أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – ترامب يهدد مستقبل اميركا

عمر حلمي الغول 26/9/2020

في التاريخ اشخاص يتربعون على عرشه بعض الوقت، ويصنعون مجده، ويرتقون بمكانتهم الشخصية، ومكانة شعوبهم، واممهم وحتى البشرية كلها، وبالمقابل يلقي التاريخ اشخاصا تبؤوا مراكز القرار في دولهم على مزابله، ويحذف بهم إلى مستنقعات آسنة ونتنة، ويدون ذكراهم بمداد من الوحل، ويصفهم كوصمة عار في سجل الأمم، وليس في تاريخ شعوبهم.

من الطراز الثاني يحتل بجدارة دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة الحالي هذا الموقع، لإنه قبل وبعد وصوله لمركز القرار في البيت الأبيض عام 2017، وهو يعيث فسادا في الأرض، وليس في أميركا وحدها. جاء مسكونا ب”الأنا” العالية والمتضخمة، نرجسيا وفاسدا حتى النخاع. واعلن منذ بداية توليه الحكم شعاره على مواقغ التواصل الإجتماعي “ترامب 20 .. 24 ..28 .. 32 …إلخ” بمعنى آخر انه باق في الحكم إلى ما لا نهاية له، ولن يسلم الحكم وفق الدستور الأميركي لمن يليه من الرؤساء، وفي اسوأ سيناريو في حال تم تجديد إنتخابه لولاية ثانية في الثالث من تشرين ثاني/ نوفمبر القادم (2020) لن يترك كرسي الحكم عام 2024.

وهذا ما اكده يوم الأربعاء الماضي الموافق 23/9/2020 في مؤتمر صحفي عندما رد على سؤال احد الصحفيين، فيما إذا كان مستعدا لنقل السلطة لخليفته بشكل سلمي في مطلع كانون ثاني/ يناير 2021، قائلا : “يجب ان نرى ما سيحصل.” بتعبير آخر يرفض من حيث المبدأ تسليم الحكم لجو بايدن في حال حالفه الحظ في الفوز بالإنتخابات القادمة. مما اثار عاصفة بين مكونات الحزبين الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، رفضا للفضيحة وجنون العظيمة، والتغول في استباحة مواد ومعايير الدستور والديمقراطية الأميركية. وجاء الرد من بين ابرز الجمهوريين، زعيم الغالبية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل يوم الخميس (24/9)، الذي وعد تعقيبا على تصريح ترامب، بالنقل السلمي والمرن للسلطة عقب إنتخابات الثالث من نوفمبر القادم في حال فاز المرشح الديمقراطي. وهو ما اكده ايضا السناتور الجمهوري، ميت رومني، عندما قال “إن ابداء اي تردد بشأن تطبيق ما يضمنه الدستور “أمر لا يعقل، وغير مقبول.” وكتب تغريدة على توتير جاء فيها: ” النقل السلمي للسلطة أمر اساسي للديمقراطية، بدون ذلك سنكون اشبه ببيلاروس.”

وكان جو بايدن، منافس ترامب سارع بالتعليق على تصريحات خصمه، قائلا “في اي بلد نعيش؟” واضاف “هو يقول أكثر الأمور غير العقلانية. لا اعرف ما اقول.” وفي ذات السياق، علق بيرني ساندرز السناتور اليمقراطي، أن الرئيس دونالد ترامب “مستعد من جانبه لتقويض اليدمقراطية الأميركية من اجل البقاء في السلطة.” مشددا على ضرورة ترك ترامب السلطة في حال خسر الإنتخابات.

وعندما أضطر المتحدث باسم البيت الأبيض، كايلي ماكيناني التأكيد على ان “الرئيس سيقبل بنتائج إنتخابات” أرفقها بكلمتين ملغومتين، واشبه بالقنبلة الموقوتة، عندما قال ان الرئيس ترامب مستعد للقبول بالنتائج، لكن في حال كانت الإنتخابات “حرة ونزيهة”. وهو ما يعني التشكيك منذ الآن بنتائج الإنتخابات، وفتح قوس الهروب من تلك النتائج من الآن. لا سيما وان استطلاعات الرأي تشير إلى تقدم جو بايد، المرشح الديمقراطي

ومن الجدير بالذكر، ان قيادة الحزب الديمقراطي دعت حكام الولايات الديمقراطيين لإجتماع خشية حدوث تطورات دراماتيكية في الساحة الأميركية في حال فاز مرشحهم، وطالبتهم بوضع قوات الأمن الوطني في ولاياتهم على اهبة الإستعداد للرد على استخدام تاجر العقارات القوات الفيدرالية لفرض سياسة الأمر الواقع، كسيناريو قابل للتطبيق. لا سيما وان ساكن البيت الأبيض لم يخف نزعاته، وطموحه بالبقاء في كرسي الحكم، وعدم الإستعداد لإخلاء مركز الحكم.

نعم ترامب هدد ويهدد مكانة ووحدة وعظمة اميركا، ووضعها على مشرحة التمزيق والتفتيت نتاج غطرسته وجنون العظمة، الذي يسكنه، ونتاج رفضه وتمرده على معايير القانون والدستور، وقادم الأيام وحده كفيل بالإجابة عن كل التكهنات والسيناريوهات.

الرئيس دونالد ترامب يشبه ميخائيل غورباتشوف الروسي، الذي فكك الإتحاد السوفييتي في 26 كانون اول/ ديسمبر 1991، مع الفارق الكبير بينهما، وبين ظروف كل منهما. كلاهما دخل التاريخ، ولكن من ابشع وأسوأ واضيق ابوابه، وكل منهما الحالي والسابق ذهب وسيذهب لمزبلة التاريخ، وستلعنهما شعوبهم وشعوب الأرض قاطبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى