أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – خطيئة الأمير بندر

عمر حلمي الغول – 7/10/2020

في لقاء خاص مع قناة العربية يوم الإثنين الموافق 5 /10/2020 إدلى الأمير بند بن سلطان، رئيس جهاز المخابرات السعودي الأسبق بمواقف عديدة حول القيادة والقضية الفلسطينية جانب فيها الصواب، ولا ادري ان كان خلطه الأمور والأوراق عن سابق تصميم وإصرار، أو ان الذاكرة خانته، واللحظة السياسية دفعته للمبالغة والتطرف في الإساءة للقيادة الفلسطينية، وتجاوز المألوف في اللغة الديبلوماسية، التي كان يفترض ان يتمثلها في محاكاة الواقع، واعتقد انه وقع فيما كان يعاتب فيه القيادة الفلسطينية، حيث إستهجن وإستنكر وعاب على القيادة إستخدام لغة التخوين، مع انه تدارك، واشار لتراجع القيادة عن تلك اللغة لاحقا.

وقبل ان اواصل الكتابة في الموضوع، اود ان اشير إلى نقطة هامة، وهي ان الأمير بندر في المقابلة، لا، ولم يمثل النظام السياسي السعودي، وانما كان يتحدث عن ذاكرته وتجربته السياسية الخاصة، بيد انه زج بالقضية الفلسطينية في الحوار بطريقة مفتعلة، وخلط الأوراق، وحمل القيادة الفلسطينية ما لا تحتمله. لن اتعرض لكل الموضوعات التي توقف امامها، وساحاول الإيجاز حول اهمها من وجهة نظري الشخصية. فضلا عن اني ضد عدم الرد على السفير الأسبق للمملكة السعويدة في الولايات المتحدة على مدار 22 عاما من 1983 حتى 2005، لإنه كان في موقع المسؤولية، ولديه دراية وألمام جيد، او هكذا يفترض بالمسألة والسياسات الفلسطينية. لإن عدم الرد يشبه كمن يضع رأسه في الرمال، وهذا لا يليق باي فلسطيني لديه معرفة بالتاريخ، وصاحب رأي ووجهة نظر فكرية سياسية.

لذا كان من الواجب الرد على خطيئة الأمير السعودي، ولكن بشكل موضوعي بعيدا عن لغة المهاترات والردح، التي تسيء ولا تفيد، ولا تؤثي أكلها. وسابدأ من قرار التقسيم الدولي رقم 181 الصادر عام 1947، الذي إدعى الأمير بأن الفلسطينيين رفضوه، وإن الإسرائيليين قبلوه؟؟؟ غريب امر الأمير السعودي، هل يعقل مساواة الفلسطينيين أصحاب الأرض والتاريخ والهوية بالغزاة الصهاينة، اصحاب المشروع الإستعماري؟ وهل كان لك كأمير سعودي ان تقبل بإقامة دولة فارسية او غيرها على التراب الوطني السعودي؟ ومع ذلك نعم رفض الفلسطينيون القرار آنذاك، وهذا صحيح 100%، ولكنه لم يذكر، ان جميع الدول العربية رسميا (بغض النظر عن تقييم خلفياتها السياسية ودورها تجاه قضية فلسطين آنذاك ولاحقا) رفضت قرار التقسيم، وخاضت حربا ضد الدولة المشروع الصهيوني، وكان للمملكة العربية السعودية دورا في ذلك. وبالتالي الرفض لم يقتصر على القيادة الفلسطينية، ام ما ذكرته “غير صحيح”؟

أضف إلى ان سمو الأمير لم يشر لتطور الفكر السياسي الفلسطيني، والذي تجلى في العام 1974 بقبول القيادة إقامة سلطة فلسطينية على اي جزء يتم تحريره، وبعد ذلك وافقت على اقامة الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان عودة اللاجئين لديارهم، التي طردوا وشردوا منها على اساس القرار الدولي 194، ولاحقا تبنت مبادرة الأمير ( الملك لاحقا) عبدالله بن عبد العزيز، رحمة الله عليه جامعة الدول العربية بمن في ذلك قيادة منظمة التحرير، وباتت تشكل ناظما للسياسة الرسمية العربية من عام 2002 بعد إقرارها في قمة بيروت العربية. وهنا اسأل سمو الأمير من الذي تخلى عن المبادرة، وعن قرارات القمم العربية وآخرها قمتي الظهران في السعودية وقمة تونس عامي 2018 و2019 القيادة الفلسطينية ام القيادات العربية المطبعة والمستسلمة لمشيئة ترامب ونتنياهو وصفقة قرنهما؟

وايضا قلب التاريخ عندما تحدث عن الحرب الأهلية اللبنانية 1975/ 1990. وحمل الفلسطينيين ويلات لبنان حتى الآن؟؟ اليس في هذا تجني وغياب الحد الآدنى من المسؤولية تجاه التاريخ والسياسة، وتجني على فلسطين ولبنان على حد سواء؟ من الذي فجر الباص الفلسطيني في عين الرمانة في 13 نيسان / ابريل 1975؟ اليسوا أداة اميركا وإسرائيل، اي القوات اللبنانية الإنعزالية؟ والم يشرف على الحرب الأهلية هنري كيسنجر ومستشار الإدارة آنذاك براون؟ ومن الذي إجتاح لبنان عام 1982؟ إسرائيل أم منظمة التحرير؟ ومن الذي صمت على ذبح الشعب والقيادة الفلسطينية مدة 88 يوما تحت نيران حرب قذرة خاضتها إسرائيل وبدعم واضح من أساطيل الحرب البحرية الأميركية، ام نسيت سموك؟ ومن الذي دمر ويدمر لبنان حتى الآن، القيادة الفلسطينية التي دعمت وتدعم إستقلال وسيادة لبنان، ام اللصوص وامراء الحرب من القوى والطوائف والمذاهب المختلفة؟

واما اتفاق مكة عام 2007 بين حركتي فتح وحماس برعاية خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز انذاك، من الذي نقض الإتفاق القيادة الشرعية ام حركة حماس، فرع جماعة الإخوان المسلمين؟ ومن كان يقف خلفها؟ ومن دعمها؟ ومن مدها بالمال والسلاح؟ ومع ذلك تعاملت القيادة الشرعية ومنذ اللحظة الأولى بإيجابية عالية تجاه المصالحة، ووقعت فورا على ورقة المصالحة المصرية عام 2009، في حين وقعت حركة حماس عليها في عام 2011، وثم تم التوقيع على اكثر من اتفاق واعلان ولم يحدث شيء. الآن نحن امام نقطة تحول إيجابية اتمنى ان تكون حركة حماس صادقة في نواياها وخيارها.

وعلى صعيد حرب الخليج وإحتلال الكويت عام 1990، الكل الفلسطيني رفض إحتلال الكويت، وابلغوا ذلك للقائد العراقي الشهيد صدام حسين انذاك، وابدى الرئيس الراحل ابو عمار الإستعداد للوساطة بين الأشقاء، لكن البعض البعض اراد للقيادة الفلسطينية ان تنحاز دون نقاش، ويعلم الجميع، ان قيادة منظمة التحرير إعتمدت مبدأ “عدم التدخل بالشوؤن الداخلية العربية، لإنها فوق المحاور. لهذا رفضت القيادة الفلسطينية، وسترفض الآن ارسال اي مقاتل إلى اي حرب بينية عربية عربية، ولا تقبل إحتلال دولة عربية من قبل الغزاة الأميركيين ومن لف لفهم. اين الإستغراب؟ ولماذا الإستغراب؟ القيادة الفلسطينية لم تدر ظهرها للإشقاء العرب، ولم تخذلهم، ولم تسيء يوما لشقيق حتى عندما كان البعض يمعن في الإساءة والتغول، ويحاول السيطرة على القرار الفلسطيني، او يفرض الوصاية على الشعب والقيادة. وبالتالي كانت القيادة تدافع عن نفسها، وعن قضية شعبها، قضية العرب المركزية، وعن قرارها المستقل.

وعن قضية خروج بعض الفلسطينيين في نابلس او غيرها ضد التطبيع والإستسلام العربي الإماراتي والبحريني المهين مع إسرائيل، والذي شكل طعنة في ظهر القضية الفلسطينية، فهذا حقهم الطبيعي والمشروع، وهذا ابسط حقوقهم السياسية، وانت تعلم ايها الأمير ان الشعب العربي الفلسطيني شعب تعددي، وديمقراطي، ويكفل حق التظاهر والإعتصام وتشكيل الحزاب والنقابات … إلخ وبالتالي لا يحق لك محاكمة الشعب الفلسطيني لخروج قوى سياسية ضد هذا الموقف او ذاك، انما حاكم القيادة على مواقفها.

وبالنسبة لمواقفك غير المفهوم، وغير المبرر، والذي إستخدمت فيه عبارات نابية ومعيبة ومخلة بالآداب ضد القيادة الفلسطينية لإنها أدانت ورفضت التطبيع الإماراتي والبحريني، وسترفض وتدين اي دولة ستذهب للتطبيع وتتهمها بذات السوية. وأسأل سموك، لماذا طبعت البحرين والإمارات مع إسرائيل؟ اين هي مصلحتهما الوطنية والقومية؟ هل هناك حدود مشتركة؟ هل هناك حرب وضحايا بين الجانبين؟ وهل مواقفهما تنسجم مع قرارات القمم العربية ومبادرة السلام العربية، التي صاغتها قيادتك انت؟ ماذا تصف مواقف هذة الدول؟ هل نصفق لها، ونبارك خطواتها الإستسلامية؟ هل تعتقد ان الشعب الفلسطيني مقابل المال السياسي، وهو واجب كل عربي ومؤمن بالسلام بدعم ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني، مطلوب ان يرضخ، ويهلل للمقصلة المنصوبة لذبح الشعب والقضية؟

وهناك نقط اخيرة، حول اتهام الأمير بندر لإسرائيل والقيادة الفلسطينية، بانهم نهبوا الشعب الفلسطيني؟ ! بشرفك الشخصي سمو الأمير هل هذا الموقف يليق بك؟ ايعقل لإمير سعودي ضليع في السياسة العربية والدولية الوقوع في مثلبة المساواة بين الجلاد والضحية؟ بين الإستعماري والواقع تحت نير الإستعمار؟ بين اللص والغاصب للتاريخ والهوية والأرض وبين اصحاب الأرض المدافعين عن حقوقهم؟

خطئيتك كبيرة ايها الأمير، ولم تصب في اي مما عرضت، وتجنيت على تاريخ المملكة السعودية قبل ان تتجنى على القيادة والشعب الفلسطيني. انصحك ان تراجع نفسك اولا، وان تعتذر ثانيا للشعب والقيادة الفلسطينية، وان تطالب الأشقاء في الإمارات والبحرين بالإنسحاب من فضيحة الإستسلام المهين امام ترامب ونتنياهو وصفقة عارهما. قد يكون سبق السيف العذل. لكن مازال هناك متسع لمراجعة الذات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى