أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب حرب إسرائيل على الإعلام

عمر حلمي الغول 22/5/2021

الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة طالت كل معالم الحياة الإنسانية الماء والكهرباء والهواء والشجر والحجر والإنسان، البنى التحتية بمختلف معالمها ومكوناتها: المؤسسات الصحية والتعليمية وأماكن العبادة والأراضي الزراعية وورش الحدادة والمصانع والبنوك والشوارع، وطالت الشقق والأبراج السكنية، والتي تقيم فيها المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية والدولية. لإنها تريد قتل كل معلم من معالم الحياة الآدمية في محافظات الجنوب، وعملت وتعمل على تحويل القطاع إلى لوحة سوداء، ودفن الأحياء من بني الإنسان، وإعادة إنتاج المحرقة الهتلرية في قطاع غزة.

ولهذا تتكامل أركان جريمة الحرب الصهيونية من خلال الاستهداف المباشر لكل مجالات المدنية في القطاع وعلى مساحة الـ362 كيلو مترا مربعا من رفح جنوبا حتى بيت حانون شمالا، بهدف خنق وإبادة وإفناء كل مظهر من مظاهر الحياة الإنسانية  بذرائع واهية وفاقدة الأهلية، ولا تمت للحقيقة بصلة. ولهذا كان لا بد من تدمير منهجي للمؤسسات والمنابر الإعلامية، أولا لتحطيم كاميراتها ومعداتها لشطب وإغلاق الصورة؛ ثانيا وقف أصوات الإعلاميين من مختلف المنابر حتى الإذاعات المحلية ومحدودة التغطية؛ ثالثا قطع الصلة بينها وبين العالم الخارجي، وإبقاء الشاشة سوداء مظلمة ومشوشة. لا سيما أن جيش الموت وأجهزة الأمن الإسرائيلية سعت لإسقاط وكسر أبراج النت للشبكات المختلفة وتقطيع خطوط الفايبر الأرضية، التي طالت مناطق واسعة وعن سابق تصميم وإصرار؛ رابعا قامت باستهداف مكاتبها وتدميرها بشكل كامل منذ تم قصف برج الجوهرة يوم الأربعاء الموافق 12 أيار / مايو الحالي، ثم أعقبت ذلك يوم الخميس الموافق 13/5 بتدمير برج الشروق، وعمقت عمليتها الوحشية بتدمير برجي الجلاء ومشتهى (القاهرة) يوم السبت الموافق 15/5 لتعيق أي حضور ومتابعة للقائمين على تغطية جريمة الحرب الإسرائيلية، ونقلها للعالم؛ خامسا استهداف الصحفيين والإعلاميين في مواقع عملهم، وفي بيوتهم، واستهداف حياتهم، كما فعلت قبل يومين عندما قتلت الصحفي يوسف أبو حسين وغيره من الإعلاميين، وعمليات الانتقام والتنكيل ضد الإعلاميين ومنابرهم لا تنحصر في قطاع غزة فحسب، إنما في كل أراضي دولة فلسطين، وحتى عرضوا حياة العديد من مراسلي الفضائيات الدولية كالأسوشيتد برس في فلسطين وداخل إسرائيل نفسها، ما دعا الرئيس الأميركي ووزير خارجيته والعديد من زعماء العالم ومراسلين بلا حدود والاتحادات والنقابات الدولية الصحفية لتحميل حكومة اللص والفاسد نتنياهو المسؤولية عن الجريمة المرتكبة بحق الإعلاميين ووسائل الإعلام.

لم يكن استهداف وسائل الإعلام عن جهل وعنجهية وغطرسة إسرائيلية فقط، إنما لإدراك القيادة الإسرائيلية السياسية والأمنية لأهمية سلاح الإعلام، الذي لا يقل أهمية عن السلاح القتالي، لا بل إنه أهم، وأكثر فائدة ومردودا على كفاح الشعب العربي الفلسطيني الأعزل. وهو سلاح ماض ومؤثر جدا، ويستطيع إيصال صورة الظلم والقهر والقتل الجبان للأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب للعالم، ويظهر بشاعة ووحشية عمليات التدمير المنهجية ووفق بنك أهداف القتلة من قادة المؤسسة الأمنية والعسكرية الصهيونية.

نعم سلاح الإعلام يشكل رافعة مهمة من  روافع الكفاح الوطني، وشاهدا حيا على جريمة الحرب الإسرائيلية، ويقدم كل يوم من الأيام الأحد عشر الماضية الوثائق الدامغة عن عملية التطهير العرقي عبر التصفية الجسدية لأبناء الشعب في محافظات الجنوب. كما وتقوم  بإبراز المأساة التراجيدية للشعب العربي الفلسطيني، الذي يذبح على مرأى ومسمع من العالم أجمع، وما زال هذا العالم يراوح في ذات المكان، رغم أنه يرى ويشاهد ويسمع ودون مساحيق أو رتوش حجم المعاناة، ويعاين حجم همجية القصف الإسرائيلي المسعور والمنفلت من عقاله، إلا أنه لم يحرك ساكنا، حتى الإدارة الأميركية، التي اهتزت عندما تم تدمير مكاتب وكالة الأنباء الأميركية، الأسوشيتد برس، وأدان الجريمة الصهيونية، بيد أنه ما زال يمنح حكومة نتنياهو الضوء الأخضر لمواصلة حرب الإبادة للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، ولم تسمح إدارة بايدن بمجرد إصدار بيان من مجلس الأمن الدولي يدعو لوقف المجزرة الوحشية، رغم عقد أربع جلسات للمجلس.

حرب إسرائيل المارقة والخارجة على القانون على وسائل ومنابر الإعلام، تهدف للتغطية على جرائم حربها، والحؤول دون رؤيتها وتوثيقها من قبل العالم، ولتتغول أكثر فأكثر في الدم الفلسطيني. ولكن عمليات قصف الأبراج التي تحتضن مكاتب المؤسسات الإعلامية المحلية والعربية والدولية، التي يزيد عددها عن 40 منبرا عرت هذه الدولة، وكشفت إفلاسها وعارها وجنونها وهمجيتها، وأكدت للعالم مصداقية الرواية الفلسطينية، وعززت أمام الدنيا كلها ضرورة إنصاف وتحقيق آمال الشعب الفلسطيني في الحرية والاستقلال والعودة والمساواة وتقرير المصير. كل التحية للإعلاميين الأبطال، الذين يقاتلون بعدسات كاميراتهم على كل الجبهات، رغم الموت الذي يطاردهم من عصابات الدولة الفاشية، دولة التطهير العرقي الصهيونية.

oalghoul@gmail.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى