أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب – اسباب التحول عند الديمقراطيين

عمر حلمي الغول – 24/9/2020

ونحن نراقب المشهد الأميركي عشية الإنتخابات الرئاسية نلحظ نقلة إيجابية في مواقف الحزب الديمقراطي تجاه عملية السلام، وإقتراب نسبي مع قرارات الشرعية الدولية. وكما ذكرت فيما سبق، ان هذا التحول محكوم بخلفية السياسات الأميركية، ومنسجم مع محددات الدولة العميقة، وإنسجاما مع توجهات الحزب نفسه، وليس إنطلاقا من اية حسابات اخرى.

ومن يلم بالسياسة الأميركية تاريخيا، يعلم ان الإيباك ومعظم القوى المؤيدة للحركة الصهيونية ودولتها الإستعمارية، كانوا أقرب للديمقراطيين من الجمهوريين. وحتى جو بايدن، المرشح الرئاسي عن الحزب الديمقراطي معروف بأنه من المنحازين المتشددين لصالح الدولة الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون، وتجلى ذلك بإختياره للسناتورة كامالا هاريس عن ولاية كاليفورنيا، والتي كانت منافسة له من بين المرشحين الديمقراطيين الآخرين. وهي تتمتع بأكثر من ميزة، اولا كونها إمرأة، وهذا عامل مؤثر في الإنتخابات، حيث اشارت الإستطلاعات بتقدم بايدن في اوساط النساء بحوالي 19 نقطة عن منافسه الجمهوري؛ وثانيا ملونة، وتستطيع استقطاب اعداد كبيرة من الملونين، الذين إزداد عددهم بالنسبة لمجموع سكان الولايات المتحدة؛ ثالثا كما انها محسوبة على تيار “اليسار” داخل الحزب، الذي اخذ نفوذه بالإزدياد والإتساع داخل مؤسسات الحزب وهيئاته القيادية وفي اوساط قاعدته الشبابية؛ رابعا كونها قاضية ومدعية عامة، ولديها رصيد كبير في هذا الحقل، من خلال تبنيها مشاريع إقتراحات ذات صبغة “يسارية” بالنسبة للتأمين الصحي، ومساعدة الطلاب على اكثر من مستوى وصعيد، وداعمة لحقوق المهاجرين .. إلخ؛ رابعا والأهم انها من اشد المؤيدين لإسرائيل الإستعمارية، وهي داعمة للإستيطان الإستعماري، رغم انها عارضت سياسة الضم في الضفة الفلسطينية، وكانت من بين 23 نائبا ديمقراطيا صوتوا ضد منظمة BDS المتبنية مقاطعة دولة إسرائيل اوائل عام 2019.

غير ان معادلات السياسة تستدعي من القادة والمرشحين لتولي منصب الرئيس في الولايات المتحدة التأقلم مع مجمل المتغيرات داخل أحزابهم وخارجها، والتناغم مع المزاج العام، وايضا قراءة المصالح الأميركية من الزوايا المغايرة مع الحزب الخصم، ومع المنافس المقابل دون التأثير على المرتكزات الأساسية للدولة الأميركية العميقة، بالإضافة لقراءة اللوحة العالمية وإستشراف ميولها السياسية بما يحفظ مكانة ودور اميركا كقوة أولى في العالم.

وإنسجاما مع ما تقدم، فإن المرشح الديمقراطي للرئاسة، جو بايدن تبنى سياسة اكثر توزانا، وأقرب للمنطق في ملف الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وجاهر بمواقفه بشكل واضح في أكثر من مناسبة أثناء حملته الإنتخابية الحالية، ومنها اولا رفضه لسياسة الضم الإسرائيلية، وتبنى مواقف الديمقراطيين، التي عبرت عنها بيلوسي، رئيسة مجلس النواب بالقول، ان “سياسة الضم خطر على الأمن القومي ألأميركي والإسرائيلي”. وبناءً عليه، دعا حكومة نتنياهو لوقف هذة السياسة الضارة؛ ثانيا اكد على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؛ ثالثا رفض سياسات ترامب العقابية المجحفة والخطرة ضد القيادة والشعب الفلسطيني، وأكد، انه سيدعم وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، وسيدعم موازنة السلطة الفلسطينية، وسيفتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن، كما انه سيفتح القنصلية في القدس … إلخ

وهذة المواقف لها اسبابها الذاتية والموضوعية، منها اولا التحول الإيجابي والمتنامي في اوساط قواعد الحزب الشبابية، التي لم تعد مرتبطة او معنية بمفاهيم الشيوخ الديمقراطيين؛ ثانيا خروج بعض اقطاب الحزب الديمقراطي الموالين لإسرائيل بشكل فاضح من الكونغرس، الذين كانوا يقفون على رأس لجان التمويل والدعم العسكري للدولة المارقة، وحلول شخصيات أكثر موضوعية؛ ثالثا وضع نتنياهو كل بيضه في سلة ترامب والحزب الجمهوري، وفي ذات الوقت تنافر مع الحزب الديمقراطي، وهذا تجسد منذ كان بايدن نائبا للرئيس اوباما، وليس جديدا، الأمر الذي اثر على المزاج العام في اوساط الديمقراطيين. بمعنى ان اليمين المتطرف الصهيوني إلتقى وتكامل مع اليمين الأميركي، الذي يقوده ترامب ومن لاف لفه، ويكاد يكون قطع شعرة معاوية مع الحزب الديمقراطي. ولعل زيارته (نتنياهو) الأخيرة لأميركا لتوقيع اتفاقا التطبيع مع الإمارات والبحرين مؤخرا (15/9/2020)، وعدم لقائه مع المرشح الديمقراطي إستجابة لضغوط ترامب دليل آخر على ذلك؛ رابعا تبلور نسبي للوبي العربي الإسلامي، الذي بات دوره أكثر وضوحا في الساحة الأميركية، وإرتباط ذلك بالإمتداد مع الملونين والسود عموما؛ خامسا شعور الحزب الديمقراطي ان سياسات ترامب على المسار الفلسطيني الإسرائيلي أضرت كثيرا بالأمن القومي الأميركي، وتساوقه وتماهيه مع خيار اليمين الصهيوني المتطرف لم يخدم بحال من الأحوال السياسة الأميركية ولا مصالح دولة الإستعمار الإسرائيلية، حتى لو طبع كل العرب الرسميين، الذين ايضا وضعوا بيضهم إسوة بنتنياهو في سلة ترامب، وناصبوا الحزب الديمقراطي الجفاء. لإن الأمر من وجهة نظر الحزب الديمقراطي يتعلق بالمصالح الحيوية الأميركية، ومستقبل الإقليم وحماية الوجود الإسرائيلي على اسس أكثر قوة ومتانة.

لهذة العوامل تم الإنزياح النسبي في مواقف الحزب الديمقراطي. واي كانت الخلفيات الديمقراطية، فإن الضرورة تملي على صانع القرار الفلسطيني ان يوسع ويعمق العلاقات مع الحزب الديمقراطي واقطابه المركزيين وقواعده من خلال الجاليات الفلسطينية والعربية والإسلامية والأصدقاء عموما في الساحة الأميركية للمستقبل، ووفق خطة استراتيجية بعيدة المدى، لا تنحصر بالإنتخابات الرئاسية الحالية، لما لذلك من اهمية على مجمل العملية السياسية في العقود القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى