عميره هاس / حرية الحركة وحدها ستنقذ قطاع غزة
هآرتس – بقلم عميره هاس – 27/6/2018
في الوضع الاقتصادي والبيئي الخطير والمعروف لقطاع غزة فان كل حل تقني مقترح شريطة تنفيذه، يمكنه وقف التدهور قليلا. هكذا يتم تنفيذ تسهيلات محدودة تم الحديث عنها في التسريبات الاخيرة في وسائل الاعلام الاسرائيلية والتي تم تضخيم اهميتها. ولكن الامر الوحيد الذي يمكنه حقا انقاذ القطاع هو زيادة سريعة وفورية لمصادر المعيشة والدخل. وأي حل تقني، وحتى تجنيد دول الخليج كدول مساهمة، لن يتمكن من انقاذ القطاع من الضائقة التي وجد نفسه فيها بعد 27 سنة من الحصار الاسرائيلي، الذي نتائجه المباشرة هي البطالة لنصف قوة العمل تقريبا (اغلبها في اوساط الشباب)؛ افقار قطاعات ثرية مثل التجار والمنتجين والمقاولين، انخفاض مستوى التعليم والصحة وهروب الادمغة.
في القطاع لا يوجد نقص لرجال الاعمال، والاشخاص ذوي المؤهلات الذين يطمحون الى اعالة انفسهم وعائلاتهم وأن لا يكونوا معتمدين على الهبات والصدقات المهينة. زيادة سريعة لمصادر الرزق سيتم تنفيذها بواسطة اعادة حرية الحركة لسكان القطاع، لا سيما الى اسرائيل والضفة الغربية، وعبرها الى الدول الاخرى في المنطقة، ليس فقط لمصر الفقيرة والقاهرة البعيدة. هكذا ايضا سينمو كل الاقتصاد الفلسطيني.
في تقرير البنك الدولي في آذار الماضي جاء: السوق القائمة اليوم في غزة لا تستطيع عرض ما يكفي من العمل والدخل، وهكذا تبقي مجموعة سكانية واسعة في حالة يأس، بالاساس فئة الشباب. التصدير من غزة هو فقط جزء صغير من مستواه قبل الحصار. والقطاع الانتاجي تقلص بنحو 60 في المئة في العشرين سنة الاخيرة. الاقتصاد لا يمكنه أن يبقى على قيد الحياة دون صلة بالعالم الخارجي. تغييرات صغيرة في نظام القيود المفروضة الآن على القطاع لن تكفي. المشاريع المقترحة لزيادة توفير المياه والكهرباء مباركة. ولكن اذا لم تكن فرصة لزيادة الدخل بواسطة توسيع التجارة فمن المشكوك فيه اذا كانت هذه الاستثمارات ستكون قابلة للحياة.
مجموعة بحث اسرائيلية فلسطينية باسم “إيه.آي.اكس غروب” نشرت قبل اكثر من سنة خطة واضحة للخلاص الاقتصادي في غزة، دون انتظار وجود حل سياسي بين الطرفين. هذا المخطط شمل حركة منتظمة للاشخاص والشاحنات بين القطاع والضفة، اعادة فتح المطار في رفح وضخ المياه والكهرباء، تقليص كمية المواد التي تعتبر ذات “استخدام مزدوج”، اعادة اصلاح منطقة الصيد وبناء تدريجي لميناء. كل ذلك بموازاة اعادة النشاط الاقتصادي الفلسطيني في مناطق ج، وبالاساس للغور.
الافكار لا تنقص، والعائق امام تنفيذها ليس تقني بل سياسي.
اعادة حرية الحركة لسكان القطاع تناقض سياسة اسرائيل المستمرة منذ ثلاثة عقود تقريبا، لفصل القطاع عن الضفة بهدف تحويله الى كيان سياسي فلسطيني منفصل عن الكيان الموجود في جيوب الضفة الغربية. هذا الهدف ايضا يندرج مع الطموحات السياسية لحماس، منذ أن فازت في الانتخابات في 2006.
بادراكها أنها لا تستطيع السيطرة على جيوب الضفة في المستقبل المنظور، ولأن الامم المتحدة ودول الرباعية قاطعوها، فان حماس ارادت أن تثبت نفسها كقوة سياسية وعسكرية في القطاع، وهكذا تعزز مكانتها في العالم العربي والاسلامي وفي الشتات الفلسطيني، وتبني نفسها كبديل لـ م.ت.ف أو كقوة رئيسية فيها. من اجل ذلك يكفيها أن تكون الحدود مع مصر مفتوحة. ليس هناك حاجة من ناحيتها الى فتح المعابر بين القطاع واسرائيل وعبرها الى الضفة الغربية.
يوم أمس سافر وفد لكبار موظفي حكومة حماس الى مصر من اجل التباحث في عدد من المشاريع المشتركة مثل زيادة التجارة واقامة منطقة تجارة حرة بين القطاع ومصر – هكذا جاء في مواقع الاخبار في القطاع. زيادة التجارة بحثت في السابق بين حماس ومصر، وهذا الامر بدأ تنفيذه جزئيا وببطء في السنة الاخيرة.
كجزء من تعزيز قوتها ووجودها فان حكومة حماس تتطلع الى التحرر من الاعتماد على الاستيراد من اسرائيل أو بواسطة السلطة الفلسطينية. هكذا بدل أن تقسم اموال الجمارك والضرائب على البضائع بين صندوق المالية الاسرائيلي وبين صندوق السلطة الفلسطينية، ستصل اليها. الآن هذا الامر سينفذ بتنسيق كامل بين الامريكيين والمصريين وبموافقة اسرائيل. وكما كتب اليكس فيشمان في يوم الاثنين في “يديعوت احرونوت”: “المصريون اتفقوا مع الامريكيين على زيادة حجم نقل البضائع من سيناء الى القطاع عبر تجاوز السلطة الفلسطينية”.
أي أن ما قامت به حكومة حماس بين الاعوام 2007 – 2012 عبر الانفاق التجارية التي حفرتها في منطقة رفح وانشاء قطاع خاص كان مرتبط بها (بدل القطاع الخاص الذي كان مرتبط بالسلطة الفلسطينية وافتقر) – ستقوم بتنفيذه الآن تحت المظلة المصرية الامريكية وبموافقة اسرائيل. كما كتب فيشمان أنه “في نية المصريين مضاعفة عدد مصانع الاسمنت للجيش المصري في سيناء من اجل زيادة حجم توفير الاسمنت للقطاع”.
هكذا ليس فقط سيتم خفض سعر الاسمنت الضروري لاعادة الاعمار والبناء في القطاع، بل إن المقاولين والتجار سيجتازون الآلية المعقدة لاستيراد الاسمنت التي وضعتها اسرائيل من اجل الاشراف ومنع قدر المستطاع استخدامه للاغراض العسكرية. من الواضح أن الامريكيين لا يبحثون مع المصريين زيادة كمية الاسمنت دون معرفة اسرائيل وموافقتها.
من ناحية اخرى، كتب فيشمان أن الشباك يعارض اقتراح السماح لنحو 6 آلاف عامل للعمل في مستوطنات غلاف غزة لاسباب امنية. حسب رأيه تستطيع حماس بهذه الطريقة جمع معلومات استخبارية وتهريب الاموال. مقابل الشباك، رجال اقتصاد ومراقبين سياسيين في القطاع يعتقدون بالضبط خلاف ذلك: اعطاء امكانية لعشرات آلاف الغزيين للخروج من القطاع من اجل العمل في اسرائيل والضفة الغربية من خلال تعزيز العلاقات معها، سيضعف قوة جاذبية حماس، ويقلل اعتماد القطاع الخاص عليها ويمنح الشباب معايير اخرى لفهم العالم، وبالاساس أمل وسبب لمواصلة العيش في القطاع وكسب الرزق فيه باحترام.
هناك تناقض بين تبديد الخوف الاسرائيلي من دخول غير مراقب للاسمنت (ومواد خام اخرى) وبين الخوف الظاهري من دخول بضعة آلاف عامل الى اسرائيل. هذا التناقض يدل على أن اسرائيل تنوي مواصلة فصل سكان القطاع عن سكان الضفة الغربية، من ناحية سياسية ومدنية وثقافية واقتصادية، وعن اسرائيل من ناحية اقتصادية. إن استمرار الفصل تحت خطة ترامب ونتنياهو يعني ضمان حكم حماس، هذه هي الرسالة الاساسية للتسريبات بشأن التسهيلات الاسرائيلية.