أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب –  رام الله البيرة تفاجئ نفسها

عمر حلمي الغول – 19/5/2021

أمس عم الإضراب فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر. المدن والبلدات والقرى والخرب الفلسطينية في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة لبت نداء الإضراب، الذي دعت له لجنة المتابعة العربية العليا في الـ48 وحركة فتح وكل فصائل العمل السياسي. ولم تكتف الجماهير الفلسطينية وقطاعاتها التجارية والصناعية الإنتاجية ووسائل النقل بالإغلاق للمؤسسات والوزارات والمصانع والمحال التجارية ووقف حركة المواصلات في المدن والمحافظات، وإنما خرجت الجماهير كما لم تخرج من قبل إلى الميادين والساحات وخطوط التماس بمظاهرات عارمة رفضا لجرائم الحرب والقتل الإسرائيلية ضد أبناء شعبنا في القدس العاصمة الأبدية وقطاع غزة، ورفضا لعمليات التطهير العرقي في زهرة المدائن وأحيائها المختلفة خاصة الشيخ جراح، ورفضا للضم والاستيطان والتهويد والمصادرة للأراضي والعقارات والمنازل، ورفضا للتقسيم الزماني والمكاني للمسجد الأقصى وانتهاك الأماكن المقدسة في العاصمة.

كان الإضراب شاملا جامعا وموحدا للإرادة الفلسطينية الواحدة، وكان ردا على نزعات التمزق والفتنة الداخلية، وتحت راية العلم الفلسطيني دون سواه من الرايات الحزبية والفصائلية، وشاركت فيه القوى والفصائل والحركات السياسية وممثلو القطاعات الاجتماعية والاقتصادية والأكاديمية والثقافية والإعلامية بشعارات واحدة وهادفة، وهتفت الحناجر لفلسطين وحريتها واستقلالها ولمستقبل أجيالها الجديدة، وأكدت الأجيال الشابة ومن مختلف الأعمار تمسكها بالوطن الأم فلسطين، وتجذرها في مدنها وقراها حتى التحرير.

كانت لوحة المشاركة الشعبية عظيمة باتساع وشمولية الشرائح والفئات والطبقات الاجتماعية، وبالكم الهائل من العائلات، التي جاءت بأبنائها الرضع والأطفال من محتلف الأعمار لترضعهم حليب الانتماء للوطن الأقدس والأغلى فلسطين، حملوا الأعلام واللافتات الصغيرة والمتوسطة والكبيرة وكتبوا شعاراتهم بأيديهم الصغيرة والمعبرة عن وقوفهم إلى جانب أبناء شعبهم الواحد والموحد تحت نيران القصف الهمجي في قطاع غزة، الذي يتعرض للموت ألف مرة في اليوم تحت حمم الصواريخ والطائرة الحربية والزوارق البحرية وقذائف الدبابات وكل آلة الموت الإسرائيلية وعلى مرأى ومسمع من العالم. وللأسف ما زال هذا العالم أسيرا للسقف السياسي الأميركي، الذي أعطى ويعطي الضوء الأخضر لدولة التطهير العرقي الإسرائيلية بمواصلة جرائم حربها ضد أبناء الشعب الفلسطيني، وحالت دون عقد جلسة لمجلس الأمن، ليس هذا فحسب

بل إن الإدارة الأميركية صادقت على بيع إسرائيل المارقة والخارجة على القانون أسلحة وذخائر بما يزيد عن الـ700 مليون دولار أميركي، وهو ما يتنافى مع أبسط معايير القيم الإنسانية، وفي تحد صارخ للقانون والأعراف الدولية، ورغم اتساع دائرة الاتهام لدولة الاستعمار الإسرائيلية، باعتبارها دولة أبرتهايد، دولة التطهير العرقي، التي تعمل بشكل حثيث على اجتثاث الشعب الفلسطيني من أرض وطنه، ومن بيوته ومن تاريخه ومستقبله، وإحلال المستعمرين وقطاع الطرق الصهاينة.

فلسطين جددت أمس انتماءها لذاتها وتاريخها وعنفوانها لثورتها وأهدافها وثوابتها الوطنية، وأكدت أنها لا تقبل القسمة إلا على وحدتها، وعلى فلسطينيتها، وعلى كفاحها المشروع وبكل تلاوينه وأشكاله دفاعا عن الحرية والسلام. أمس كانت العيون مشحونة بالأمل وبالإرادة كما لم يكن بريقها يشع هكذا منذ عقدين من الزمن. وكان المتظاهرون يتهامسون فرحا وغبطة بما هم عليه في ميدان المواجهة، كأنهم لم يصدقوا أنفسهم، وحضورهم ومشاركتهم، تلاقوا جميعا في الميدان، توحدهم إرادة الصمود والدفاع عن الأرض والثوابت الوطنية.

والأكثر مفاجأة لكل من يعرف محافظة رام الله البيرة، أن المحافظة وأبناءها وقياداتها ومثقفيها وطلابها وزهراتها وأشبالها وشبابها وشيوخها ونساءها الموشحات بالعلم والكوفية فاجأوا أنفسهم بمشاركتهم غير المسبوقة منذ عقدين خلت. رام الله والييرة أمس كانت تلبس ثوب الوحدة، والتمرد على الذات، وعلى الكسل واللامبالاة، انتصرت لوطنيتها، وانتصرت لأبناء شعبها في القدس وقطاع غزة وفي الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة وفي الشتات والمهاجر، وأكدت لذاتها أولا وللشعب ثانيا، أنها عندما تنهض لا يوقفها بارود وقنابل المستعمر الصهيوني، ولا أية قوة في الأرض.

نعم، توافدت الجماهير الفلسطينية من كل حدب وصوب قوافل قوافل لميدان المواجهة مع قوات الاستعمار الإسرائيلية في مستعمرة بيت إيل، ولم تخشَ قنابل الغاز، ولا الرصاص المطاطي أو الحي، وقالت: ارحلوا، وهذا هو وطننا، وأنتم غزاة، وطفح الكيل، ولن نرحل عن ديارنا، ولن يكرر التاريخ نكبة عام 1948 ولا نكسة عام 1967، ونحن موحدون خلف قيادتنا وأهدافنا الوطنية، والاستعمار إلى زوال.

كانت رسالة الإضراب العامة والشاملة في فلسطين أبلغ رسالة لإسرائيل الاستعمارية وحكومتها الفاشية، ولإدارتها الاستعمارية في بيت إيل، ولأميركا وللأقطاب الدولية في كل بقاع الأرض وللأمم المتحدة، نحن أبناء الشعب الفلسطيني سندافع عن تراب وطننا الفلسطيني وعن عاصمة دولتنا الأبدية القدس وعن أماكنها المقدسة خاصة المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وعن قطاع غزة وعن أبناء الشعب في اللد والرملة وحيفا ويافا وعكا والناصرة وشفاعمرو وأم الفحم وكل قرية ومدينة وبلدة في الـ48، ولن نسمح للمستعمر الصهيوني باستباحة الدم الفلسطيني أكثر، وأن على العالم أن يرتقي لمستوى المسؤولية الأخلاقية والسياسية والقانونية ويوقف المجزرة الوحشية في قطاع غزة، الذي يخضع منذ عشرة أيام طوال لأبشع عملية قرصنة وتدمير منهجي ووحشي في وضح النهار لذبحه من الوريد إلى الوريد، وأن يعود لجادة السؤال الأساسي، لعنوان وجذر المسألة الفلسطينية والصراع الفلسطيني الصهيوني، وأن يسارع لعقد مؤتمر دولي ملزم لفرض استحقاقات السلام العادل والممكن والمقبول فلسطينيا وعربيا وعالميا، المتمثل بالانسحاب الإسرائيلي فورا من أراضي دولة فلسطين التي احتلتها في الخامس من حزيران عام 1967 وفي مقدمتها القدس العاصمة الفلسطينية، وضمان حق العودة للاجئين الفلسطينيين على أساس القرار الدولي 194، والمساواة الكاملة وغير المنقوصة لأبناء الشعب الفلسطيني في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وإلغاء “قانون القومية الساس للدولة اليهودية” وكل القوانين العنصرية، وبناء جسور السلام في المنطقة والعالم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى