أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – الترامبية هددت مستقبل الحزب

بقلم عمر حلمي الغول ١١-١-٢٠٢١م

الترامبية ليست مدرسة جديدة في الفكر الجمهوري المحافظ واليميني المتطرف، انما هي الإمتداد الطبيعي لحزب الشاي، الذي أعيد تشكله في 28 آب/ اغسطس 2009 عندما خرج 80 الفا من المتظاهرين المحافظين الرافضين للرئيس الأسود الأول في التاريخ الأميركي ولبرنامجه وسياساته المتبعة وخاصة “اوباما كير”، وسياسة الإقراض لإصحاب الدخل المحدود، وغيرها من التوجهات ذات الصلة بالعمال والمسحوقين والبرجوازية الصغيرة.

ولهذا إعتقدت حركة حزب الشاي، أن اميركا “فقدت شرفها وقيمها ومكانتها في العالم” مع تولي الرئيس باراك اوباما الرئاسة، ولهذا إختارت شعارها للتظاهرة المذكورة ” من اجل شرف الولايات المتحدة”. وهي بالضرورة جزء من مدرسة ديك تشيني ورامسفيلد وغينغريتش من اقطاب إدارة جوج بوش الأبن الأسبق مطلع الألفية الثالثة، الذين حرضوا على الحرب على العراق وافغانستان، وشكلوا بوقا لدولة الإستعمار الإسرائيلية. وقبل هذا وذاك، هي إعادة إنتاج لرؤى وأفكار حركة الشاي، التي تشكلت في الولايات المتحدة في 1773 عندما رفض الأميركيون  الشماليون آنذاك الضريبة البريطانية على الشاي، وخاصة في بوسطن، وشكلت الشرارة الأساسية للإستقلال الأميركي لاحقا في عام 1776. 

مع الفارق الآن، ان الحركة المحافظة الجديدة والمتزمتة والعنصرية تعمل على تفكيك اميركا من حيث تدري او لا تدري، والتي لم تتبلور حتى الان كحزب مستقل، ولكنها كتلة سياسية إجتماعية تموج فيها الأفكار المحافظة واليمينية المتطرفة، لديها خطوط عريضة ناظمة، رغم الفوارق النسبية بين تياريها الأساسيين، الأول المنادي بالإنغلاق على الذات، ويدعو للعزالة الأميركية عن دول العالم، ويرفع شعار “اميركا اولا”، والثاني الداعي لإبقاء والمحافظة على دور الشرطي العالمي. وسعت حركة الشاي للتأصيل لمكانتها الجماهيرية ومن داخل الحزبين الجمهوري والديمقراطي بالمناسبة، وإن كان ثقلها يتمركز في الحزب الجمهوري من خلال عقدها مؤتمر ناشفيل 2010، الذي وضع الركائز الناظمة لها، ومنها: أولا مواجهة الإصلاحات الإشتراكية للرئيس اوباما في المجال المالي وخاصة الصحة؛ ثانيا الدعوة مجددا للفردانية المطلقة، المطالبة بسياسة حمائية ضد المنتوجات المستوردة وخاصة من الصين، وزيادة المنتوج الأميركي لخلق فرص عمل جديدة للعاطلين عن العمل؛ ثالثا إعادة الإعتبار السياسي والإجتماعي للإنسان الأبيض الأنجلو ساسكسوني البروتستانتي، الذي يشكل الطائفة الدينية والعرق الأبيض الأهم.

والعمود الفقري للولايات المتحدة؛ رابعا رفض التساهل تجاه ملف الهجرة وخاصة للسود والملونين والمسلمين وغيرهم، ولهذا أيدت الحركة القانون الأسوأ ضد الهجرة، وهو قانون “اريزونا” المثير للجدل، ودعت لتعميمه في كل الولايات الأميركية؛ خامسا التأييد المطلق لدولة الإستعمار الإسرائيلية؛ سادسا رفض اية سياسات تصالحية مع العرب أو المسلمين، ليس هذا فحسب، بل وسحقهم وإذلالهم. ومن ابرز وجوهها انذاك: غلين بك، الذي إعتبر اوباما مسلما مدسوسا في البيت الأبيض لتقويض بلاد العم سام.، وايضا رون بول وسارة بالين وجون ماكين، وراهنا هناك جوش هولي وتيد كروز ورون جونسون، الذين قادوا مع زعيمهم ترامب عمليات التحريض للأنقلاب على المؤسسات الدستورية في الدولة الفيدرالية يوم الأربعاء الموافق 6 كانون ثاني/ يناير الحالي. 

إذا الترامبية جزء لا يتجزء من منظومة فكرية سياسية إجتماعية دينية متطرفة وأقصوية وعنصرية، لا تمت للقيم الديمقراطية بصلة، انما تستعمل، واستعملت الديمقراطية المتوافقة مع منطقها ومصالحها، وفي حال كانت متعارضة مع رغباتها وأهدافها، كما فعل  دونالد ترامب إنقض عليها، وهدد مستقبل الدولة الفيدرالية، والحزب الجمهوري، الذي بدا واضحا انه آخذ نحو الإنقسام. لا سيما وان هناك بالملموس تياران داخل الحزب، التيار الترامبي (حزب الشاي بثوب جديد) وتيار الحزب التقليدي الليبرالي، وكلاهما الآن في صراع، والذي تمثل على الملأ من خلال الموقف المعلن من الإنتخابات الرئاسية، من وقف إلى جانب الدستور والنظام وحماية الديمقراطية، ومن إنقلب عليها، والتيار الثاني (الترامبي) في حال بقي محافظا على وجوده داخل الحزب، فإن مآله نحو التفكك. الأمر الذي يدعو زعماء الحزب ورؤساء الشركات الداعمة والمؤيدة له بإتخاذ قرار واضح، أما الإنفصال عن الترامبية، أو الإستسلام لمشيئتها، وما تحمله من اخطار تهدد مستقبل الولايات المتحدة كلها. 

ومواجهة الترامبية ليست محصورة في الحزب الجمهوري، انما في الحزب الديمقراطي وفي كل الطبقات والشرائح الإجتماعية القطاعات والمؤسسات والنخب ومراكز الأبحاث والدراسات لوقف تغول العنصرية، وتهديد مستقبل الإمبراطورية الأميركية. نعم الترامبية هددت وتهدد مستقبل الحزب الجهوري، وبذات القدر وأكثر تهدد مستقبل بلاد العم سام برمتها، ولهذا رفع معارضوا الترامبية من الحزب الجمهوري “إرحل إلى مارا لاغو” حتى يغرب عن شمس البلاد وديمقراطيتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى