أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – عنتريات السنوار المضرة

عمر حلمي الغول – 31/5/2021

واحدة من أهم مخرجات تجارب السجن للمناضلين الفلسطينيين، إنها تصقل تجاربهم الكفاحية، وتعمق لديهم الحس الأمني، وترفع سوية ثقافتهم ومعارفهم العامة، وتعزز لديهم روح الوحدة والتماسك الوطني، وتغليب منطق الـ”نحن” على الـ”انا” نتاج احتدام المواجهة مع السجان الصهيوني، وتعاظم معارك التحدي بين الإرادتين في غرف التحقيق، والتي عادة تولد مناعة أبطال أسرى الحرية.

لكن هذة السمة، قد لا تنطبق على جميع المعتقلين. لا سيما أن معادنهم وكفاءاتهم وقدراتهم الذهنية والمعرفية والثقافية ليست واحدة، وبالتالي هناك فرق بين مناضل ومناضل، وبين أسير وأسير، والفرق لا يتعلق بعدد سنوات الاعتقال، إنما بالذكاء والفطنة والموهبة، والبعيدة عن الأجندات الإسقاطية الخاطئة والمنقوصة.

حتى لا أطيل، أود ان أتوقف أمام تجربة وكلمة يحيى السنوار أمام الكتاب والصحفيين يوم الأربعاء الماضي الموافق 26 أيار / مايو الحالي، التي تعرض لها عدد من أصحاب الرأي، وجاءت بعد وقف الحرب الاسرائيية الهمجية على أبناء الشعب في محافظات قطاع غزة يوم الجمعة الموافق 21/ 5/2021، وبدا فيها رئيس حركة حماس في غزة مندفعا ومغرورا، وسطحيا في قراءته المعادلة السياسية والعسكرية والأمنية والاجتماعية والاقثتصادية والثقافية.

لم أكن أود التوقف أمام هذا الجانب، بيد أن ثرثرات أبو إبراهيم العنترية ، أملت علي توضيح بعض النقاط، وكشف نواقص وثغرات الخطاب، ومثالبه الأمنية، وجميعها تدلل على أن تجربة مؤسس جهاز أمن حماس “مجد” لا علاقة له بالأمن والمسؤولية تجاه حركته وجهازه، وسقط بامتياز أمنيا، وأعطى معلومات مجانية للاحتلال الإسرائيلي. فضلا عن أنه، بدل أن يتواضع ويجلس على مقعده بهدوء بعيدا عن صخب الخطابات الهوجاء، تطاول على منظمة التحرير وقيادتها، واعتبر نفسه وحركته، أنهم باتوا جاهزين لوراثة المنظمة، وشطب القيادة الفلسطينية، وهو ما يعكس جهلا وأمية سياسية وتنظيمية فاقعة، ومرفوضة ومعيبة بحقه. مع أنه حاول أن يركب موجة الراحل الرمز أبو عمار سعيا لاستقطاب المواطنين البسطاء.

بالتوقفت امام بعض نقاط الخطاب، استطيع تسجيل الآتي: اولا كانت معركة ما يسمى “سيف القدس” بكل المقاييس غير متكافئة لا بالأسلحة ولا بالإمكانيات ولا بالنتائج. والسنوار يعلم أن إطلاق 4300 قذيفة صاروخية على المدن في اسرائيل بما فيها تل ابيب، على اهميتها، واهمية ما احدثته من نقلة ايجابية في مسار عملية المواجهة مع دولة التطهير العرقي، إلا انها لم تكن متكافئة، وموازين القوى مختلة وتميل بشكل فاضح لصالح الدولة الكولونيالية الإسرائيلية، والخسائر التي وقعت في صفوف الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والبنية التحتية كانت اضعاف ما اصاب دولة إسرائيل المارقة، دون إغفال أو الانتقاص من الاعتزاز بصمود شعبنا الفلسطيني وقواه الحية، والتقدير لمواصلة اذرع المقاومة بإطلاق قذائفها الصاروخية حتى آخر دقيقة من المواجهة. وبالتالي الاستخفاف بالعدو، والانتقاص من قدراته، والمبالغة في قوة الذات، لم يكن موضوعيا وصائبا.

ثانيا مما لا شك فيه، ان العدو وقع في اخطاء امنية عديدة، وفشل قادة اجهزة امنه في التقدير الدقيق لآفاق هبة القدس وتداعياتها الفلسطينية داخل القدس العاصمة الأبدية وفي الضفة عموما والجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، التي فرضت تغييرا جديا في المواجهة قبل دخول جبهة قطاع غزة على خط المعارك. والذي جاء اساسا ليس استجابة لنداء اهل القدس، انما لقطع الطريق على ما تم التوصل اليه بين القيادة الفلسطينية ودولة اسرائيل المارقة بالتوقف عن جرائم حربها في الشيخ جراح وباحات المسجد الأقصى وساحة باب العامود، وجاء التدخل بعد ان سربت إحدى الدول العربية الخبر لحماس.

مع ذلك دولة المشروع الصهيوني بقيت لديها خيوطها ومعلوماتها ومعطياتها الأمنية، واصابت بعض مؤسسات حركتي حماس والجهاد، والتي اعترف بها السنوار، حين ادعى انه لم يصب سوى 5%، وهو اقرار مبدئي، والأهم من ذلك دمرت بنى تحتية غير مسبوقة داخل مدن ومحافظات القطاع، لم تشهدها حرب الـ51 يوما عام 2014. وبالتالي وانت تتعامل مع عدوك بقدر ما تعتز بصمودك وعوامل قوتك، بقدر ما يفترض ان ترى قوة العدو، حتى تتمكن من معالجة معطيات المعركة بشكل موضوعي، وللابتعاد عن خداع الذات.

ثالثا إعلان يحيى السنوار عن وجود ما يزيد عن 500 كليو متر من الأنفاق تحت الأرض، كان سقطة فاضحة ومعيبة ونقيصة امنية، وسمحت وستسمح  للعدو الصهيوني والغرب ومنابرههم الاعلامية  باستخدام هذة المعلومة بطريقة تحريضية ضد الشعب الفلسطيني، وتشويه صورة الضحايا الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ، كما ويمنحها التغطية على  جرائم حربها ضد ابناء الشعب في محافظات الجنوب وبشكل مجاني. لأنه لم يفكر في ابعادها، ولم يتعلم من تجربة سجنه، ولا حتى من تجربه حياته خلال الستين عاما الماضية.

رابعا الادعاء ان وقف اطلاق النار غير مشروط، وهو يقوم على ركيزة وقف اطلاق النار مقابل وقف إطلاق النار من العدو، التي تعني تماما “الهدنة مقابل الهدنة”، وهي تصب في مصلحة العدو، وليس في مصلحة قوى الثورة، لأن العدو لا يريد ضوابط للجمه، ووقف عدوانيته الوحشية على شعبنا، ويستطيع استخدام اي ذريعة لفتح جبهة الحرب على الشعب. وعلى ما يبدو ان السنوار لا يعي أبعاد ذلك.

خامسا التهديد بدخول دول الإقليم في المعارك القادمة، وهو يقصد حزب الله في لبنان وايران بطبيعة الحال، وهذا يعكس أما جهلا بمواقف تلك القوى وحساباتها، او إفراط في التفاؤل، او نسيان ما يمثل في المشهد السياسي والعقائدي، وارتباطاته مع التنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، او يعلم ولكنه اراد خلط الأمور لتنفيذ الأجندة المعروفة تاريخيا.

سادسا الغرور والتعالي على الكل الفلسطيني وخاصة على حركة فتح، وعلى قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعتبرها “ناديا سياسيا”، يعني اي كلام. ليس هذا فحسب، بل انه استخدم تعبيرا فاجرا وغبيا عندما تساءل “ماذا تمثل منظمة التحرير دون حماس والجهاد وقوتيهما العسكريتين؟” واضاف ” إن إحراق الوقت غير مجدٍ، ويجب ان نجلس إلى الطاولة لترتيب بيت م. ت. ف ووضع استراتيجية لها.” اولا منظمة التحرير عندما لم تكن حركتا حماس والجهاد كانت موجودة، وما زالت موجودة، وهي اهم انجاز وطني، ووجود حماس والجهاد على اهميته، إلا ان الحركتين لا تساويان شيئا دون منظمة التحرير، لأنها هي الحامل الشرعي الوحيد لكل الشعب الفلسطيني، ومهما كانت قوة الحركتين، فإنها معادل صفر بلا المنظمة. أضف أن من يريد ان يرتب البيت الفلسطيني يفترض ان يتواضع، لا ان يتعالى على الاخرين، ان يتعامل بروح المسؤولية الوطنية، وتعزيز لغة الشراكة، والاستعداد لدفع استحقاقات اتفاقات المصالحة. والكف عن العنتريات والثرثرة الفارغة، وخلق مناخ ملائم لبناء جسور الشراكة السياسية والكفاحية.

وقعت يا رئيس حركة حماس في غزة في خطيئة كبيرة، ولم تحسن الحديث، ولم تصن امن مؤسستك، وقدمت معلومات مجانية لدولة العدو الصهيونية وبلا مقابل. وسقطت في اختبار الشراكة الوطنية، لأنك غردت خارج السرب، رغم الحديث عن ترتيب البيت الفلسطيني راجع نفسك جيدا، وضع كل ما تحدثت به امامك على الطاولة  ودقق، واخرج في اليوم التالي وقدم اعتذارا للشعب ولحركتك وللحركة الوطنية، لأنها كلها كانت شريكة في الميدان وعلى رأسها حركة فتح بأذرعها المختلفة والشعبية والديمقراطية وطبعا قبلهم الجهاد، وبالتالي لم تكن وحدك في الميدان، ولم تكونا وحدكما في الميدان انتم والجهاد، انما الكل الوطني، ولو اتيح لأذرع المقاومة الأخرى ان تتحرر من قبضة اجهزة ميليشياتك وملاحقاتها لكان لديها اكثر من كتائب القسام اسلحة وقوة وعطاء. وتذكر معارك البطولة للمنظمة وفصائلها الوطنية من العام 1965 حتى يوم الدنيا هذا، عندما كانت فصائل الثورة لم تكن، ولن تكون وحركتك دون التعاون مع الفصائل وتحت راية منظمة التحرير.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى