عمر حلمي الغول – لا شرعية لقرار المحكمة ..!
عمر حلمي الغول – 12/10/2021
آن للجميع من مختلف المشارب والاتجاهات السياسية أن يمعنوا النظر في السياسات الإسرائيلية الاستعمارية المتدحرجة على اكثر من مستوى وصعيد لبلوغ اهداف دولة المشروع الكولونيالي في إقامة “الدولة الإسرائيلية الكاملة على ارض فلسطين التاريخية”، مع تمدد اقتصادي وامني وثقافي على عموم دول الوطن العربي والاقليم الشرق اوسطي الكبير. وهذا المشروع ليس إسرائيليا بحت، انما هو جزء لا يتجزأ من مشروع الغرب الرأسمالي عموما، والذي توجته سياسات الرئيس دونالد ترامب السابق تحت عنوان “صفقة القرن”، والذي اكد عليه خلال اليومين الماضيين كل من بومبيو، وزير الخارجية السابق، وفريدمان، السفير السابق، وكوشنير، صهر الرئيس السابق ومسؤول الملف اما عبر اللقاءات بالززوم او التلفزيونية او بالزيارة لإسرائيل، والاحتفال في العاصمة الفلسطينية المحتلة، القدس على ارض مقبرة “مأمن الله” التاريخية امس، التي تم تهويدها ومصادرتها من قبل دولة إسرائيل المارقة يؤكد الحقيقة المذكورة. كما ان الإدارة الأميركية الحالية لم تتخلَ عن المخطط، والذي تطبقه تدريجيا من خلال إدارة الازمة، والالتفاف على حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967.
في هذا السياق الذي يشمل فلسطين كلها احتل ملف تهويد وتدمير المسجد الأقصى والحوض المقدس عموما مكانة مركزية في البرنامج الصهيوني الاستعماري، والذي بدأ بالاعلان عن ضم القدس منذ بداية احتلال أراضي دولة فلسطين عام 1967، وثم حرق المسجد الاقصى عام 1968، وفرض السيطرة على حائط البراق، الذي اسموه “حائط المبكى” وما تلا ذلك من سلسلة جرائم وانتهاكات تمثلت بالسماح للجماعات الصهيونية المختلفة من مختلف المشارب باقتحامات متتالية للحرم القدسي الشريف، ومحاولة فرض التقسيم الزماني والمكاني، التي تفاقمت وتوسعت بعد هبة القدس الرمضانية في أيار / مايو الماضي، ثم انتهاج سياسة التقدم والتراجع لترويض الوعي الفلسطيني والعربي والإقليمي والعالمي بالقبول بذرائع الصهاينة، وتثبيت حق المستعمرين في الحائط، وفي أولى القبلتين وثالث الحرمين وثاني المسجدين، على اعتبار انه مقام مكان “الهيكل”، رغم ان محكمة العدل الدولية وغيرها من اللجان الأممية اكدت بان الحوض المقدس عموما، والمسجد الأقصى خصوصا بما في ذلك حائط البراق يخص المسلمين فقط دون غيرهم، وليس لليهود الصهاينة ولا لغيرهم أي حق فيه وفق الوثائق التاريخية، التي اعتمدتها اليونيسكو، واعتبرت الحوض المقدس جزءً من الأرث التاريخي والحضاري للشعب العربي الفلسطيني.
وتكريسا لسياسة الاستعمار الإسرائيلي الكسنجرية “الخطوة خطوة”، قامت يوم الأربعاء الماضي الموافق 6/10/2021 محكمة الصلح الإسرائيلية بمنح “الحق المحدود” لليهود في أداء صلوات في باحات المسجد الأقصى المبارك. ليس هذا فحسب، بل انها اعتبرت “ان وجود مصلين يهود في الحرم القدسي لا يمثل عملا اجراميا طالما تظل صلواتهم صامتة، وامرت شرطة الاحتلال بإلغاء مذكرة الابعاد الصادرة بحق المتطرف أرييه ليبو لمنعه من زيارة الحرم القدسي بسبب إقامته صلوات صامتة.” الذي ترجمته منظمات ما يسمى بالهيكل عبر برنامج يومي لتنفيذ الصلوات في الأقصى.” ونشرت تلك المنظمات الصهيونية إعلانا عبر صفحتها، دعت في المستوطنين لتنفيذ القرار ب”أداء الصلوات” في الأقصى المبارك خلال الاقتحامات اليومية.”
وطالبت “مدرسة المعبد الدينية المستوطنين لاقتحام المسجد الأقصى ابتداء من صباح الاحد الماضي يوميا لاداء الصلوات والطقوس. كما ونشرت منظمة “بددينو” واتحاد منظمات المعبد، إعلانا يطالب شرطة الاحتلال بالامتثال للحكم بعد ان حاولت الشرطة الاستئناف على حكم المحكمة، ليس رفضا للقرار، وانما خشية من ردود الأفعال السياسية والديبلوماسية والجماهيرية الفلسطينية، وهو ما دفع المحكمة العليا بقبول الاستئناف على حكم محكمة الصلح، وإلغاء قرارها.
ورغم ذلك فإن دولة المشروع الصهيوني لم تتوقف عن مخطط التهويد والمصادرة والتقسيم الزماني والمكاني كمقدمة لهدم وتدمير المسجد الأقصى، وإقامة الهيكل الثالث مكانه، والمطوق أصلا بعدد كبير من الكنس اليهودية، وهو ما يحمل في طياته حرفا لبوصلة الصراع، ودفعها نحو الحرب الدينية. فضلا عن شطب خيار حل الدولتين كليا من على طاولة الحلول السياسية. وإبقاء الشعب العربي الفلسطيني غارقا في دوامة الاستعمار، وممزقا إلى كانتونات وامارات قبيلة وعشائرية ودينية بلا هوية، او بتعبير اخر بهويات قزمية متناثرة لا رابط بينها لا وطني ولا غير وطني، وربطهم جميعا بالإدارة المدنية، او ادارات مدنية متعددة وفقا للتقسيم الجديد.
هذا التطور الخطير في عملية التقسيم المكاني والزماني يفرض إعادة نظر جدية في السياسات الفلسطينية والعربية المنتهجة والمتبعة مع دولة الإرهاب والجريمة المنظمة الإسرائيلية، والتوقف عن سياسة الاستجداء، والاستنكار والشجب، واستخدام كل أوراق القوة للضغط عليها للخروج كليا من المسجد الأقصى والحوض المقدس عموما بما في ذلك حائط البراق، ووقف كلي للاقتحامات اليومية، وتصعيد المقاومة الشعبية لمنع قطعان المستعمرين من اقتحام المسجد الأقصى، وتكثيف الاتصالات السياسية والديبلوماسية لفرض القيود على الدولة الاستعمارية.