أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب لبنان إلى المجهول

عمر حلمي الغول ١٨٠٧-٢٠٢١م

يوم الخميس الماضي الموافق 17 تموز / يوليو الحالي أعلن الرئيس سعد الحريري اعتذاره عن تشكيل الحكومة بسبب إستعصاء التفاهم بينه وبين رئيس الجمهورية، العماد ميشال عون على تشكيلة الحكومة المقترحة من 24 وزيرا، حيث بقيت نقاط الخلاف المبدأية بين الرجلين على الثلث المعطل، وعلى الأسماء وحصص الطوائف، وفي الجوهر لم يعد هناك قواسم مشتركة بينهما، وحتى الكيميا اضمحلت وغابت مصلحة الوطن والشعب اللبناني عن النقاش.

ويعلم الجميع أن الازمة اللبنانية لم تبدأ منذ تم تكلبف سعد الحريري لتشكيل الحكومة في 22 تشرين اول / اكتوبر 2020، انما ظهرت للسطح مع مظاهرات الجوع والغضب الشعبي عندما اعلن الشعب اللبناني في إكتوبر 2019 شعار إسقاط مركبات النظام الظائفي، ورفع مقولته التاريخية “كلن يعني كلن”. وجاءت الثورة نتاج قناعات طبقات الشعب بان امراء الطوائف والحروب، هم من اوصل البلاد لطريق مسدود، وبالتالي املت الضرورة رفع الصوت وإعلان رفض المنظومة السياسية كلها، ولإعتقاد كل النخب السياسية العلمانية، والمسحوقة، ان اولئك الأمراء هم اس البلاء، والذين اوصلوا الوطن اللبناني الجميل ومنارة الثقافة والمعرفة إلى غابة ومستنقع آسن، بفعل احتدام الصراع فيما بينهم على اقتسام كعكة النظام السياسي المتهالك والمتعفن بالفساد والجريمة. بيد انه تم إجهاض تلك الثورة من خلال التفاف النظام الطائفي وحلفائه الفرنسيين ومعهم حزب الله كل من موقعه وحساباته الخاصة.

وللتغطية على الثورة الشعبية وصعودها، تم تفجير مرفأ بيروت في الرابع من آب/ أغسطس 2020 قبل عام تقريبا، في اعقاب ذلك هبط الرئيس الفرنسي، ماكرون شخصيا للبنان، والتقى القيادات اللبنانية الرئيسية، ودعا لتغيير النظام، وتغيير حكومة تسيير الاعمال برئاسة حسان دياب، وإفترض المراقبين أن “الأم الفرنسية الرأوم” ستنقض لبنان، مع انها هي من أصل للتقسيم الطائفي. لكن الولايات المتحدة كان لها رأي آخر، مما اسدل الستار على المشروع الفرنسي، ونفخه كفقاعة في الهواء.

وبالنتيجة دخلت الأزمة الإقتصادية اللبنانية حدا غير مسبوق، حيث تجاوزت الليرة اللبنانية سقف ال23 الف ليرة مقابل الدولار الواحد، مما ادخل لبنان في نفق الإفلاس والضياع والمجهول. ومع ذلك مازالت نخب الطوائف السياسية تعيث فسادا في البلد، وتتقاذف الإتهامات المتبادلة في المسؤولية عما اوصل البلاد لقاع الهاوية، وتعددت الأزمات بين حاكم مصرف لبنان، رياض سلامة والاخرين، وتعاظمت الإتهامات الموجهة له، وعلى دوره في تهريب العملة الأجنبية للخارج، وفساده مع سكرتيرته؛ مرورا بازمة المرفأ وتداعياتها الأمنية والأخلاقية والإقتصادية والإجتماعية الإنسانية؛ وصولا لازمة البنزين والكهرباء والمياة والنفايات، التي افقدت لبنان شموخه وعزته، وجميعها تمثلت بازمة المجتمع اللبناني كله، وخاصة الطبقات والفئات والشرائح الإجتماعية المسحوقة والفقيرة، والتي لم تعد تقوى على اكل الخبز الحاف. لإن الليرة اللبنانية انسحقت، وباتت دون اي قيمة، حتى ان ضباط وجنود الجيش دخلوا في دوامة الجوع والفاقة والعوز، وبعد ان كان الضابط الكبير يستلم راتب قيمته 2000 دولار، لم يعد راتبه يوازي الان 400 دولار اميركي.

هذة اللوحة السوداء الدراماتيكية لم تأتِ نتاج إفلاس أمراء الطوائف والحروب، انما وقفت وراءها مجموعة من الأقطاب والدول، منها الولايات المتحدة وإسرائيل وبعض اوروبا المعنية بالملف اللبناني وبعض دول الإقليم عربية وإسلامية، وبات لبنان عنوانا وساحة لتصفية الحسابات فيما بين القوى المتصارعة جميعها، فتداخلت التناقضات الداخلية مع الصراعات الإقليمية والدولية، وجميعها دفعت ومازالت تدفع لبنان إلى أزمة قاتلة تهدد مصير الشعب والوطن اللبناني برمته.

ولا مخرج للبنان الحالي إلآ بانتهاء عصر الطوائف، وبناء المجتمع اللبناني المدني، دولة المواطنة والحرية والديمقراطية بعيدا عن كل التقسيمات القائمة والمرفوضة من قطاعات وطبقات الشعب المختلفة. لكن يبدو ان آفاق اية ثورة شعبية جديدة او متجددة الآن قد يبدو مجهولا ايضا، لإن من نزل يوم السبت ومازال ينزل للشوارع في بيروت وطرابلس، هم انصار امراء الحروب والطوائف، وليسوا رواد التغيير. كما ان القوى الإقليمية والدولية قد تدفع لبنان إلى هاوية حرب جديدة ومدمرة، ومن يتابع تصريحات قادة جيش الموت الإسرائيلي يلحظ جيدا، انهم جميعا يرددون بشكل متواتر اسطوانة الحرب على لبنان، واستحضار حرب تموز / يوليو 2006.

الصورة في لبنان ليست معتمة فقط، بل سوداء كما الكحل، لا يرى اي مراقب اصابعه في وضح النهار. لا املك سوى ان ارجو للبنان الشعب الشقيق السلامة والتمكن من الخروج من النفق المغلق والمسدود بأقل الخسائر. لكن هناك فرق بين الرجاء والواقع.    

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى