أقلام وأراء

عمر الغول يكتب – العلاقة الطردية بين الهدنة والمصالحة

عمر حلمي الغول ١٢-٨-٢٠١٨

تم التوصل يوم الخميس الماضي لإتفاق هدنة جديد بين حركة حماس وحكومة نتنياهو برعاية مصرية، فضلا عن الجهود، التي بذلها المبعوث الأممي، ملادينوف. ومرة أخرى تنفرد قيادة حماس بإبرام إتفاقية للهدنة دون التوافق مع فصائل العمل الوطني، والأهم دون العودة للشرعية الوطنية. رغم أن حسام بدران، عضو المكتب السياسي للحركة في لقاء مع القوى السياسية في مدينة غزة الأسبوع الماضي، أعلن ان حركته ليست وحدها من يقرر في هذا الشأن، لإنه يهم الجميع، وان حماس معنية بأخذ رأي الجميع. لكن ما حصل غير ما تحدث به مسؤول العلاقات الفلسطينية في الحركة. وما كان من الفصائل سوى التعامل مع الأمر الواقع، دون أن تبدي تحفظها أو إعتراضها. مع ان بيانات بعضها قبل موافقة حماس على الهدنة، طالب بضرورة التشاور معهم. غير ان شيئا من ذلك لم يحدث.

ومن الملاحظ أن الهدنة الأخيرة تمت على أرضية “هدنة من أجل الهدنة”، وعلى أساس الإتفاقات السابقة من الهدن المذلة، التي فيها إنتقاص من الحقوق والمصالح الفلسطينية، ودون ربطها بالمصالحة، أو بالعملية السياسية، وحصرها بحماية رأس حركة حماس، وإستمرار سيطرتها الإنقلابية على محافظات الجنوب، وتقديم بعض الفتات النفعي للحركة يتمثل في التخفيف من الحصار، ووعود بإقامة بعض المشاريع التنموية لإعتبارات إنسانية!

وحتى لا يساء الفهم، فإنني كمواطن ومسؤول فلسطيني كنت ومازلت مع الهدنة، لإن أية مواجهة حقيقية بين جيش الموت الإسرائيلي وأذرع الفصائل المسلحة في القطاع، سيكون الخاسر فيها الشعب العربي الفلسطيني لإكثر من إعتبار وسبب، منها: أولا إختلال موازين القوى لصالح إسرائيل الإستعمارية؛ ثانيا سقوط ضحايا بريئة من الشعب مجانا، بالإضافة لتدمير منازل ومصانع البرجوازية الفلسطينية والبنى التحتية المختلفة، مع أن هناك العشرات والمئات من البيوت والمؤسسات، التي دمرت في حرب 2014 لم يعاد إعمارها؛ ثالثا توسيع وتعميق نطاق الكارثة، التي يعيشها قطاع غزة؛ رابعا تحميل ابناء الشعب الفلسطيني المسؤولية عما آلت إليه الأمور، ومحاولة قلب معادلة الصراع عبر المساواة بين الضحية والجلاد على أقل تقدير.

مع ذلك، ما جرى لا يخدم المصالح الوطنية. لا سيما وأن الهدنة تم التوافق عليها في الوقت، الذي تجري فيه الحوارات بين الحركتين فتح وحماس برعاية مصرية لإبرام المصالحة الوطنية. وعليه ما كان يجب الإقدام على الموافقة على الهدنة دون ربطها بالمصالحة والعملية السياسية، لإنه في حال تم التوافق على المصالحة ستكون حكومة الوفاق الوطني، هي الجهة، التي ستتحمل المسؤولية أمام العالم. وعندئذ لا تستقيم المعادلة، كيف سيكون عليه الحال الفلسطيني بعد إلزامها بما وقع عليه فصيل بغض النظر عن ثقله في الساحة على هدنة بعيدة كل البعد عن النواظم السياسية والأمنية الفلسطينية الوطنية؟ وعلى أي أساس ستتحمل الحكومة الشرعية المسؤولية عن تبعات الهدنة الناقصة والمثلومة؟

وبالنتيجة نجد أنفسنا أمام علاقة طردية وسلبية ومتناقضة مع المصالح الوطنية العليا وفي مقدمتها المصالحة الوطنية، لا بل أن تمرير الهدنة دون ربطها بما تقدم، سيشكل عقبة حقيقية أمام المصالحة الوطنية، وسيزيد من العقبات في طريق تسلم حكومة الوفاق مسؤولياتها في القطاع، وسيلقي بضباب كثيف على مستقبل العلاقات البينية الفلسطينية الفلسطينية.  

وفي السياق كان على الراعي المصري أن يتنبه للتناقض بين الموافقة على الهدنة من قبل حركة حماس بشكل منفرد دون ربطها بالمصالحة. كما ان حصر الحوار في مواضيع المشاريع التنموية ذات البعد الإنساني مع حركة حماس لا يفيد التقدم نحو المصالحة، حيث لا يجوز النظر لهذة المسألة من الزاوية النفعية الضيقة، ومقدار ما تدره من مردود مالي على هذا الطرف أو ذاك، خاصة وأن المخطط الإسرائيلي الأميركي يهدف من خلال تبسيط الأمور لربط القطاع بجمهورية مصر كخطوة على طريق فصل المحافظات الجنوبية عن المحافظات الشمالية لتمرير صفقة القرن. ولا حقا قد يتم ربط الضفة الفلسطينية بالمملكة الأردنية، وهناك خطط تعد لهذا الهدف الخطير.

وما تقدم يحتم إعادة نظر جدية في قراءة اللوحة بشكل أعمق وأشمل لتفادي السقوط في المستنقع الإسرائيلي الأميركي، وهذا يملي على حركة فتح والشرعية الوطنية التوقف مليا أمام ما تم، ووضع الضوابط الوطنية معيارا أساسيا لقطع الطريق على الحسابات الصغيرة والفئوية ومردوداتها النفعية الضيقة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى