أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – حدود الممكن بينهما

عمر حلمي الغول – 20/2/2021

في السياسة لا تسقط الحسابات الشخصية بين القيادات، فالعواطف بشقيها الإيجابي والسلبي، بمعنى الحب والكراهية وما بينهما يؤثر على العلاقات داخل النخب الحاكمة، وبين قادة الدول. ولا يمكن عزل الإنسان قائدا سياسيا أو حزبيا أم مواطنا، مثقفا أم أميا، إمرأة ام رجل، شيخا ام طفلا عن تأثيرات العواطف، وإنعكاس ذلك على العلاقات البينية ودا او نفورا. وحتى اكثر بني الإنسان موضوعية، وإرتقاءً عن الحسابات الصغيرة يخضع لمنطق الكيميا، ويتأثر بها، ويخضع لكيفية تعامل الآخر معه سابقا وراهنا ولاحقا.

من المؤكد، ان بني الإنسان من الجنسين ليسوا على مستوى واحد من التأثر، لإكثر من سبب: اولا قدرة الإنسان على إمتصاص الأبعاد السلبية في العلاقة مع الآخر تتباين؛ ثانيا مستوى الوعي الثقافي والمعرفي عموما؛ ثالثا تأثير الأشخاص المحيطين بالشخص المحدد؛ رابعا شرط اللحظة الإجتماعية أو الإقتصادية أو السياسية على حجم ومستوى ردود الفعل وتأثير ذلك على العلاقة، وتاثيراتها اللاحقة؛ خامسا طابع الخلفيات القديمة بين الأشخاص بمختلف مستوياتها؛ سادسا موقع الإنسان السياسي أو القانوني أو الثقافي أو الإقتصادي المالي في المجتمع ينعكس على سلوكياته بالإتجاهين. بيد ان هذة الأبعاد لكل منها تأثيره المختلف، فالسياسي يختلف في حساباته عن رجل المال والأعمال، كما ان رجل القانون ليس بالضرورة ان يكون له ذات الالية في التعامل مع الآخر كما المثقف.

وبالإنتقال للواقع، وبالتوقف امام نموذج العلاقة بين الرئيس الأميركي، جو بايدن، ورئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو نلحظ ان العلاقة البينية ليست جيدة، ووفق ما اعتقد، أقل من مقبولة، لإكثر من عامل ذاتي وموضوعي: اولا تنكر نتنياهو شبه الكلي لبايدن نفسه، عندما زار نائب الرئيس المنطقة عشية رحيل ادارة الرئيس السابق، باراك اوباما، وحينها رفض بيبي إستقباله، وأدار الظهر له؛ ثانيا أظهر زعيم الليكود نفورا ورفضا وإدانة للحزب الديمقراطي وسياساته؛ ثالثا الإرتماء شبه الكلي في احضان ترامب والحزب الجمهوري دون اية معايير او حسابات شخصية او حزبية او سياسية؛ رابعا التأخر في تهنئة الرئيس بايدن في الفوز، والمراهنة على فوز الرئيس السابق ترامب؛ خامسا سعي نتنياهو لفرض وقائع على الأرض في أكثر من ملف ذات صلة بالعلاقة البينية بين القيادتين الإسرائيلية والأميركية، وخاصة في الملفين الفلسطيني والإيراني، وهو شكل من اشكال لي الذراع قبل فتح ابواب الحوار بينهما.

انعكست هذة النقاط على طابع العلاقة بين الرجلين، والإدارتين، وتجلت في عنوانها الابرز، في عدم إستعجال بايدن بالإتصال مع نتنياهو. والذي تأخر شهرا كاملا. مع ان العادة لا تزيد عن الاربع ايام، ولهذا دلالات هامة، لا يجوز لإي مراقب التغافل عن التفاصيل في العلاقات بين القيادات والدول. لإنها تكون محسوبة جيدا، وجيدا جدا، ووفق المعادلات الشخصية والسياسية. ومن يقفز عن البرموشنات الصغيرة في العلاقة بين الزعماء، يجهل بالضرورة لعبة العواطف، والحسابات السياسية والحزبية.

لكن هذا التباين والإختلاف بين الرجلين لا يمكن ان يغير من طبيعة المعادلة الناظمة للعلاقة بين الحليفين الإستراتيجيين، والولايات المتحدة لن تدير الظهر للعلاقة مع دولة الإستعمار الإسرائيلية، إلآ عندما ينتهي دورها الوظيفي الإستعمالي، او في الوقت الذي ينتهي الدور الأميركي المقرر في سياسة الغرب الإستعمارية، دون ذلك ستبقى الركائز الإستراتيجية بين البلدين قائمة، ولن يؤثر فيها سياق تطورها سلوكيات نتنياهو. كون اللوبيات الصهيونية وحلفائها في البيت الأبيض وحوله من المؤثرين في صناعة القرار تستطيع ضبط إيقاع سياسة هذة الإدارة أو تلك. وبالتالي فرضية المبالغة في اثر العلاقة بين الرجلين على التحالف الإستراتيجي بين البلدين غير دقيقة، ولا تساعد في قراءة الواقع السياسي والإقتصادي والأمني. وحتى ملفات التباين والإختلاف، لن تفت في عضد التحالف الصهيو أميركي.

لذا يفترض بالمراقبين ان يميزوا بين الممكن وغير الممكن في العلاقة بين الولايات المتحدة ودولة المشروع الصهيوني. نعم سيكون للتباين بين الرجلين والإداراتين إنعكاسات سلبية، لكنها ستكون ضمن السقف المتاح والمقبول، وإستنادا للمصالح الحيوية لبلاد العم سام. ووجود نتنياهو من عدمه، او وجود بايدن من عدمه، ليس هو المعيار لتحديد طبيعة وشروط العلاقات الإستراتيجية بين الدولتين، انما المصالح العليا لإميركا، هي الأساس لتحديد حجم ومستوى التحالف بينهما.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى