أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – حماس ومفارقة الانتخابات

عمر حلمي الغول – 13/3/2021

الانتخابات العامة أو الخاصة، هي جزء لا يتجزأ من منظومة القيم الديمقراطية، ومرتبطة ارتباطا عميقا بالالتزام بالنظام والدستور، ووفق ما رسخه العقد الاجتماعي بين البناءين الفوقي والتحتي من أحكام وضوابط لانتظام صيرورة العلاقة البينية بين السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، والاحتكام لمبدأ التداول السلمي للسلطة بمستوياتها المختلفة. وبالتالي يصبح التقيد باللوائح المنظمة للعلاقات البينية بينهما شرطا ضروريا لديمومة العملية الديمقراطية، وارتباطا بذلك لا يمكن فصل الانتخابات العامة على مستوى الشعب عنها داخل نقابة أو اتحاد شعبي أو حزب، والعكس صحيح. لأن اختزال الانتخابات في إطار بعينه دون الجوانب الأخرى العامة والخاصة يعكس سياسة أحادية الجانب، وانتقائية تهدد المنظومة الدستورية برمتها،وتكشف عن خواء وإفلاس قيمي وقانوني ومجتمعي وثقافي، وتنفي الطابع الديمقراطي عن المجتمع والدولة والشعب. كون الأمور تقاس بتجذر وتعميم الديمقراطية في مركبات المجتمع، وليس في زاوية من زواياه، ولأن السقوط في متاهة الفصل الميكانيكي بين مكونات العملية الديمقراطية فيه استباحة لها، وانتقاص من دورها، وتشويه لأهميتها في المجتمع.

ما تقدم له عميق الصلة بتجربة تنظيم جماعة الإخوان المسلمين عموما، وفرعها الفلسطيني / حركة حماس خصوصا، ومفارقة العلاقة مع الانتخابات، ففروع الجماعة تجري انتخابات دورية وفق لوائحها الداخلية كل أربع سنوات لانتخابات المرشد أو المراقب العام أو أمير الجماعة أو رئيس التنظيم أو الحركة. ولكنها ترفض من حيث المبدأ إجراء الانتخابات في النقابات والاتحادات الشعبية وعلى المستوى الوطني، ولا تقبل بها إلا مرغمة، ووفق حسابات دقيقة، وارتباطا بأجندتها الخاصة والعامة. وهذا ما لمسناه في تجارب فروع الجماعة في مصر وتونس وفلسطين وحيثما وجد فرع للتنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

ولو عدنا لتجربة حكم الإخوان في مصر (2011/ 2012) أثناء تولي الرئيس المرحوم محمد مرسي العياط، لرأينا، أنهم قاموا بالانقلاب على دستور البلاد عبر الاستفتاء على الإعلان الدستوري، الذي اضطر لإلغائه تحت ضغط الشعب وقبل رحيله عن كرسي الحكم.

وهذا ما فعلته حركة النهضة في تونس، التي حاولت اختطاف الحكم، وما زالت تحاول فرض وصايتها على النظام السياسي التونسي حتى الآن ووفق مبدأ وتكتيك “الخطوة خطوة” المتدحرج لتغيير كل مكونات النظام بعد أن فشلت حكومتا حمادي الجبالي وعلي العريض من نهاية 2011 حتى 2014، ما أرغمها على التراجع عن تبوء مركز الصدارة بعد افتضاح مخططها وتحت ضغط الشعب عموما والنساء خصوصا.

وعلى المستوى الفلسطيني وبعدما فازت حركة حماس في انتخابات 2006، أصرت على تشكيل حكومة حمساوية خالصة، ورفضت بعد ذلك إجراء الانتخابات، واعتبرت حكومتها ربانية، وأَولت الآيات القرآنية، وأحاديث السنة النبوية، لتسقط قرارها وخيارها اللاديمقراطي، والرافض للعملية الديمقراطية بمختلف عناوينها ومستوياتها، وللشراكة السياسية، وللتعددية الحزبية، وتمثل ذلك مباشرة بانقلابها على حكومة الوحدة الوطنية، التي تشكلت في أعقاب اتفاق مكة شباط / فبراير 2007 وبعد أربعة شهور، أي في حزيران/ يونيو 2007، وفرضت سيطرتها على محافظات قطاع غزة بالبارود والنار والحديد، وتكميم الأفواه، وفصل النساء عن الرجال، واختطاف القانون ونهب الجماهير الفلسطينية في قطاع غزة بسلسلة طويلة لم تنتهِ حتى الآن من الضرائب… إلخ

هنا نلحظ مفارقة بغض النظر عن لوائحها الداخلية وسياساتها على المستوى العام وأجنداتها المحلية والعربية والإسلاموية والدولية، فهي من جهة تجري انتخابات دورية كل أربع سنوات لهيئاتها القيادية بمستوياتها المختلفة، والتي ما زالت تجري على المستوى العام هذه الأيام، بعد أن أنهت انتخاباتها في إقليم قطاع غزة يوم الأربعاء الماضي (10/3/2021). ولكنها في ذات الوقت مارست أبشع أشكال البطش والتنكيل والقتل بالشعب وخاصة منتسبي حركة فتح وفصائل العمل الوطني، ورفضت إجراء الانتخابات في النقابات والاتحادات، وعلى المستوى الوطني طيلة الخمسة عشر عاما الماضية. وما قبولها مؤخرا المشاركة في الانتخابات القادمة (22/5) إلا تحت ضغط قوى عربية وإسلاموية ودولية، وارتباطا بأجندتها الإقليمية وبما يخدم دورها الوظيفي. وهو ما يكشف عن عمق أزمتها، ورفضها من حيث المبدأ للديمقراطية ومنظومتها ككل، وبالتالي إجراء الانتخابات الداخلية ووفق معاييرها الخاصة لا يعطيها مصداقية، ولا أية ميزة لها على القوى الوطنية والديمقراطية، رغم كل نواقصها ومثالبها وأزماتها البنيوية العميقة، ويميط اللثام عن وجه الحركة والتنظيم الدولي الإخواني المعادي للديمقراطية، حتى لو كل يوم غيرت زعيما جديدا، لأن الديمقراطية كل لا يتجزأ.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى