عن ضرورة عقد دورة المجلس الوطني..مهند عبد الحميد
بقلم : مهند عبد الحميد ٢٠-٣-٢٠١٨م
كان على الضعيف أن يعرف بالضبط كيف يكون قويا، وينسحب في الوقت الذي لا يستطيع فيه القوي من جرحه أو إهانته» ميلان كونديرا – رواية (خفة الكائن التي لا تحتمل )
ضغوط وحصار وتهديدات متزايدة هدفها هذه المرة وضع خاتمة كارثية للقضية الفلسطينية، وتقرير مصير الشعب الفلسطيني نيابة عنه ومن طرف واحد. يأتي ذلك عبر مشروع ما يسمى «صفقة القرن» التي تتدحرج خطواتها بقيادة إدارة ترامب وبمشاركة دول اقليمية وبصمت المراكز الدولية. الحلقة الاخطر في الصفقة هي تأمين غطاء فلسطيني سياسي وأداة فلسطينية تلتحق بالشركاء. وعندما رفضت المؤسسة الفلسطينية تأمين الغطاء السياسي جرى تجاوزها في اجتماع واشنطن الذي هدف لوضع آلية التدخل في غزة بدون مشاركة الشرعية الفلسطينية. والان يجري إعداد بدائل فلسطينية لتأمين الغطاء والشراكة. ويدور الحديث عن تأخير، إعلان الصفقة بانتظار توفير هذا العنصر الذي يعتبرونه شديد الاهمية.
يحدث ذلك، والعامل الفلسطيني غير مهيأ ولا مستعد لمواجهة بهذا المستوى الخطير، « كان على الضعيف أن يعرف بالضبط كيف يكون قويا» كما يقول ميلان كونديرا. فصفقة ترامب لم تأت من فراغ بل هي محاولة لتتويج ما فعلته سلطات الاحتلال الاسرائيلي على الارض منذ عقود طويلة وامتداد لسياساتها الاستيطانية وسرقة الاراضي والقمع والحصار والتمييز العنصري وتغيير معالم مدينة القدس. وكان من المفترض ان يصار الى تقوية العامل الفلسطيني بالتلازم مع صناعة الوقائع الاستعمارية على الارض وفي مواجهتها.
الان يدور الحديث عن « معالجة سياسية وتنظيمية شاملة»، عن الاتفاق على برنامج سياسي «ومجلس وطني توحيدي»، و»إصلاح كل النظام السياسي «والاتفاق على أجندة الإجماع» والعنوان هو «الاطار القيادي المنظم». مواقف مبدئية -غالبا لا يختلف معها كثيرون- جاءت على لسان قيادات من مختلف الاتجاهات السياسية في اللقاء الذي نظمه مركز السياسات. غير ان المشكلة تكمن في ترجمة تلك المواقف، وفي كيفية تحقيقها، فالاصلاح الغائب الدائم عن تنظيمات الحركة السياسية بمختلف تلاوينها لا يأتي مرة واحدة. والاصلاح في المؤسسة العامة المشتركة والنظام السياسي يرتبط بالاصلاح في المؤسسة الخاصة بكل تنظيم وفي مؤسسات المجتمع وفي غياب الثاني يصعب تحقيق الاول. ما اود قوله لا يمكن تحقيق الاصلاح وحل كل المشاكل والاختناقات المتراكمة منذ عقود. وخاصة عندما يطرح الإصلاح أثناء الهجوم الخارجي الشامل.
المطلوب هو تصليب وتقوية العامل الفلسطيني من خلال مواجهة الضغوط والاملاءات والتدخلات. بدءا بتعزيز الشرعية الفلسطينية المستهدفة راهنا، والتعزيز أثناء معركة سياسية كبرى لا يساوي إعادة فك وتركيب المنظمة ومؤسساتها.كان ذلك مطلوبا في شروط لم تكن فيه الشرعية مهددة ولم يكن الهجوم السياسي بهذا المستوى من الخطر. ثم لا يكون تعزيز الشرعية والحفاظ عليها وتطويرها بذهاب المؤسسة الشرعية الى إطار آخر اسمه (الاطار القيادي المؤقت) أي إلى استبدال اللجنة التنفيذية عمليا بذلك المسمى، بالعكس مطلوب من التنظيمات غير الممثلة في مؤسسات المنظمة دخول تلك المؤسسات وفقا للنظام المعمول به لتقوية المؤسسة أولا ، تمهيدا لإصلاحه، ولتصويب مكانة كل تنظيم استنادا لحجمه الفعلي، وبالاستناد لقواعد الديمقراطية التي تضمن التبادل السلمي لمراكز القرار، وتتجاوز نظام الكوتا. ثمة ظلم قائم في التركيبة القائمة حيث توجد تنظيمات لها ثقل شعبي مهم غير ممثلة في مؤسسات المنظمة، مقابل وجود تنظيمات ليس لها وزن شعبي ممثلة فيها. لا بد من تصويب هذا الظلم بدخول التنظيمات الى المؤسسة حتى لو كان في البداية رمزيا ومن ثم الشروع بتصويب الوضع .
في هذا الصدد يكتسب اجتماع المجلس الوطني أهمية استثنائية كونه سيحدد موقف الشرعية الفلسطينية المعتمدة دوليا وعربيا وفي كل المنظمات الاقليمية من صفقة القرن وكل محاولات تصفية القضية الفلسطينية وكل اشكال التدخل في الشأن الفلسطيني ولا سيما صناعة بدائل للشرعية الفلسطينية. مقابل ذلك فإن وضع شروط يحتاج تحقيقها الى مدى زمني طويل، هذه الشروط تحول المعركة ضد صفقة العصر الى معركة داخلية. ومن الناحية المبدئية فإن عقد المجلس وفقا للنظام لا يبرر مقاطعته من قبل بعض التنظيمات العضو في المنظمة.
إن إصلاح مؤسسات المنظمة بدءا بالمجلس الوطني يرتبط بتجديد العقد الوطني وبوضع آلية ملموسة للانتقال من الاقوال الى الافعال بدون شروط مسبقة. آلية ديمقراطية تتحرر أولا من هيمنة التنظيم الحاكم التاريخية (فتح) والحاقه السلطات الثلاث لسيطرته بما في ذلك الاجهزة الامنية وسيطرته على المال، واتباع كل ما من شأنه المس بالديمقراطية. إن استحواذ أي تنظيم على الاكثرية لا يسمح له بتجاوز المهنية وانتهاك الديمقراطية والاستئثار المطلق بالسلطات، فالمجتمع والتجمعات الفلسطينية مليئة بالكفاءات المتنوعة. وفي الجهة الاخرى لا يمكن تحميل المنظمة ومؤسساتها مسؤولية الخطأ التاريخي للاخوان المسلمين وفرعهم الفلسطيني في الامتناع عن دخول منظمة التحرير بكل مؤسساتها وبخاصة بعد أن تكرست كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني عربيا وعالميا. كما لا يمكن الركون الى قوى سياسية تستند الى ايديولوجيا تعتمد التكفير في خطابها الديني ولا تمارس التعدد الديني والثقافي والسياسي إلا في حدود تكتيكية، وتعتمد على رؤية كانت تعمل طوال الوقت بالتوازي مع الرؤية الوطنية للتحرر وقدمت الهوية الدينية كبديل للهوية الوطنية الجامعة، واعتمدت مراكز خارجية كمرجعية بديلة للمرجعية الوطنية «المؤسساتية». إن حسم حركتي حماس والجهاد الاسلامي لهذه القضايا، يجعل من مشاركتهما محط ثقة ويضع نهاية سعيدة لمسارين متوازيين. كما لا يمكن الركون الى حركة حماس التي استخدمت العنف في حسم الخلاف السياسي والتنظيمي وسيطرت بالقوة على قطاع غزة، وقبلت بلون واحد للمجلس التشريعي وساهمت بتجميده وبتعطيل الديمقراطية، بدون مراجعة تلك السياسة ونقدها واعتماد سياسة أخرى تضمن التبادل السلمي لمركز القرار وتضمن اعتماد الاسلوب الديمقراطي السلمي في حل الخلافات السياسية والتنظيمية، ما يجعل من صعود تنظيم وهبوط آخر مسألة عادية. بدون اعتماد ذلك يبقى الحديث عن الوحدة الوطنية وانهاء الانقسام كلام بلا مضمون.
يجب الاستعاضة عن الكلام الجميل حول الوحدة وانهاء الانقسام من قبل الاطراف الاخرى افرادا ومؤسسات وقوى، بتحديد ما هو المطلوب من الطرفين دون لبس اومجاملة، وممارسة النقد للاسباب التي ادت الى الانقسام، وتنظيم الضغوط الجماهيرية على الاطراف غير المستجيبة، وبناء قطب ثالث مستقل هو اقصر الطرق لانهاء الحالة الشاذة.