عمر الغول يكتب – خطاب البلطجي ترامب
عمر حلمي الغول ٢٨-٩-٢٠١٨
ألقى الرئيس دونالد ترامب خطابه في الجلسة الإفتتاحية للدورة ال73 للجمعية العامة للأمم المتحدة أول أمس الثلاثاء الموافق 25/9/2018، وليته لم يتكلم، ولم يخاطب زعماء وقادة الدول والأمم، لإنه كان أجدر وأكرم للولايات المتحدة صمت رجل العقارات الشعبوي المتغطرس. ولعل من اللحظات الأكثر إثارة في خطابه، هو إطراؤه لنفسه وإدارته، عندما إدعى، “أن إدارته حققت من الإنجازات ما لم تحققه أي إدارة أميركية سابقة.” مما أرغم المستعمين على الخروج عن المألوف، عندما إنفجروا بالضحك على ما إدعاه الأميركي البشع. لإن الجميع يعلم علم اليقين ان إدارة ترامب، هي الإدارة الأسوأ في تاريخ الأمم المتحدة من حيث الأداء والإلتزام بمواثيق وقوانين ومعاهدات الشرعية الدولية. لا بل هي الإدارة الأكثر بلطجة في تاريخ اميركا المعاصر منذ تأسيس الأمم المتحدة قبل 73 عاما، كونها عملت وتعمل على تهشيم وتشويه ومطاردة الأمم المتحدة، وتلاحق مؤسساتها ومنظماتها الدولية ذات الصلة بحقوق الإنسان والشعوب وتأمين العدالة. ولعل ما ذكره في خطابه يدلل على ذلك بشكل صريح، عندما أعلن رفضه لمحكمة الجنايات الدولية، وعدم التعاون معها، وبذات القدر عدم العودة للجنة حقوق الإنسان الأممية، وقبلها الإنسحاب من منظمة اليونيسكو.
أضف أن راعي البقر الجديد في ذات الخطاب هدد وبشكل سافر دولة ذات سيادة، هي فنزويلا ورئيسها، وأعلن ان إدارته ستهاجم الرئيس نيكولاس مادرور، وحرض الجيش دون مواربة على القيام بالإنقلاب على رئيس منتخب بشكل شرعي. كما وهاجم الإشتراكية، وكأن منظومتة الرأسمالية أفضل حالا. وتناسى الرئيس الأفنجليكاني الشعبوي، ان إدارته قد تكون الأسوأ في تاريخ القيادات الرأسمالية، فهو أسوأ من ريغان وتاتشر وكل الزعماء، الذين إبتلت بهم شعوبهم خلال العقود السبعة والنصف الماضية.
وبالتوقف أمام القضية الفلسطينية وعملية السلام، لاحظ اي مستمع لخطاب الرئيس ترامب، ان الرجل كأنه رئيس عصابة وقاطع طريق، وفي ذات الوقت رجل مرعوب يخشى إسرائيل وحلفائها، ويحسب الف حساب لصوتها ونفوذها في الولايات المتحدة الأميركية. فضلا عن انه أسير خيارات ومحددات أركان الحكومة العالمية من أصحاب رأس المال المالي، الذين جلهم يسبح بحمد إسرائيل الإستعمارية. وهو ما عكسه في تباهية بالإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وبنقل السفارة من تل ابيب للعاصمة الفلسطينية العربية الأبدية. فضلا عن دعمه المطلق لدولة الإستعمار الإسرائيلية.
ولم يحاول رئيس أميركا ال45 مراجعة ذاته، أو الإصغاء لصوت العقل والسلام الفلسطيني الإسرائيلي، وللصوت الأميركي المتعاقب والسابق لإدارته منذ التوقيع على إتفاقيات أوسلو 1993، ولا حتى لبعض اصوات قادة دول العالم، ولا لصوت القرارات الدولية ومرجعيات عملية السلام. لإن هاجسه المعلن، هو ضمان أصوات اليهود الأميركان في الإنتخابات النصفية لمجلس النواب الأميركي في نوفمبر القادم، خاصة وانه بات يعلم، ان الحزب الديمقراطي، هو المرشح بالفوز في الإنتخابات القادمة، وعليه يخشى الشروع بعملية العزل له من سدة البيت الأبيض في واشنطن. لهذا كان ترامب معنيا أولا بالتأكيد على موقفه المتكامل والمتماهي مع إسرائيل المارقة؛ ثانيا عدم التوسع في الموضوع خشية الإنزلاق بمواقف غير محمودة النتائج أكثر مما هو قائم في المشهد السياسي الأميركي الفلسطيني، لاسيما وان هناك تغير نسبي، عكسه في أعقاب لقائه مع نتنياهو أمس، عندما أكد لإول مرة أنه يحبذ خيار حل الدولتين، وطالب حكومة الإئتلاف اليميني المتطرف تقديم شي للفلسطينيين.
ورغم اللفتة الأخيرة، وهي ليست ذات شأن بالمعنى النوعي، فإن خطاب الرئيس الأميركي، كان خطابا تفجيريا يعكس روح البلطجي وشرطي العالم، وهذا ما أعلنه عن أن الولايات المتحدة، هي إمبراطورية، وقائدة العالم، وكأنه يوجه رسالة لإقطاب العالم مفادها: أميركا سيدتكم، وزعيمتكم، ومرجعيتكم، ولا خيار لكم غير الرضوخ لمشيئتها؟! هذة الروح الشيطانية المتعالية، هي ما حمله خطاب الشعبوي ترامب.
ملاحظة: بعض المتابعين لما أكتب سألوني عما جاء في مقالي قبل يومين “التراجع الأميركي المحدود”، الذي تضمن معلومات عن تراجع أميركي نسبي في الخطة الأميركية، وأجبتهم بأن أهل السياسة لا يقولون كل ما لديهم من على المنابر، وقد يطلقوا مواقف متناقضة مع ما يجري تحت الطاولة، ومرة اخرى أعيدهم لما ذكره ترامب في أعقاب لقائه مع رئيس وزراء إسرائيل، نتنياهو، لعلهم يلتقطوا طرف الخيط.