عمر حلمي الغول يكتب – نتنياهو بين نارين
بقلم عمر حلمي الغول ٣١-٨-٢٠٢٠
تشير المعطيات على الأرض بأن الساحر البهلوان، نتنياهو بات يفقد بريقه وسحره، وأخذ السحر ينقلب عليه، وعوامل الرفع بدأت تتراجع مكانتها، ويخف وهجها، وكل بلاغة الرجل السياسية امست تتكسر أمام ناظريه، ولم تعد تجدِ نفعا، وهوت إلى مستوى أثار فزعه. لإن الشارع الصهيوني بمشتقاته ومشاربه مَّلْ من اكاذيبه، وضاق ذرعا بفساده.
ومن يتابع المظاهرات الأسبوعية يلحظ، انها للإسبوع العاشر تواصل التظاهر كل سبت بالألاف في ساحة باريس بالقرب من مقر إقامته في شارع بلفور، وتطالب بإقالته، ورحيله عن سدة الحكم، وكان آخرها أول امس السبت الموافق 29/8/2020، حيث قدرت صحيفة “هآرتس” بان عدد المتظاهرين الصهاينة تراوح بين 15 و20 الفا، وتم إعتقال 16 منهم كونهم رفضوا مغادرة ميدان باريس. وكان قرع الطبول يزيد من شحنة التوتر لدى الحاكم القابع في المقر ولزوجته سارة وإبنه يائير، ويضطرهم لإغلاق النوافذ والأبواب وتسكير آذانهم، حتى لا يسمعوا المزيد منها، حتى بيته في قيسارية إهتزت جدرانه من صوت طبول المتظاهرين.
والملفت للنظر ان إدعاء زعيم الليكود الحاكم، بأن المتظاهرين من “اليسار”، هو إدعاء لا يمت للحقيقة بصلة. لإنهم من شرائح وفئات المجتمع المختلفة، ومن خلفيات حزبية واسعة، فضلا عن عدم وجود “يسار” بالمعنى الحقيقي في إسرائيل الصهيونية. وبالتالي فزاعة “اليسار” لم تعد تخيف المتظاهرين، ولا ممثلي القوى المشاركة في المظاهرات، وباتت ترتد على الملك نتنياهو.
كما ان كتلة اليمين الصهيوني والحريديمي لم تعد تمنحه الثقة كاملة، وأخذ اقطابها في البحث عن بدائل. لا سيما وان نتنياهو خذلهم أكثر من مرة وخاصة في ملف الضم، وفي القضايا المتعلقة بمدارس المتدينيين، وأخيرا (نهاية الأسبوع الماضي) بموافقة المحكمة العليا على إزالة ما يسمى بؤر إستعمارية جديدة ، وإنكشف ظهره أمامهم، وتبين لهم انه لا يبحث إلآ عن مصالحه وحساباته الخاصة.
بالإضافة لصراعه المحتدم مع شريكه في الإئتلاف، بيني غانتس، والذي يقض مضجعه ليل نهار، ويبقيه في حالة توتر دائم، رغم انه، هو الممسك بالورقة الأهم في اللعبة الحكومية، والأقدرعلى إدارة الصراع معهم. بيد ان كل ذلك لا يمنحه الإستقرار، ويخفي عنهم الكثير من المعلومات السياسية والديبلوماسية والأمنية وغيرها من الملفات، حتى يبدو للمراقب، ان في إسرائيل المارقة حكومتان، وليس حكومة واحدة، واحدة شكلية تجتمع كل يوم أحد، وأخرى محدودة من أزلام نتنياهو. وهو ما يعمق القناعة لدى الخبراء والمختصون بالشأن الإسرائيلي، بأن أوستراد الإنتخابات البرلمانية مفتوح على مصراعيه.
وجملة العوامل المذكورة تشي، بإنفضاض الشارع الإسرائيلي عن الملك الحاكم، وهذا ما تؤكده إستطلاعات الرأي الإسرائيلية، والتي كان آخرها يوم 24/8/2020، واشار إلى تراجع مكانة الليكود ب28 مقعدا في حال جرت الإنتخابات الآن. رغم ان الإعلان الثلاثي مع اميركا والإمارات تم يوم 13 من آب/ أغسطس الحالي، ولكن إتفاقية التطبيع المجانية مع حاكم ابو ظبي لم تمنحه أي رصيد إضافي. وحتى حجيج المسؤولين الأميركيين وغيرهم من المسؤولين الأوروبيين، لم يحدث أي تغيير لصالح بيبي، لا بل العكس صحيح. أضف إلى فشله، وفشل حكومته المتناقضة في معالجة أزمة الكورونا، وتداعياتها الإقتصادية، التي ضاعفت من حدة ازمة البطالة، وإنخفاض مستوى المعيشة، وغياب أي أفق للخروج من الأزمات المحتدمة، التي يعيشها المجتمع الإستعماري الإسرائيلي.
ناران تشتعلان في محيط بلفور، وتقتربان أكثر فأكثر من مقر إقامة رئيس الوزراء الفاسد بنيامين نتنياهو، المظاهرات، وإنخفاض الشعبية المتزايد، بالإضافة للصراعات والأزمات المتلازمة معها، أو المنبثقة عنها، ومواصلة إجتراره لأوراق السحر المكشوفة. ومع ذلك لم ييأس بيبي من إمكانية ملاعبة الجمهور الإسرائيلي لعبة “القلى قلا”، والإلتفاف عليه، لإدراكه سذاجة الشارع الصهيوني، وإمكانية شرائه بثمن بخس في حال إستمر التراجع، عندئذ يمكنه ان يلقي ببعض مليارات الشواقل لإسكات الأصوات الجائعة عندما يصطدم التحالف بعقبة ما، وتؤدي لإنفراطه، والإعلأن عن إنتخابات جديدة.
لكن من المؤكد، وأي كانت براعة وفهلوة الساحر نتنياهو، فإن طريقه آخذة في الإنحسار والإضيقاق، إلآ إذا سحب ورقة غير مألوفة تبقيه في سدة الحكم. طبعا لم اشر لقضايا الفساد، لإنها تحصيل حاصل، وجزء من إنسداد الأفق امامه، خاصة إذا تم إضافة قضايا الغواصات والبورصة وغيرها. ايام بيبي لم تعد طويلة في الحكم، بل امست قريبة، وأقرب من اصبعين في يده.