أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب –  مخرجات اولية من الهبة

بقلم عمر حلمي الغول – 17/5/2021

مضى اسبوع على انخراط وتلاحم كل تجمعات الشعب على ارض فلسطين التاريخية في معركة الدفاع عن القدس العاصمة الابدية لدولة فلسطين، ورفض التطهير العرقي الصهيوني للعائلات الفلسطينية في احياء الشيخ جراح وسلوان والجوز وحلوة والبستان، ورفض البلطجة والهمجية الفاشية لعصابات الإستيطان الإستعماري لفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى المدعومة من حكومة نتنياهو، وعمليا رفض الكل الفلسطيني في الضفة بما فيها القدس وقطاع غزة وفي الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة لخيار الأسرلة والعنصرية بكل تجلياتها العدوانية الجسدية والقانونية والسياسية والتربوية الثقافية والدينية، ورفض تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني تحت اية مسميات او عناوين جهوية او دينية او طائفية أو حتى وفقا للتقسيمات، التي افرزتها وانتجتها نكبة ال1948 ونكسة ال1967 ، وتعزيزا لوحدة النضال الوطني.

هذا الشعب العظيم، الذي وحدته نكباته وهزائم العرب جسد في هبة زهرة المدائن معايير جديدة للتكافل الوطني، وعمق بشكل لا يقبل التأويل او الإلتباس عناوين هويته الوطنية، وصفع اولئك السطحيون من المهزومين والثرثراين الديماغوجين من انصاف المثقفين، الذين كانوا حتى يوم الدنيا هذا يتشدقون ويهرفون بما لا يعرفون عن “غياب الهوية الوطنية”، وتناسوا عن سابق عمد وإصرار الفرق الشاسع بين الثرثرات عن النواقص الفردانية والصبيانية هنا وهناك، واستنزافهم النقاش عن احداث وقصص عاشوها في زمن سابق، وعن افكار نقلوها دون التدقيق في مغزاها ودلالاتها، وبين الركائز العميقة والتاريخية للهوية والشخصية الوطنية الفلسطينية العربية.

كما ان الضرورة تملي على كل ذي بصيرة في الميدان السياسي الكفاحي، وبعيدا عن القراءة النمطية والمجزوءة لمركبات وخلفيات واجندات القوى الإسلاموية وعلى رأسهم فرع جماعة الإخوان المسلمين في غزة تحديدا الآن، رؤية الجديد، الذي فرضته المواجهة العسكرية خلال اسبوع مضى، واي كان التقدير لمدى تأثير فعالية القذائف الصاروخية على جبهة العدو الصهيوني، بيد انها اكدت على  حقيقة نوعية لا بد من الإقرار بها، وتكريسها كاستنتاج علمي بعيدا عن كل التفاصيل الاخرى، مفادها أن مواصلة اذرع تلك القوى المناضلة لرشقاتها الصاروخية، وبتحديدها مواقيت إطلاقها بعشرات الصواريخ، وكسر صورة القبة “الرملية” الإسرائيلية الأميركية، التي تغنوا بها طويلا، حتى انهم اطلقوا عليها اسم “القبة الذهبية” في البداية، ثم تراجعوا فبات اسمها القبة الحديدية، يعتبر انجازا وطنيا، وان التكامل الحاصل والقائم بين اشكال النضال الشعبي السلمي والمسلح وغيرها من اشكال النضال في هبة القدس، بات يسم طبيعة المرحلة الكفاحية الجديدة، وان رمال غزة المتحركة اهم من كل عوامل الجغرافيا والطبوغرافيا، التي ضاهت باهميتها الجبال والوديان، وأكدت ان عظمة الإنسان وإبداعه الكفاحي يفوق قدرات الأعداء العسكرية التقليدية والنووية، ليس هذا فحسب، انما يجعل من اسلحة موتهم النووية عبئا عليهم، وعلى مستقبل مجتمعهم. وتميزت  قدرات تلك الأذرع في هذة الجولة عن المرات السابقة بعشرات المرات. 

اضف إلى ذلك، ان اسرائيل الفاشية، الحاقدة والكارهة للانسانية، بقدر ما اوقعت من خسائر بشرية ومادية في صفوف شعبنا في قطاع غزة، الذي يتعرض لقصف وحشي وبربري غير مسبوق، بقدر ما تمكنت تلك القذائف من ايقاع خسائر فادحة في الإقتصاد، واوقفت المرافق الحيوية في الدولة الصهيونية وابرزها مطار بن غوريون وغيره من المطارات، ودفعت قادة سلاح الجو البحث عن ملاذات لحماية طيرانهم الحربي، وضربت السياحة الخارجية والداخلية، وفاقمت من الأزمة الإقتصادية، وعرت حكومة نتنياهو امام الإسرائيليين الصهاينة عندما كشفت ظهرها، فضلار عما انتجه التكامل الكفاحي الوطني من خسائر فاقت كل التوقعات، حيث اعترفت صحيفة “هآرتس” ان اسرائيل تخسر في كل 3 ايام 912 مليون دولار اميركي، اي قرابة مليار دولار. بتعبير اوضح، تمكنت المقاومة المسلحة واذرعها من خلق معادلة جديدة، وفرضت على دولة الإستعمار الإسرائيلية سلوكيات جديدة، فضلا عن فرضها (المقاومة) حظر تجوال في المدن والبلدات الإسرائيلية، كما لم يحدث منذ العام 1948.

وقبل هذا وذاك، كشفت الهبة الرائعة هشاشة وبؤس المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. هذة المؤسسة، التي تغنت بها اسرائيل امام العالم، واعتبرتها ايقونتها الخاصة، واحد أبرز ابداعاتها، لماذا؟ وعلى اي اساس؟ لإنها اولا لم تفكر يوما في السيناريو الجاري على الأرض، ولم تقرأ تداعيات الهبة جيدا، وهنا فرق بين تحذير المؤسسة العسكرية من اخطار ما يجري في القدس العاصمة، وبين غيابها الكلي عن قراءة سيناريوهات كابوسية، لم تفكر فيها ذات يوم إلآ عبر ثرارات هامشية، لم تحتل وزنا في الفكر السياسي والعسكري الاستراتيجي الإسرائيلي عن صحوة وانتفاضة ابناء الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة؛ ثانيا لم تفكر للحظة ان اذرع المقاومة في قطاع غزة يمكنها الصمود القتالي خلال الايام السبعة الماضية، ولم تتوقع قدراتها ولياقتها وابداعها الكفاحي، وكانت تدعي ان لديها معلومات امنية حول الأنفاق وعددها ومخزوناتها وكيفية الوصول لها. لكن التطورات كشفت بوضوح ساطع انها لا تملك شيئا، بل صفر معلومات، وصفر مواجهة، وسقوط هيبة الجيش الإسرائيلي امام شاشات وفضائيات العالم كله وخاصة الفضائيات الإٍسرائيلية، وايضا هزمت المؤسسة الأمنية بمكوناتها المختلفة في فشلها الذريع في توقع ما جرى ويجري داخل المدن المختلطة، وردة فعل الشارع الفلسطيني العربي في داخل الداخل. لإنها إعتقدت ان نموذج منصور عباس وعلي سلاّم واضرابهم، هو النموذج السائد، وان الإستسلام الفلسطيني بات كليا، وخاضعا لمنطق الأسرالة، بيد ان النتائج جاءت معاكسة ورافضة لكل تعبيراتها بما في ذلك اولئك الذين تورطوا في الإلتحاق بصفوف المؤسسات الأمنية، وراهنوا عليها خلال المرحلة الماضية من تاريخ الصراع. إلآ ان الهبة العظيمة في داخل الداخل اجبرهم، او دفعهم لإعادة نظر في التحاقهم بتلك الاجهزة، واعلنوا على الملأ عن اعتذارهم لشعبنا على ما اقترفوه، وبات اولئك المتأسرلون في اخمامهم واوكارهم كالجرذان مختبئون.

ومن معادلات الهبة البطلة، انها وضعت المنظومة الرسمية العربية كلها في مأزق لم يسبق له مثيل، وخاصة النظام السوري، الذي اعتبر نفسه نظام الممانعة والمقاومة، الذي يملك عشرات الاف الصواريخ، والطائرات والدبابات، ورغم تعرضه لعشرات ومئات المرات من الصفعات الاسرائيلية وبطريقة مذلة ومهينة، إلآ انه لم يطلق صاروخا واحدا تجاه دولة الإستعمار الإسرائيلية  ردا على الانتهاكات الخطيرة، التي نفذتها إسرائيل المارقة والخارجة على القانون الدولي، ولاعادة الإعتبار لهيبة ومكانة النظام وخطابه السياسي. وبقي اسيراً لمنطق وشعار “سنرد في الوقت والمكان المناسب”، حتى ان ايران الفارسية بدأت “تردد ذات الشعار” نتيجة افلاسها.

كثيرة المتغيرات والمعادلات التي افرزتها هبة القدس 2021، ومن المبكر الإدعاء والإعتقاد بالتمكن من إجمالي القراءة العلمية للمتغيرات السياسية والكفاحية والفكرية. لكن هناك ثابت لا يجوز التعامي او القفز عنه ونحن نقرأ مخرجات الهبة، وهو عدم النسيان للحظة خلفيات واجندات القيادات السياسية لحركة حماس ومن لف لفها، او إغماض العين عن برنامجها واهدافها الصغيرة.

وأود ان أؤكد للمتطيرين المأخوذين بعواطفهم وانفعالاتهم، نعم هنا يمكن الفصل المنطقي بين القيادات الحمساوية الممسكة بالقرار، وبين الدور الكفاحي للذراع العسكري. بالاضافة لعدم تناسي او اغماض العين عن الكيفية التي تم فيها انقاذ نتنياهو من حبل المشنقة مع ايقاف وإفشال تشكيل حكومة إسرائيلية من قوى حركة التغيير، كما سماها الإسرائيليون .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى