بأن هناك مؤامرة خارجية ضده. الملك نسب كل الذنب للحكومة والفساد وكسل عدد من الوزراء (يا حسرة علينا، كلما كان الوزراء هنا أقل نجاعة، فان العالم يبدو اجمل). اضافة الى ذلك، قال عبد الله إن الاردن يجب عليه الحفاظ على نظام الاحزاب لأن هذه هي الطريقة الوحيدة من اجل الحفاظ على الاستقرار السياسي.
ها هم العرب، خلافا لادعاء الفيلسوف هيغل، يتعلمون من التاريخ.