أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – قراءة سريعة في التطبيع الخليجي

عمر حلمي الغول – 8/10/2020

امر ملفت جدا، ومثير للتساؤل وللقراءة العلمية لحالة الإنفلات التطبيعي بين الإمارات والبحرين وإسرائيل. حيث لا يكفي الإدانة والإستنكار والإستغراب، لإن هذا لا يفي بالهدف المطلوب، ولا يقدم للقارىء أجوبة علمية للحالة السائدة، والتي يفترض انها غريبة نسبيا. لا سيما وان كل من مصر والأردن وقعتا إتفاقيتي تسوية مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، لكن الجماهير العربية في كلا الدولتين لم تطبع العلاقات مع الإسرائيليين، ليس هذا فحسب، بل انها ترفض من حيث المبدأ فكرة التطبيع وابرام الإتفاقات مع الدولة الخارجة على القانون، ويصل الأمر بالنخب الثقافية والإعلامية والحزبية تخوين كل من يطبع العلاقات مع تلك الدولة، الأمر الذي يضع الف علامة سؤال على الحالة الخليجية: اين الخلل؟ وهل الجماهير العربية في بعض دول الخليج لا تعي الحقيقة، ومندفعة فعلا بإرادتها نحو التطبيع الإستسلامي التخاذلي؟ ما هي العوامل السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية لهذا السباق المجنون نحو التطبيع؟

اعتقد اني مررت سابقا على عدد من العوامل، مع ذلك تستدعي الضرورة التوقف مجددا امامها، وامام غيرها من الأسباب لفهم الخلفيات، ووضع الحلول المناسبة لإستنهاض الجماهير العربية في دول الخليج، والتي بمجملها العام ترفض التطبيع، وأقل نسبة جماهير في الدول العربية رفضا للتطبيع، هي الإمارات العربية، التي بلغت فيها نسبة الرفض 71,5%، وهناك دول وصلت ل92% وفق فضائيات CNN وBBC .. وغيرها من المنابر الإعلامية الغربية. بيد ان محاولات دولة الإمارات تحديدا في دفع عملية التطبيع بشكل جنوني ومفتعل، يلقي بظلال كثيفة على الواقع، وفيها تحدي لإرادة الجماهير الإماراتية العربية خصوصا ولكل الجماهير العربية من المحيط إلى الخليج، الأمر الذي يحتاج إلى قراءة سيوسولوجية لتاريخ التطبيع، وتاريخ نشوء الدول، وعوامل بقائها ونموها وإزدهارها كسوق، وككمبرادور للشركات الرأسمالية الغربية، وطبيعة علاقاتها مع الغرب عموما والولايات المتحدة وبريطانيا خصوصا، ومن خلالهما مع دولة الإستعمار الإسرائيلية… إلخ

ومن العوامل الأساسية المؤثرة في السلوك الإماراتي كنموذج، اولا تاسست الدولة عام 1971 من الإمارات السبع بعد حوارات متشعبة وبرعاية الدولة البريطانية، التي كانت تستعمرها جميعا، وبالنتيجة قامت بالتوفيق بين مشايخ الإمارت، وتم تنصيب الشيخ المؤسس المغفور له زايد بن سلطان حاكما على الدولة الفيدرالية، لإنه يقف على رأس الإمارة الأكبر والأغنى. وتم منح الإمارات المختلفة حريات نسبية داخليا، لكن السياسات الخارجية والدفاعية والتربوية الثقافية واحدة؛ ثانيا المجتمع الإماراتي كان ومازال مجتمعا قبليا وضعيفا، رغم كل التطور الشكلي، الذي واكب النهضة الإماراتية العمرانية، التي غذاها النفط السلعة الأهم خلال عقود السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي. وحوّل الإمارات إسوة بكل دول الخليج ذات الحكم الثيوقراطي (الوراثي) إلى كمبرادور وسيط لتوزيع وترويج سلع الشركات الرأسمالية، ولم يسمح لتلك الدول ببناء إقتصاد منتج، يرتكز على قاعدة إقتصادية زراعية صناعية وفق منهجية التنمية المستدامة، وذلك لتبقى رهينة دول المركز في الغرب الرأسمالي؛ ثالثا هذة الدولة لا تملك جيشا وطنيا بالمعنى الدقيق للكلمة، وجيشها، او جيش اغلب دول الخليج تعتمد على الجنسيات الآسيوية، التي لا يربطها أي إنتماء وطني او قومي. فضلا عن انها ترتبط مباشرة بالمنظومة الأمنية الغربية من خلال الأجهزة الأمنية، والقواعد العسكرية وشراء الأسلحة كضريبة حماية؛ رابعا طبيعة النظام السياسي والإقتصادي والأمني هشة وضعيفة، ولا تملك اي من دول الخليج مع استثناءت محدود جدا جدا القدرة على الدفاع عن حدود الدولة، ولا عن أمنها الداخلي، وهي في ذات الوقت مفتوحة الابواب لكل المكونات الأمنية الغربية ومن خلالها الإسرائيلية، وارتباطا بذلك كانت العلاقات الأمنية الإماراتية الإسرائيلية موجودة وسابقة على كل العلاقات بين الدول العربية وإسرائيل، لإن المتنفذين في الإمارة، والممسكين بمقاليد الأمور الأمنية، ومن بينهم محمد بن زايد، كانوا يهيئون انفسهم لوراثة الحكام الأباء، ومفتاحهم للحكم يعتمد على التربيط والتشبيك مع المنظومة الغربية عموما والولايات المتحدة خصوصا، ومن خلالها مع دولة الإستعمار الإسرائيلية؛ خامسا الإندفاع الجاري هو ثمن وضريبة البقاء في الحكم، ولهذا إندفع المطبعون المبتذلون الجدد للتغطية على عارهم، وإفلاسهم، ولتأكيد ولائهم للسادة الأميركيين والإسرائيليين، سادسا عدم وجود حركة وطنية، وان وجدت بعض الشخصيات والنخب، فهي بلا رصيد كبير في الشارع، فضلا عن رشوة البترو دولار لقطاعات كبيرة من النخب الإعلامية والثقافية ليس الإماراتية فحسب، بل والعربية عموما. والتي تلازمت مع ثورة الفضائيات، والإنترنت، التي قامت من خلالها القوى المتورطة بالتطبيع بشراء الذمم بفتات المال السياسي، وايضا عبر ضخ حملة إعلامية ثقافية وفنية هابطة، ومتساوقة مع عمليات غسل دماغ المواطن العربي عموما لصالح الترويج لبضاعة التطبيع الخيانية.

كل ذلك وغيرها من العوامل مهدت لحالة الإندفاع في عملية التطبيع الرخيصة والمبتذلة، ولكن هذة العملية التي توحي بقوة الإندفاع، هي بالإساس شكل من اشكال الدفاع عن الذات، والترويج للبضاغة الفاسدة، ولإيهام الجماهير الإماراتية، ان الشارع بنخبه وقطاعاته المختلفة يقف خلف القيادة المتورطة بالتطبيع مع اسرائيل المارقة والخارجة على القانون، والحقيقة عكس ذلك.

وحتى تستطيع القوى الوطنية هنا وهناك من الدفاع عن ذاتها تحتاج إلى ان تتخلى عن امتيازاتها، وتقف موقفا شجاعا لتحشيد الجماهير العربية خلفها لوقف العملية الجبانة التي يقودها محمد بن زايد وزمرته الإماراتية. وللحديث بقية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى