#أقلام وأراءالضفة

عمليات جيش الاحتلال والمخططات الاستيطانية في الضفة الغربية وفق خطة الحسم

اللواء محمود الناطور والدكتور يوسف يونس، مركز الناطور للدراسات والابحاث 4-10-2024: عمليات جيش الاحتلال والمخططات الاستيطانية في الضفة الغربية وفق خطة الحسم

  • دراسة الواقع الميداني تشير الى العلاقة بين هجمات جيش الاحتلال في الضفة الغربية والمخططات الاستيطانية المتسارعة لفرض حقائق جيوسياسية في الضفة الغربية ترسم ملامح الحل الذي تسعى حكومة اليمين المتطرف لفرضه على ارض الواقع في الضفة الغربية، وفق “خطة الحسم” التي اعلنها وزير مالية الاحتلال بتسئيل سموتريتش وتبنتها الحكومة اليمينية الاسرائيلية، والتي تقوم على “حسم الصراع” وفرض أمر واقع، يقضي على خيار التسوية وامكانية قيام الدولة الفلسطينية، وفق المرتكزات التالية: تكثيف الاستيطان في “غلاف القدس” لفصل مدينة القدس عن الضفة الغربية، والإضرار بالتواصل الجغرافي الفلسطيني وتقسيم الضفة الغربية الى قسمين. وفرض السيادة والسيطرة الاسرائيلية على المناطق المصنفة (ج)، فرض السيادة الإسرائيلية على غور الاردن، شرعنة البؤر الاستيطانية، ودعم ميلشيات “الإرهاب اليهودي”، لتسريع هجرة الفلسطينيين. وصولا الى فرض السيطرة الاسرائيلية على الضفة الغربية والقضاء على اية امكانية لإقامة الدولة الفلسطينية.

 

  • تتطابق جغرافية العمليات العسكرية لقوات الاحتلال، مع مخططات الاستيطان في شمال الضفة الغربية والأغوار الشمالية، الأقل كثافة من حيث الاستيطان والأكثر كثافة فلسطينيا، ولذلك تقوم قوات الاحتلال بتنفيذ عمليات تدمير البنية التحتية في شمال الضفة الغربية، والتركيز على المناطق المصنفة ج، والمخيمات، ومصادرة الأراضي، في إطار محاولة تغيير الحدود الجغرافية والديموغرافية، وحصر الفلسطينيين في تجمعات سكنية ضيقة، ما يتطلب زيادة نشاط قوات الاحتلال بحجة القضاء على المجموعات المسلحة الفلسطينية.

 

  • حذرت المؤسسة العسكرية الاسرائيلية ان خيار العمليات العسكرية الواسعة سيهدد الاستقرار النسبي القائم، خاصة في ظل احتمالات انهيار السلطة الفلسطينية، والتي وعلى الرغم من المشاكل التي تعانيها فإنها لا تزال الخيار الأفضل، خاصة إذا أخذ بعين الاعتبار البدائل التي ستفرضها الفوضى الواسعة في الضفة، الذي سيفرض على إسرائيل التدخل لملء الفراغ، لتتحول إلى الحاكم الفعلي المسؤول عن أكثر من مليوني فلسطيني. ولذلك ترجح المنظومة الأمنية استمرار “الضربات المركزة” في عمق المناطق الفلسطينية، مع الحاجة لدمج الجهد العملياتي بجهد مدني يمنح الجمهور الفلسطيني “ثمن الخسارة”، وهو ما يضمن تجزأه الساحات، وكَسْب الوقت، والابتعاد عن “الحدث الاستراتيجي”. واكد على ذلك حجم قوات جيش الاحتلال المشاركة في العملية العسكرية في الضفة الغربية، والتي لا تشير إلى عملية عسكرية واسعة، حيث تركز اسرائيل على تكتيكات “حرب استنزاف طويلة الامد”، لا تتطلب تجنيد قوات كبيرة، تأخذ شكل عمليات عسكرية متكررة ومكثفة، هدفها إنهاك وتفتيت المقاومة، ومحاصرة الوجود الفلسطيني، جغرافيا وعسكريا.

 

  • تحاول اسرائيل تضخيم قوة المجموعات المسلحة في الضفة الغربية، وعلاقاتها مع ايران، واظهار أن ما يجري على انه معارك بين جيشين، في مقابل التحريض ضد السلطة الفلسطينية، وإظهار عجزها، وإثارة الرأي العام المحلي ضدها، وصولاً إلى الاقتتال الداخلي، والفراغ السياسي، الذي سيتزامن مع زيادة هجمات المستوطنين، ما يؤدي الى استحالة الحياة في الضفة الغربية، سيمهد الطريق امام البدء في تنفيذ مخططات التهجير، واحداث تغيير جيوسياسي عميق في المنطقة، وفي الاساس انهيار السلطة الفلسطينية، وفرض سيطرة الإدارة المدنية وتوسيع الاستيطان، وصولا الى ضم الضفة الغربية الى إسرائيل، وفق خطة الحسم، وسيتطلب هذا السيناريو إضعاف الأردن من خلال حملة تحريض وخلق المزيد من الاضطرابات الامنية، وستكون الفرصة ملاءمة في حال نشوب حرب إقليمية.

 

  • تركز قوات الاحتلال جهودها على تقليص هوامش ومساحة الحركة امام المجموعات المسلحة الفلسطينية، في داخل المخيمات والمدن الفلسطينية، ما يؤدي الى انتقال التوتر والاحتكاك بين تلك المجموعات والاجهزة الامنية الفلسطينية، من جهة، ومن جهة اخرى تظل تلك المجموعات محاصرة في قلب تلك المراكز لفترات طويلة، ما يجعلها عرضة للانكشاف الامني، والهجمات المكثفة من قوات الاحتلال، التي ستؤثر بصورة كبيرة على امكانية نجاحهم في القيام بعمليات مؤثرة على نشاطات ومخططات الاحتلال في الضفة الغربية.

 

  • استخدام دولة الاحتلال المليشيات الارهابية الاستيطانية في مخططات حسم الصراع في الضفة الغربية من خلال تكثيف الهجمات الارهابية على الفلسطينيين وخاصة في المناطق المصنفة “ج”، من شأنه ان يؤدي الى وجود مليشيات خارجة عن القانون الاسرائيلي نفسه، وهو الامر الذي حذر منه قادة الجيش والاجهزة الامنية الاسرائيلية. وكانت وسائل الاعلام العبرية قد مؤخرا ثلاث وثائق هامة حول ما يجري في الضفة الغربية، الأولى: خطاب استقالة قائد المنطقة الوسطى، اللواء يهودا فوكس؛ والثانية كتاب رئيس الشباك روني بار حول الاعمال الخطيرة لوزير الامن القومي ايتمار بن غفير؛ والثالثة استنتاجات قائد المنطقة الوسطى اللواء آفي بلوط حول اعمال الارهاب اليهودي في قرية جيت، وقبل تلك الوثائق البيان المشترك لرئيس الأركان ورئيس الشباك والمفتش العام للشرطة السابق، هذه الوثائق جميعها أكدت أن منظمات يهودية تقوم بهجمات ارهابية ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية لطردهم من أماكن سكنهم، تمهيدا للسيطرة عليها وضمها الى إسرائيل، بالتعاون مع شرطة الاحتلال، التي اصبح بيدها كامل الصلاحيات في الضفة الغربية، بدلا من الجيش، وتحت رعاية كاملة من وزراء اليمين المتطرف في الحكومة، ما ادى الى ان “الإرهاب اليهودي” اصبح يتحرك بدون عراقيل، ما سيساعد على نجاح مخططاتهم مستقبلا، التي لا تستهدف السيطرة على الضفة الغربية فقط، وانما على كل دولة إسرائيل، أي ان “الارهاب اليهودي” بات يشكل خطرا على وجود دولة إسرائيل.

 

  • واشارت تقديرات استخبارية ان اندفاع اليمين الفاشي باتجاه خيار “حسم الصراع” في الضفة الغربية واطالة أمد الحرب في غزة والحرب في لبنان والتصعيد مع ايران، يهدف الى افساح المجال امام حسم الصراع الاسرائيلي الداخلي لتغيير طبيعة الدولة، ويسعى اليمين الاسرائيلي المتطرف، الى خلق البيئة الجيوسياسية الملائمة لمخططاته، التي تستهدف نقل مركز البلاد من الساحل إلى الاطراف والضفة الغربية والقدس، ضمن تقاسم وظيفي، يتولى فيه بن غفير استكمال تهويد النقب والجليل والقدس الشرقية، فيما يتولى سموتريتش استكمال تهويد الضفة، بالتزامن مع تغيير بنية مؤسسات الدولة نحو المزيد من هيمنة الدين على المجتمع، وهو الامر الذي عمق التوتر السياسي – الاجتماعي في اسرائيل بشكل متسارع، وادى الى انحراف التوازن الاستراتيجي الإسرائيلي.

 

  • وسيكون لتلك التوجهات اليمينية المتطرفة تداعياتها على واقع الحياة في الضفة الغربية، وسيساهم في تعقيد العلاقات بين المجموعات السكانية اليهودية والفلسطينية، وسيرفع من احتمالات اندلاع انتفاضة جديدة، ستفرض ضغوطاً على جيش ودولة الاحتلال وتؤثر على قدراتهم لمواجهة التصعيد على عدة جبهات. وستواجه “المقاربة الامنية” عدة عوامل مؤثرة تدفع باتجاه الفشل في تحقيق تلك الأهداف الاستراتيجية التي تسعى لتنفيذها، فغياب الأفق السياسي، والسياسة الاستيطانية، ومشاريع الضم، ستخلق بؤر احتكاك جديدة، ستدفع الفلسطينيين الى تصعيد عمليات المقاومة لمواجهة المخططات الاسرائيلية. ويؤكد على ذلك ان العديد من العمليات العسكرية التي نفذتها اسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية لم تؤد الى انهاء الوجود الفلسطيني، وإذا نجحت هذه المقاربة الامنية في تخفيض مستوى الصراع، الا ان ذلك سيكون لفترة محدودة، والموجة القادمة ستكون مسألة وقت.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى