أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب مواصلة الحوار مطلوب

عمر حلمي الغول ١٣-٦-٢٠٢١م

هبة القدس العاصمة الأبدية وتداعياتها على المستويات كافة بما فيها ما حصل في محافظات الجنوب تعتبر معركة مهمة، ويخطىء كثيرا من يقلل من قيمتها وأهميتها، كما يخطىء كثيرا من يبالغ فيها، او يعطيها أكثر من قيمتها وحجمها، وايضا يخطىء الف مرة من يجزأها، أو يغلب قطاعا على قطاع من قطاعات الشعب الثلاثة (القدس العاصمة وابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة واذرع المقاومة في قطاع غزة)، مجموع الكفاح البطولي لإبناء الشعب شكل إنجازا هاما، وصفته فيما سبق بانه استحضار لإضراب ال1936 بمعايير اللحظة السياسية، مما اسهم في التفاف شعبي في الرأي العام الفلسطيني في دول الشتات والمهاجر والعربي والعالمي.

وانجازات الهبة الرمضانية البطلة تمثلت في الصمود ومواصلة التحدي لإدوات البطش الصهيونية من جيش وحرس حدود وشرطة وطيران وزوارق بحرية، وعدم استسلام قطاعات الشعب واذرعها الكفاحية تحت شدة الضربات الوحشية الصهيونية لإرادة العدو، وتمسكها بالدفاع عن زهرة المدائن، ورفض عملية التطهير العرقي في احياء العاصمة الأبدية وخاصة في حي الشيخ جراح، والتأكيد على حقوق الشعب في الحرية والإستقلال والعودة وتقرير المصير. لكن غير ذلك من الإنجازات لا اساس له، لإننا لم نتمكن من تغيير موازين القوى حتى اللحظة في القدس، ولا  في معركة المسجد الأقصى، ولا في معركة التطهير العرقي في احياء العاصمة الستة وفي مقدمتها حي الشيخ جراح وبطن الهوى وعموم احياء سلوان. وبالتالي مفيد وضروري ونحن نسجل الإعتزاز بالإنجازات، ان نتواضع ونقرأ اللوحة جيدا دون مغالاة او مبالغة.

لكن حركة حماس كعادتها شاءت تحويل الإنجازات المذكورة آنفا إلى نصر رباني كما ذكر يحيى السنوار وباقي قادة الحركة، وإعتبرت المعركة بانها تحول استراتيجي، وهذا تضخيم إسقاطي وإرادوي وذات خلفيات محسوبة، واجندات ذاتوية مكشوفة، لا تمر على اي عاقل. ولا اريد هنا ان اشير إلى الخسائر التي نجمت عن المواجهة في ال11 يوما الأخيرة على جبهة قطاع غزة، ولا اود ان ابخس من قيمة المنجز، لإن المردود الإيجابي للشعب كله، وليس لحركة حماس او حركة الجهاد او حركة فتح وباقي فصائل المنظمة.

كما لا اريد ان اقف مطولا امام خلفيات فرع جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين القديمة الجديدة، ولا اريد ان اكرر مواقفي الراسخة من التنظيم الدولي للاخوان المسلمين في ارجاء الدنيا وخاصة في فلسطين، لا سيما واني صاحب موقف واضح وثابت لن يتغير ما لم تتغير حركة حماس وتتوطن في المشروع الوطني بشكل سلس وضمن الرؤية الوطنية، لا وفق حساباتها وحسابات حركة الجهاد الإسلامي، اللتان حاولتا في القاهرة يوم الأربعاء الماضي الموافق 9 حزيران / يونيو الحالي فرض شروطهما على حركة فتح، حيث طلبت من القيادة المصرية (جهاز المخابرات) اولا فرض حضور قوى محسوبة عليها لزيادة حجم القوى المؤيدة لها في الحوار؛ ثانيا حضور الرئيس ابو مازن للحوار على رأس حركة فتح، في محاولة ل”تقزيم” مكانة رئيس الشعب الفلسطيني ورئيس ممثله الشرعي والوحيد؛ ثالثا تشكيل قيادة وطنية مؤقتة، وبالتالي شطب دور قيادة المنظمة الحالية؛ رابعا تشكيل لجنة خاصة لإعادة تشكيل المجلس الوطني والمركزي وفق اجندتها الخاصة  خلال ثلاثة شهور .. إلخ على اعتبار أن الإنجاز محصور بالحركتين، وبالتالي على الآخرين وخاصة على قيادة حركة فتح “الإذعان” و”تسليم” مقاليد السلطة والمنظمة ل”لسادة الجدد”! وكأن المعركة كانت مع حركة فتح وقيادة منظمة التحرير، وليست مع العدو الصهيوني، وهذا شكل من اشكال الإسقاط الرغبوي الغبي، والهبل السياسي واستغباء للعقول وللواقع وللمنطق وإشتراطات اللحظة السياسية، ونسيت كل من الحركتين وخاصة حركة الإخوان المسلمين في فلسطين أن المعادلة السياسية الوطنية والعربية والدولية ومع دولة الإستعمار الصهيوني لا تخدمها، لا بل ستكون على حسابها، وقادم الأيام كفيل بكشف المخفي.

من المؤكد من حق الحركتين حماس والجهاد ان تطرحا ما تريدان من المواقف، ولكن عندما تدخلان لجادة الحوار الوطني، عليهما الترجل عن المواقف الإعتباطية والمفرطة في تضخيم الذات. نعم كلتا الحركتين جزء من النسيج الإجتماعي والسياسي للشعب، وللإذرع العسكرية التابعة لهما دور، لا احد ينكره، ولكن على الحركتين النزول عن شجرة الغرور والأكاذيب والإدعاءات المفرطة، لإن هبة القدس شارك فيها الكل الوطني، وكافة قطعات الشعب من رأس الناقورة حتى ام الرشراش، وايضا ابناء الشعب في الشتات والمهاجر من خلال تجييش الرأي العام العربي والعالمي.

ومع ذلك، ورغم المعرفة المسبقة لإجندة الإخوان المسلمين المعروفة للجميع، الهادفة للإستئثار بمنظمة التحرير لتفريغها من ثوبها وهويتها الوطنية، ولركوب “بردعة” الشرعية  لتنفيذ الدور الوظيفي، إلآ ان المصلحة الوطنية تحتم مواصلة الحوار وفق المصالح العليا للشعب، ونزع أظافر الغطرسة الإخوانية، وتقليمها إرتباطا بمصالح الشعب. لا سيما وان هناك قطاع من الشعب للاسف يجهل خلفيات واجندات حركة حماس، مما مكنها من تضليله وخداعه، وبالتالي المصلحة الوطنية تفرض الذهاب للحوار على ارضية الإهداف الوطنية ومصالح الشعب العليا، والعمل على إدخال الحركتين لمؤسسات المنظمة كلها وفق اوزانها الحقيقية، وعدم التنازل لإي من الحركتين تحت اي ظرف من الظروف، وعلى كلا الحركتين القبول بالدور الريادي لحركة فتح، إن شاءتا الشراكة السياسية الحقيقية.

وسانهي مقالتي ببيت شعر ليتنبه الجميع لحقيقة اصحاب الاجندات الوظيفية المكشوفة: برز الثعلب يوما في ثياب الواعظينا، ومضى في الأرض يهدي ويسب الماكرينا، مخطىء من ظن يوما ان للثلعب دينا. والباقي عندكم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى