أقلام وأراء

عمر حلمي الغول – إقرار الموازنة : خطوة للأمام خطوتان للوراء

عمر حلمي الغول – 8/11/2021

تمكنت حكومة التغيير الائتلافية الواسعة من تحقيق خطوة هامة تحسب لصالحها بتغلبها على كل الصعاب والتعقيدات في إقرار الموازنة لعامي 2021/ 2022 و2023 يومي الخميس والجمعة على التوالي في الرابع والخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي، وهو ما اعتبره كل المراقبين السياسيين، تقدما في الاتجاه الصحيح. كون المصادقة على الموازنة جاءت بعد المراوحة والتملص من إقرارها لمدة ثلاثة أعوام خلت نتاج تلاعب رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، وتهربه عن سابق عمد وإصرار من المصادقة عليها، حتى أنه فرط بالتحالف مع بيني غانتس، وزير الحرب الحالي نتاج مماطلته ورفضه تمرير الموازنة. 

كما ذكرت نجاح حكومة بينيت وائتلافه في المصادقة على الموازنة حقق لها مجموعة أهداف في آن واحد، أولا تخطي عقبات المعارضة، والفوز بصعوبة في تمريرها عزز موقعها نسبيا؛ ثانيا منحها زمنا من الاستقرار النسبي، وأطال في عمرها لبعض الوقت؛ لأنه لو لم تتمكن من تمريرها والمصادقة عليها، كان على إسرائيل التوجه لانتخابات برلمانية جديدة؛ ثالثا خرجت حكومة بينيت من المعركة بتماسك نسبي لائتلافها الواسع، رغم المطبات والعراقيل والتناقضات البينية بين مكوناتها الواسعة؛ رابعا يمكن الافتراض أن إقرار الموازنة شكل لحظة فاصلة بحياة زعيم المعارضة، نتنياهو، وقد تكون الضربة القاصمة لبقائه في الساحة السياسية، وقد تدفعه لاعتزال السياسة، وعدم المنافسة للبقاء على رأس الحزب، وبالتالي فتح الأفق أمام أقطاب الليكود الطامعين برئاسة الحزب للتسريع بمعركة خلافة الملك الفاسد. 

لكن هذا النجاح لا يمكن الافتراض بأنه سيطيل عمر الحكومة طويلا. رغم أن هناك بعض المراقبين يميلون لهكذا فرضية، إلا أن الاعتقاد العام لا يتفق مع ما تقدم لأكثر من عامل، منها: أولا مركبات الحكومة من أقصى اليمين لأقصى ما يسمى اليسار الصهيوني لا يساهم في مثل هذا الاستقرار، لا بل يفتح القوس واسعا أمام سيناريوهات صعبة، كونها تسير على طريق مليئة بالمطبات والحفر والمتاريس؛ ثانيا غرور وعنجهية رئيس الحكومة الساذج، بينيت تدفعان الأمور دفعا نحو تعميق التناقضات البينية، وعدم التستر عليها، وظهورها للعلن، ليس هذا فحسب، وإنما الدفع نحو فرط عقد الحكومة؛ ثالثا الحاوي نتنياهو، رغم هزيمته، لكنه لن يستسلم، وسيقوم بسلسلة من المناورات داخل الكنيست عبر طرح مشاريع قوانين تستهدف استقطاب اليمين أو الوسط أو ما يسمى اليسار، واللعب على كل الحبال لتقويض الائتلاف الحاكم، لأنه لا يرتكز على قاعدة راسخة؛ رابعا التطورات الداخلية أو حدوث مواجهة ما على إحدى الجبهات قد تسرع بانهيار الحكومة. وبالتالي لا يمكن الرهان على بقائها طويلا. 

ومن يعتقد عكس ذلك من وجهة نظري يكون مغاليا، ومسقطا لرغباته أكثر من أن تكون لديه قراءة موضوعية علمية لواقع حال الحكومة. ومن ينظر للمواقف، التي بادر نفتالي بينيت لإعلانها بعد إقرار الموازنة يلحظ، أنه اندفع في تسريع المواجهة على الأقل العلنية والشكلية مع الإدارة الأميركية، عندما أعلن الجمعة الماضي، أنه لن يسمح بفتح القنصلية الأميركية في القدس، وهذا الموقف لم يصدر عنه بتاتا طيلة الفترة السابقة قبل إقرار الموازنة، ما يشير إلى أنه شعر بالاطمئنان لبقاء حكومته طويلا، وبالتالي اعتقد أنه يستطيع وضع رجله في الأرض ورفع سقف التحدي مع إدارة بايدن. والنقطة الهامة الثانية، أنه أمس الأحد صرح بشكل واضح، أنه سيعمل على إعادة بناء مستعمرة أفيتار وفق ما اتفق مع مجلس المستوطنات في الضفة الفلسطينية، متجاهلا بعض الأصوات المعارضة في ائتلافه لبناء المستوطنات مجددا، ورفضهم للاصطدام مع الولايات المتحدة، وتأليب الرأي العام الدولي على دولة المشروع الصهيوني.

وكلا الموقفين يحملان في طياتهما تباينا داخل الائتلاف الحكومي الفضفاض وغير المتجانس، وهو ما يسمح لأي مراقب واقعي بالاستنتاج، بأن الحكومة عادت خطوتين للوراء لجهة عدم الرهان على استمرارها بحكم مركباتها غير المستقرة، ولتسرع اليمين الديني برئاسة بينيت في اتخاذ خطوات انفعالية وعاطفية وآيديولوجية متطرفة تسهم عمليا في تدمير الائتلاف مع ارتفاع وتيرة التناقضات حول القضايا المثارة، وغيرها من القضايا، التي سأتناولها في ملفات لاحقة، وخاصة ما يتعلق بالقائمة العربية الموحدة.

مركز الناطور للدراسات والابحاث Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى