عمر حلمي الغول يكتب – المناظرة الأسوأ في التاريخ
عمر حلمي الغول – 1/10/2020
أدار كريس والاس على فضائية فوكس نيوز أمس الأول الثلاثاء الموافق 29/9/2020 المناظرة الأولى بين مرشحي الرئاسة الأميركية الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، ونائب الرئيس الديمقراطي السابق، جو بايدن، على مدار 90 دقيقة، وقبل 35 يوما من موعد الانتخابات المقررة في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر القادم. بدت المناظرة كأنها صراع ثيران، حيث اتسمت بالصخب والإهانات والاتهامات والمقاطعات المتبادلة بين المرشحين للرئاسة.
وكان فريق بايدن الديمقراطي متوقعا لجوء ترامب (74عاما) إلى المنطق السوقي، والتطاول على نائب الرئيس السابق (77 عاما)، لذا نصحوا مرشحهم بعدم تمرير أي هجوم لفظي من قبل الرجل، الذي لا يفقه سوى لغة البلطجة في مهاجمة خصومه. لهذا، لم يفوت نائب الرئيس السابق اتهاما أو شتيمةً أو إهانة، إلا ورد عليها بما يناسبها من العبارات والإهانات. وكان من ابرز الإهانات، التي وجهها بادين للرئيس الـ 45 للولايات المتحدة، أن قال له “اخرس” واتهمه بأنه “مهرج”، وكان ترامب هاجم المرشح الديمقراطي المتقدم عليه في إستطلاعات الرأي، قائلا له “انت لا تمت للذكاء بصلة.” ووصف بايدن بانه “دمية بيد اليسار الراديكالي”.
ورغم محاولات الرئيس ترامب استعادة زمام المبادرة أمام جو بايدن، غير انه فشل، لأن المرشح الديمقراطي كان مستعدا بشكل جيد للمناظرة، ولم يخيب ثقة من منحوه الثقة، وهذا ما عكسته استطلاعات الرأي الأميركية في أعقاب المناظرة، لا سيما أن كثيرا من المراقبين الأميركيين كانوا يخشون سقوط مرشحهم في حبائل ترامب. لكن الرجل تماسك وقدم نفسه بشكل جيد، وإن تورط في المهاترات الفضائحية التي جرت مع خصمه الجمهوري. وحسب معلومات الديمقراطيين، فإن فريق المرشح الجمهوري طالب فريق الإعداد للمناظرة قبيل بدئها، بعدم التعرض لأعداد المصابين والأموات نتاج وباء “كوفيد 19”. لكن جائحة كورونا جاثمة على صدور الأميركيين وعقولهم، ولا يمكن للفريق الإعلامي تجاوزها. وتفاديا لفوز ترامب، دعا المرشح الديمقراطي الأميركيين للتوجه لصناديق الاقتراع في الثالث من نوفمبر القادم للحؤول دون تربع المرشح الجمهوري لـ”اربع سنوات إضافية من الأكاذيب”.
وعلى صعيد احترام النظام والقانون والدستور، تعهد بايدن بقبول نتائج الانتخابات، أما الرئيس ترامب، فلم يجب بشكل مباشر، وحاد عن الالتزام، وحاول حرف بوصلة النقاش، عندما رمى إسفينا من الآن في مصداقية الانتخابات، وقبل ان تجري، ومن دون تقديم اية ادلة، عندما قال، إن “التصويت بالمراسلة سيستخدم بكثرة بسبب وباء “كوفيد 19″، وهو ما سيشجع على التزوير”. وفي موضوع الضرائب، عندما سئل الرئيس الأميركي عما دفعه، ادعى انه دفع الملايين!؟ وعندما سأله كريس عن الوثائق الدالة عن ذلك، لم يقدم شيئا، وتثبت التقارير الرسمية أن بايدن دفع ضرائب أكثر بـ4900 مرة مما دفعه ترامب عام 2017. وبات الشارع الأميركي يعلم ان الرئيس الـ45 متهرب من دفع الضرائب، كما هي عادته التاريخية، عندما كان مع محاميه الحاخام الصهيوني، ديفيد فريدمان يقدما كشوفا مزورة تشي بإفلاس شركاته العقارية للتهرب من دفع الضرائب. وخلص بايدن لوصف الرئيس ترامب بأنه “اسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة”.
90 دقيقة من الهرج والمرج والمقاطعات، كانت كافية لترسم ملامح المرحلة التي تعيشها الولايات المتحدة الأميركية في ظل حكم رجل مهووس، وفاقد الأهلية السياسية والاقتصادية والثقافية، لا يملك سوى لغة القاع والإسفاف والإساءة للآخرين من الشعب الأميركي وغيره من شعوب الأرض. ومن استمع، وقرأ عن المناظرة الرئاسية الأولى بين المتنافسين الجمهوري والديمقراطي، خلص لذات النتيجة، التي عبر عنها الأستاذ آرون كال من جامعة ميتشيغان، والمتخصص في المناظرات الرئاسية، عندما وصف في لقاء مع وكالة “فرانس برس” المناظرة، التي جرت في مدينة كليفلاند في ولاية اوهايو بين الرجلين، بأنها “إحدى أسوأ المناظرات في التاريخ”، لأن منطق المرشح الجمهوري، المتربع في البيت الأبيض، لا يستقيم مع القانون، ولا مع الدستور، اضف إلى أنه يتسم بصفة الكذب، ولا يتورع عن تلفيق الأكاذيب، والزج بها في وجه خصومه من الجمهوريين والديمقراطيين، ومن المؤسسة الرئاسية ومن العالم.
النتيجة تشير إلى أن مستقبل اميركا يشوبه التشويش والضبابية والغموض، ولا يملك احد الآن إمكانية استشرافه، ورسم ملامح محددة له، خاصة ان الانتخابات وما ستفرزة ليس مضمونا الالتزام بنتائجها، وآفاقها مفتوحة على الحرب الأهلية، كما قال الصحفي فريدمان قبل ايام، ومن استمع للرئيس الـ45 يمكنه بسهولة التوافق مع الصحفي الأميركي.