ترجمات عبرية

عميره هاس تكتب – العنوان : قرب مكب النفايات

هآرتس – بقلم عميره هاس  – 8/6/2018

حمدة سلايلة إبنة الـ 28 سنة تحدثت بحماسة وطلاقة عن لجنة النساء التي انشأتها قبل نحو سنتين والتي مقرها الدائم هو في كرفان كبير فيه بعض الاثاث القديم. مطبخ صغير ومتواضع ومكيف هو ايضا قديم يبدد قليلا الحر.

سلايلة تعلمت اخصائية اجتماعية وهي تطبق معرفتها ووعيها في حي الجهالين قرب مكب النفايات في ابوديس، هذا هو المكان الذي طردت اليه اسرائيل في نهاية التسعينيات حوالي 150 عائلة بدوية من بين حوالي عشرة تجمعات بدوية، منها عائلتها. هي تتذكر حتى اليوم الجرافات التي هدمت خيمتهم، وتوقع الاولاد لـ “الطرد” الذي لم يفهموا بعد معناه، والجنود ورجال الشرطة الذين حملوا بالقوة البالغين الذين رفضوا الاخلاء في الحافلات. الطرد من اجل “توطين” البدو في مكان واحد نفذ على ثلاث مراحل، وفي المكان الذي تم اخلاءه من سكانه تم توسيع مستوطنة معاليه ادوميم. الآن عندما سمح قضاة المحكمة العليا للدولة بأن تطرد الى هذا المكان العائلات البدوية التي تعيش شمالا في الخان الاحمر، جئنا لنأخذ انطباع عن الحي الذي تتفاخر الدولة باقامته بين مكب النفايات الاكبر في الضفة الغربية في الشرق ومسلخ سيارات العيزرية في الغرب.

هل لجنة النساء هي علامة على تغيير ايجابي  مرتبط بنفس الانتقال الذي جاء بدون اختيار؟ هل جزء من نفس هذا التغيير الايجابي هو موافقة النساء على الجلوس والتحدث ايضا مع رجل هو مصور “هآرتس”؟ هناك اكثر من اجابة على هذا السؤال. (دورات للنساء، اكمال الدراسة في ادارة المشاريع، العاب ودروس مساعدة للاطفال بعد ساعات التعليم) تديرها وتنظمها سلايلة مع نساء أخريات من بنات المكان، اللواتي انضم ثلاثة منهم للمحادثة التي اجريناها قبل اسبوع: التوأم اماني وايمان أبو غالية (22 سنة) وإبنة عمهن هند أبو غالية (27 سنة). “الرجال لا يشاركون هنا”، قالت سلايلة بتفاخر غير خفي.

مع ذلك، النساء الشابات الاربعة اللواتي جميعهن خريجات جامعيات ويطمحن لمواصلة التعليم، رفضن تصوير وجوههن.  تناقض مثير للدهشة: من جهة، اصرار ووعي لواجبهن في تحسين مكانة النساء في مجتمعهن، ومن جهة اخرى الخضوع لما تسميه سلايلة “ثقافة الخجل” التي جزء منها هو معارضة الرجال بشكل خاص والعائلة بشكل عام لنشر صورهن.

ليس فقط نشر الصور، التجول ايضا في شوارع الحي في وضح النهار كشف عن ظاهرة جديدة وهي أن النساء لا يشاهدن في الشوارع. هل هذا بسبب الحرارة المرتفعة؟ لا. ايضا النساء الاربعة اللواتي تحدثنا معهن لم يشاركن في الجولة. بعد المحادثة في الكرفان توجهن فورا الى بيوتهن المجاورة. “نحن لا نسير في الشوارع عبثا”، قالت لنا النساء. “في السابق اعتدنا على التجول قليلا خارج الحي بصفتنا نساء مميزات تجرأنا على ذلك”.

المنطقة التي تعودن التجول فيها مؤخرا، الجانب الآخر من شارع وادي النار، وهو المحور الرئيسي للمواصلات الذي يربط بين شمال وجنوب الضفة الغربية، مخصصة الآن للموجة الرابعة من المخلين بالاكراه من قبيلة الجهالين، بمصادقة محكمة العدل العليا. جرافات الادارة المدنية مهدت عدة ساحات التي عليها يتوقع أن يبني المخلين بيوتهم بأنفسهم. في المكان الجديد مثلما كان الامر في السابق، الشروط تفرض تقارب كبير بين البيوت والعائلات – قرب غريب من نمط الحياة والتقاليد.

مثل تجمعات رعاة البدو كانوا منظمين في عدد من التجمعات السكنية، المخازن والاسطبلات في فضاء مشترك ومتفق عليه. المسافة بين التجمعات تحدد حسب القرب العائلي. النماذج الاجتماعية القبلية فرضت الحفاظ على مسافة بين النساء والرجال وفقا للقرابة العائلية والقبلية. لقد كان للنساء دور كبير في توفير مصدر رزق العائلة الذي ارتكز الى تربية الاغنام ومنتجاتها: لقد اهتمت النساء بالاغنام عند عودتها من المرعى، وقمن بحلبها وتصنيع الحليب الى اللبن والجبن، التي بيعت في الاسواق. النساء الاكبر سنا خرجن الى الاسواق لبيع المنتوجات للزبائن الدائمين والمسوقين. الظروف كانت صعبة: بدون مياه جارية وبدون كهرباء ونظافة والذهاب الى مصادر المياه البعيدة والكوارث الطبيعية وكوارث الجيش والمستوطنات القريبة. ولكن كمساهمات في توفير مصدر الرزق وشريكات في العبء، كان للنساء حرية حركة وقيمة شخصية وقيمة اجتماعية.

في حي الجهالين النصف حضري لا يوجد مكان للاغنام. بالتأكيد ليس بالاعداد التي تعتمد عليها كمصدر رزق للعائلة. “نحن نشتري الحليب، تخيلي، بدون يشترون الحليب”، قالت هند أبو غالية. هي حقا عاشت في الحي طوال حياتها لكنها تشعر بلامعقولية هذا الواقع. “اليوم يوجد الكثير من وقت الفراغ للنساء”، قالت سلايلة، “في السابق من ناحية اقتصادية الرجل لم يكن ينجح من غير زوجته، اليوم الرجل يخرج ويعمل في المستوطنات ولا يسمح لزوجته بالخروج. اذا هي لم تتعلم فانها تكون منغلقة اكثر وحبيسة في بيتها. عندما كنا نعيش في الخيام كان النساء يلتقون ويتحدثون. هذه العادة انقضت”.

النساء يتمتعن بالكهرباء والمياه الجارية بحماية من اضرار الطبيعة، لكن التحرر من نير توفير مصدر الرزق سلب منهن السبب الاجتماعي للتحرك في المحيط. “نحن سجينات في البيت”، قالت نساء بدويات لباحثي رابطة “بمكوم”، الذين كتبوا في السنة الماضية تقرير عن التاثير السلبي للانتقال المفروض على النساء في الجبل وفي غرب الرشايدة (جنوب شرق بيت لحم). عندما يجبرن على الخروج من البيت يلبسن النقاب، غطاء وجه لم يكن متبع عندما كن يعشن في الفضاء البدوي. بنات عائلة واحدة لم تكن تسير وهي مكشوفة الوجه قرب بيت عائلة اخرى وهن يذهبن بين البيوت وليس في الشارع. عشرين سنة بعد الانتقال القسري، القيمة الاجتماعية والذاتية لمعظم النساء تضررت.

هكذا النساء في الحي تقريبا لم يكن يتقابلن. من ناحيتهن هن لم يكن يعشن في مجتمع، بل في بيوت منفصلة. عيادة الاونروا التي تفتح يوم في الاسبوع هي وسيلة للتغلب على منع الخروج. الذهاب الى الطبيب اعتبر الزامي، وهن يذهبن ايضا حتى لو لم يكن احد مريض. سلايلة وزميلاتها يحاولن أن يخلقن في الكرفان فضاء محمي لاحاديث النساء، الذي فيه يمكن ايضا فحص احتياجاتهن في الواقع الذي تغير.

قمامة بين البيوت

هل الانتقال الى حي حضري هو سيمكن النساء من الخروج للتعليم العالي؟ لا، هكذا اجبن. “نحن اقل الاقلية. هذا كان يتعلق بعائلاتنا، بالتشجيع الذي تلقيناه وتصميمنا”. ولكن باستثناء التشجيع والدعم العائلي فان التعليم العالي يحتاج الى تمويل. عشرين سنة بعد الانتقال القسري، الحي كان حي في ضائقة. الساحات التي تم تمهيدها وتأجيرها للبدو في الجبل مدة 49 سنة، مكنت فقط من البناء المكتظ. عائلات كثيرة باعت اغنامها لتمويل البيوت التي بنيت، لأن التعويضات التي تلقوها من الدولة لم تكف. التعويضات بالمناسبة امكن تقديمها بفضل المفاوضات التي اجراها المحامي شلومو ليكر، فقط بعد رفض التماسات للمحكمة العليا ضد الطرد في 1997، وبعد أن قامت الادارة المدنية باسكان الموجة الاولى من المخلين في كرفانات مغلقة بدون نوافذ وبدون تهوية.

في الخارج البيوت تبدو مثل الفيلات. ولكن الاثاث قليل وهناك بيوت لم يتم اسكانها لأن النقود نفدت قبل الانتهاء من البناء. هناك اشخاص يسكنون في احواش وخيم اقاموها في الساحات. باستثناء عدد من الشوارع الرئيسية التي شقتها الادارة المدنية فان اراضي فارغة ومفتوحة تفصل بين البيوت. المدارس الثلاثة بنيت بأموال مساعدات، وايضا المسجد. المدرسة الاولى حصلت على رخصة بناء من الادارة المدنية بعد اربع سنوات من تقديم الطلب. حاويات القمامة التي تفيض منها القمامة تنشر رائحة مزعجة. الاخلاء بمسؤولية العيزرية لم يتم بالوتيرة المناسبة. القمامة تلقى بين البيوت، وهذه علامة واضحة على أن السكان لا يرون في المجال العام الضيق، فضاءهم.

مكب النفايات المجاور الذي يخدم ايضا مستوطنة معاليه ادوميم يجلب امواج من الذباب والفئران ويبث استهانة السلطات الاسرائيلية. الحفر الامتصاصية تفيض من حين لآخر. هذه احدى الشكاوى الاساسية التي تسمع في الحي: اذا قاموا بتمهيد الارض فلماذا لم يبنوا شبكة صرف صحي؟ في البداية تلقى الحي مياه جارية من مكوروت وبعد ذلك تم ربطهم ببلدية العيزرية. اسرائيل تحدد كمية المياه المخصصة للفلسطينيين، لهذا في اشهر الصيف المياه من البلدية لا تأتي في كل يوم.

هناك عائلات تربي في ساحات البيوت بعض الاغنام، كنوع من الحنين للماضي أو من اجل بيعها للذبح. بالاجمال، هناك بضع مئات رؤوس الاغنام. في المفاوضات تم الاتفاق حقا على منطقة للرعي مساحتها حوالي 3 آلاف دونم تمتد من الغرب الى الشرق، لكن الاغنام تبدأ في الرعي في القسم الغربي وعندما ينتهي العشب هناك تصل الى القسم الشرقي الذي ما يزال فيه اعشاب. تقريبا يكون النهار انقضى والاغنام والرعاة يضطرون الى المبيت في المنطقة في الليل. لذلك يجب اقامة سور حول المنطقة، لكن يحظر على البدو البناء هناك ولا حتى جدار. هكذا فان قطاع الرعي خرج من الاستخدام والاغنام يتم اطعامها بالعلف. هناك عائلات انقسمت بسبب مصدر الرزق: البعض منها بقي في الخيام للحفاظ على الاغنام، مع المخاطرة بالتصادم مع الجيش واوامر الاخلاء والهدم، وهناك من يعملون في المستوطنات في المحيط. ولكن نسبة البطالة في اوساط الشباب مرتفعة جدا، قال أبو علي أبو ريالة، وهو عضو في لجنة مشاريع الحي، الذي يحاول تطوير مسارات للتأهيل المهني للشباب. “حياة البدو تعتمد على الخيمة، ومجال الرعي والاغنام”، قال أبو ريالة، “اذا تم اخذ عنصر واحد نكون قد فقدنا شيء ما. ليس مرفوض أن يغير الانسان نمط حياته، ولكن فقط اذا تم الامر بصورة طبيعية وبارادته وليس بحسب أمر”. حسب اقواله “هناك شروط اساسية يجب توفرها عند الانتقال من حياة الرعي الى محيط حضري. يجب توفير اعداد لتغيير المهنة – الشخص لا يستطيع أن يتحول خلال يوم من راعي الى سائق أو معلم. التغييرات بدأت لدينا في الثمانينيات عندما ذهب الاطفال للتعلم في المدارس. بعد ذلك ايضا البنات. ولكن اليوم الابناء يهربون من التعليم لأنهم لا يجدون عمل، أو لا توجد تصاريح للعمل في اسرائيل. ومن يعملون في المستوطنات، يعملون اساسا في النظافة وفي اعمال غير مهنية اخرى”.

نزاع قديم

القسيمة التي اعدت للمخلين من الخان الاحمر بدأ ينبت العشب فيها. مساحة الساحات المخطط فيها، حوالي 300 متر لكل عائلة، اصغر من المساحة التي خصصت لمن تم اخلاءهم في السابق، ولم يخصص لهم مساحة للرعي. في رد على استئناف المحامي ليكر ضد الهدم، بما في ذلك مدرسة البيئة المبنية من الاطارات، قالت الدولة إنه في بداية شهر حزيران ستنهي بناء مدرسة في المكان الجديد، بدل المدرسة المبنية من الاطارات، التي يمكنها استيعاب 150 طالب. اي أن هدم القرية في الخان الاحمر مرتبط من ناحية زمنية باستكمال المدرسة التي لم تبن بعد هناك.

وجاء في الرد ايضا انه سيتم اعطاء التجمع فرصة لطلب رخص بناء، حيث جزء منها قائم. بقدر  علم الصحيفة فان طلبات كهذه لم تقدم بعد نظرا لوجود مشكلة اخرى لا توليها السلطات الاسرائيلية اهمية: صحيح أن سكان الخان الاحمر من ابناء الجهالين لكنهم ينتمون لعشيرة اخرى هي أبو داهوك. في حين أن سكان الجبل القدماء هم من عشيرة السلامات.

في الجهالين لا يتحدثون عن ذلك بصراحة، لكن بين العشيرتين هناك نزاع قديم والذي يندلع من حين الى آخر ليصل الى نزاعات دموية. وكما قيل للصحيفة “ابو داهوك لا يمكنهم العيش بجوار السلامات”. لذلك يصعب رؤية كيف انه بعد أن تدمر الادارة المدنية المباني السكنية لهم وينقلونهم في الحافلات الى الساحات الفارغة، سيوافق رجال الخان الاحمر على البقاء في الجبل قرب مكب النفايات في معاليه ادوميم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى