أقلام وأراء

عمر حلمي الغول يكتب –  أعيدوا للخليل مواطنتها

عمر حلمي الغول – 1/8/2021

محافظة ومدينة الخليل تحتل مكانة هامة وتاريخية في فلسطين قديما ووسيطا وحديثا، وتعد الآن من أكبر المحافظات ويصل تعداد سكانها  إلى ما يزيد عن 230 الف نسمة. وهي مركز صناعي وتجاري وتراثي وكفاحي متميز عمده ابناء الخليل من اطفال وشباب ونساء  المدافعين عن المصالح الوطنية العليا، والذين ساهموا مساهمة مباشرة في كل الثورات والهبات والإنتفاضات دون استثناء، وقدموا وسطروا نماذج بطولية على مدار تاريخ الصراع مع الإستعمار الصهيوني، وقبله الإنتداب البريطاني، وحتى اللحظة المعاشة يقف ابناء الخليل في خنادق ومتاريس الثورة والسلطة الوطنية، رغم محاولات العدو الصهيوني، وقوى واحزاب وحركات التيارات الإسلاموية حرف بوصلتهم النضالية، وإلباسهم ثوب القبائلية والعشائرية والجهوية، وفرض التقسيمات البعيدة كل البعد عن الروح الوطنية، وقد نجحوا نسبيا للاسف في إختراق البعد الجامع لروح الشراكة الوطنية، عبر إنحياز نفر من ابناء الخليل للمنطق العشائري، عندما استجابوا من حيث يدروا او لا يدروا لإهداف اعداء الثورة، ومخططات دولة المشروع الصهيوني، ومع تخليهم عن المجتمع المدني وروح القانون والدستور (النظام الأساسي) من خلال اعتماد لغة الثأر و”الدم مقابل الدم”، متنازلين طوعا عن خيار الوطنية والمواطنة المتساوية.

وجاءت آخر عملية ثأرية مساء يوم الثلاثاء الماضي الموافق 27 تموز / يوليو مع إغتيال الدكتور باسل الجعبري إنتقاما لمقتل رجل إصلاح من عائلة العويوي عام 2006، مما ادى لقيام ابناء العائلتين المذكوتين بعمليات إنتقام طالت العشرات من المحال التجارية والسيارات والعمارات السكنية، وانتشر ابناء كلا العائلتين بمئات القطع من الأسحلة، التي لم تظهر في مواجهة المستعمرين الصهاينة في كريات اربع و”بيت رومانو” و”هداسا الدبويا” و”الحي اليهودي / تل الرميدة” وغيرها من المستعمرات العشرين المقامة على ارض المحافظة البطلة، واشاعوا جوا من فوضى السلاح والعبث الأمني غير عابئين بمصالح ومستقبل ابناء الشعب كله في خليل الرحمن وفي فلسطين التاريخية المستباحة من قبل جيش الموت الإسرائيل وقطعان المستعمرين، لماذا؟ وما هي المصلحة الوطنية من وراء ذلك؟ وما هي مصلحة ابناء العويوي بعد 15 عاما العودة لمربع الموت والثأر؟ وما هي مصلحة ابناء الجعبري في الإنجرار لذات المربع الدموي؟ وما هي قيمة العلم والمعرفة والثقافة الوطنية، التي تلقاها ابناء العائلتين الكريمتين في ما جرى ويجري؟ وهل عمليات الثأر والثأر المتبادل، او “حفرة مقابل حفرة، او قبر مقابل قبر” تخدم اي من العائلتين او ابناء الخليل البطلة؟ وما هو انعكاس ذلك على مستقبل المدينة والمحافظة الفتية والأصيلة، وعلى مكانتها ودورها الوطني والصناعي والإقتصادي والإجتماعي والثقافي؟ وهل هناك مستفيد أكثر من دولة المشروع الصهيوني وعملاءهم ورجالاتهم، الذين يلبس بعضهم عباءة رجال الاصلاح، ويدسوا السم في الدسم؟ ولماذا كل هذا الدم؟ أليس من الأفضل والأكرم ان نحمي كل نقطة وقطرة دم لمواجهة المحتلين الصهاينة، ولحماية مستقبل اجيالنا القادمة؟  

آن الآوان لإبناء الخليل جميعا ان يستعيدوا عافيتهم، ورشدهم واصالتهم وانتماءهم لهويتهم الوطنية، ويخلعوا مرة وإلى الأبد المنطق العشائري والقبلي والعائلي والجهوي، وقبل الجميع على ابناء العائلتين الكريمتين الجعبري والعويوي ومن يتبع لهم من الفخود والعائلات ان يعلنوا تبرأهم من منطق الثأر والإنتقام وفي بيان مشترك لعدد من المثقفين والأكاديميين والإعلاميين، كما ويؤكدا على تمسكهم بالنظام والقانون والمواطنة الواحدة، ويعلنوا انحيازهم لهويتهم الوطنية، وتخندقهم في خنادق الكفاح التحرري الوطني والقومي ضد الإستعمار الإسرائيلي. وعلى القيادات الوطنية عموما من مختلف المشارب والإتجاهات ومعهم منتسبي الأجهزة الأمنية ان يساهموا في تعميق الحس الوطني، ويشكلوا جسرا بين الأنوية الواعدة من الكفاءات الوطنية الأصيلة لتوجيه لطمة قوية للنزعات العشائرية بحراك مشترك في كل مدن وقرى المحافظة، ليعكسوا حالة التمرد على المنطق السائد، الذي لا يخدم بحال من الأحوال مصالحهم ومستقبلهم ومستقبل ابناءهم.

معركة الخليل ونابلس وغزة وخانيونس ورفح وجنين ورام الله والبيرة والقدس العاصمة الأبدية واريحا وطولكرم وقلقيلية وسلفيت وطوباس وكل مدينة وقرية ومخيم فلسطيني، هي معركة الحرية والإستقلال والعودة وتقرير المصير، وهذا ليس حديثا انشائيا، ولا هو حديث عاطفي، انما هو جوهر ولب الخطاب الوطني، واللغة، التي يفترض ان تتعمق يوما تلو الآخر، ووأد كل خطاب جهوي وعشائري وقبلي، ولنعمل جميعا كل من موقعه ومكانه لإعادة الإعتبار للخليل الباسلة صورتها وسجلها الوطني الأصيل. وليعلم القاصي والداني من ابناء الخليل وكل المدن الفلسطينية، ان محاربة العشائرية والقبلية والجهوية تعني مباشرة محاربة العدو الصهيوني وإدارته المدنية، وتعني محاربة التكفيريين والتخوينيين وكل الافاقين واعداء وحدة الأرض والشعب والقضية والنظام الديمقراطي التعددي. إنتصروا لذاتكم لتنتصروا لهويتكم الفلسطينية العربية.

مركز الناطور للدراسات والابحاث whatsapp

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى