أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – بولندا تتمرد

عمر حلمي الغول – 4/7/2021

تميزت بولندا بأنها صاحبة مبادرة شجاعة، وهو ما يعكس ملامح الشخصية البولندية المستقلة، والتي ترفض الانقياد، قد تساوم وتناور لزمن، بيد أنها في لحظة ما تنقلب إلى ما تريد أن تكون، وتعود لهويتها وتاريخها ومكانتها المتميزة في أوروبا كلها، وليس في أوروبا الشرقية فقط. وفي خطوة جديدة تعكس الطابع البولندي التمردي، صوت البرلمان البولندي يوم الخميس الموافق 24 حزيران/يونيو الماضي بأغلبية ساحقة لصالح تعديل القوانين ذات الصلة باستعادة الممتلكات في الأراضي البولندية. وهو ما يعني رفض الآليات المعمول بها سابقا بشأن ما يسمى ممتلكات اليهود زمن الهولوكست في الحرب العالمية الثانية، وبالتالي وقف كل عمليات الابتزاز الصهيونية للدول الأوروبية من قبل منظمة التعويض اليهودية العالمية. وكانت المنظمة المذكورة صرحت، أن إقرار القانون سيجعل من المستحيل تقريبا على الناجين من الهولوكست وأسرهم الطعن في القرارات المتعلقة بالممتلكات المسروقة، وستؤثر بالضرورة سلبا على 90% من مطالبات الممتلكات اليهودية. لا سيما وأن القانون يرفض أية طعون بهذا الصدد.

وأثار هذا القانون الجديد أزمة حادة مع حكومة إسرائيل الاستعمارية، حيث وصف يائير لبيد، وزير الخارجية القانون بأنه “آثم” وادعى أن من شأن إقراره توتير العلاقات بين البلدين. وحسب ما ورد في صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية يوم الأحد الماضي فإن رئيس الوزراء البولندي موراوسكي أعلن في مؤتمر صحفي بشكل قاطع وصريح، لا لبس فيه: “لا يسعني إلا أن أقول إنه في ظل وجودي في منصب رئيس الوزراء، لن تسدد بولندا قطعا ثمن الجرائم الألمانية، ولن ندفع زلوتي (العملة البولندية) ولا يورو ولا دولارا واحدا”. وهو ما يعني التمرد والخروج من نفق الخنوع والتأتأة الأوروبية، والانقلاب على منظومة العلاقات، التي كرستها الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك لتأمين ديمومة المشروع الصهيونية ودولته الكولونيالية على حساب النكبة الفلسطينية.

وعليه فإن بولندا بخروجها عن عصا الطاعة للولايات المتحدة والحركة الصهيونية ودولتها العنصرية الاستعمارية يشكل خطوة نوعية هامة في التحولات الجارية في أوروبا وداخل بلاد العم سام. وبخطوتها الشجاعة تعلن بولندا وحكومتها وبرلمانها ونخبها رفضهم أن يكونوا جزءا من منطق البقرة الحلوب لتغذية دولة فاشية لا تمت لليهودية بصلة، وهي خاطفة للديانة اليهودية، وتدعي تمثيل ضحايا المحرقة النازية، وإذا كانت بولندا قبلت ذلك على مدار الأعوام الـ 73 الماضية، وكذلك العالم عموما ودول الاتحاد الأوروبي خصوصا، فإنها ترفض الاستمرار في دوامة الإذعان والخنوع، ولن تقبل أن تعمل وفق المثل الشعبي “حط راسك بين الروس وقول يا قطاع الروس”.

لا، بولندا نفضت الغبار عن شخصيتها القومية الأصلانية، وترفض أن تكون أسوة بباقي دول أوروبا صاغرة ومستسلمة لمشيئة مخرجات ما بعد الحرب العالمية، لأن ماثيوز موراوسكي قلب الطاولة رأسا على عقب، وأعاد لبولندا مجد استقلالها.

وكان وزير الخارجية البولندي أعلن في تصريح له، أن “بولندا ليست مسؤولة بأي حال من الأحوال عن المحرقة، تلك الاعمال الوحشية، التي ارتكبها المستعمر الألماني”. وأضاف قائلا، إن قتل المواطنين البولنديين من أتباع الديانة اليهودية، أسوة بالمواطنين البولنديين الذين قتلوا من أتباع الديانة المسيحية ومن أصحاب المعتقدات الأخرى، وبالتالي الجريمة والوحشية النازية لم تقتصر على أتباع الديانة اليهودية. وهو أراد بذلك التأكيد، أن البولنديين من أتباع الديانات المختلفة خضعوا لذات المجازر والوحشية الألمانية الهتلرية.

ومن الجدير بالذكر أن الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين ومسؤولين أميركيين كانوا أيضا أعربوا عن معارضتهم للقانون البولندي الجديد، كما سيتم التنسيق فيما بينهم لثني الحكومة البولندية عن مواصلة سياساتها الجديدة. لكن أعتقد أن القطار البولندي لن يتوقف عن محطات ذات صلة بدفع أموال الجزية غير المشروعة، والهادفة لسرقة أموال دافع الضرائب البولندي لصالح دولة فاسقة ومجرمة ومنتجة للإرهاب، ومعادية للسلام، فضلا عن أنها لا تمت بصلة لليهود، الذين دفعوا حياتهم ثمنا في الهولوكست النازي.

الخطوة البولندية الجديدة تمثل نقطة ضوء كبيرة لإيقاظ أوروبا من سباتها واستسلامها لمشيئة الصهيونية ودولتها الاستعمارية، وحافز كبير لكل الدول للانقلاب على 73 عاما من الخضوع لمشيئة قوى مارقة، ليست معنية بسلامة ومستقبل أتباع الديانة اليهودية. وعليه فإن قادم الأيام والمستقبل المنظور يحمل في ثناياه آفاقا نحو مزيد من التحول الإيجابي على طريق بولندا الشجاعة وحكومتها وبرلمانها ونخبها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى